في الدول الإسكندنافية، لم يعد الحديث عن الانتحار من المحظورات. خلال العقود الماضية، بات الانتحار قضية اجتماعية وصحية وحتى سياسية، ويجري التعاطي معها بشكل جدي. وأُنشئت مؤسسات رسمية وغير رسمية متخصّصة للمساعدة والوقاية من الانتحار وتقديم العلاج.
وعلى الرغم من اختلاف نسب إنهاء الحياة بين الدول الاسكندنافية، تبقى كل من السويد والدنمارك أكثر اهتماماً بالانتحار الذي يعدّ "مؤشراً على الصحة الوطنية". الأرقام الصادرة عن مؤسسة "كارلولينسكا" للأبحاث تفيد بأن عام 2016 وحده شهد 1478 حالة انتحار، 1015 ذكوراً و463 إناثاً. ومنذ سنوات طويلة، أنشأت السويد برامج متطورة للمساهمة في الوقاية من الانتحار، تجمع ما بين العمل في الحقول الاجتماعية والطبية والبحثية، وتستند على تواصل مباشر مع آلاف المواطنين من خلال خطوط ساخنة وعلى مدار الساعة، لتجنب أن يضع أي شخص حداً لحياته. وأقدم برلمان السويد في عام 2005 على سنّ قانون يحدد الإجراءات والقرارات المتعلقة بالبرنامج الوطني للوقاية من الانتحار.
الدنمارك كذلك تهتم بالوقاية من الانتحار، وتولي اهتماماً أكبر بالعائلات التي أقدم أحد أفرادها على الانتحار. وحتّى إن كانت نسبة الانتحار أقلّ مما هي عليه في السويد، وتقدّر بنحو 600 شخص سنوياً استناداً إلى إحصائية رسمية أصدرتها دائرة الصحة الوطنية، يبقى الرقم مرتفعاً.
وللوقاية من الانتحار، تعتمد كوبنهاغن سياسة صارمة تفرض تعاوناً بين دائرتي الصحة والشؤون الاجتماعية ونحو 22 منظمة عاملة في هذا الإطار، إضافة إلى بعض المنظّمات غير الحكومية. ومنذ سنوات، تضع كوبنهاغن برنامجاً خاصاً يحمل عنوان "شراكة وطنية 2020" للحد من الانتحار في البلاد. وعلى الرغم من انخفاض نسب الوفاة نتيجة الانتحار إلى 1.10 في المائة عام 2017 (كانت نحو 1.46 في المائة عام 1995) من مجموع وفيات الدنمارك سنوياً، إلا أن كثيرين يرون أنه يجب القيام بالمزيد، خصوصاً أن الأمر لا يقتصر على الذين يحاولون الانتحار فقط، إذ للإقدام على الانتحار تأثير على المحيطين.
اقــرأ أيضاً
إذاً، تتعامل الدول الإسكندنافية بانفتاح وجدية مع الانتحار، ويمكن لأي شخص مراجعة كافة أقسام الطوارئ في المستشفيات والعيادات في حال كان يواجه مشاكل أو يفكر بالانتحار. والأقسام مجبرة على استقبال هذه الحالات وتحويلها إلى الأقسام المتخصصة بالعلاج النفسي. في الدنمارك على سبيل المثال، تشير أرقام إلى 20 ألف محاولة انتحار سنوياً، أو أقله التفكير في الانتحار، عدا عن وجود أعراض نفسية قد تؤدي إلى الانتحار. وعادة ما يظهر هؤلاء بعض العزلة.
واللافت في الدنمارك أن الجهات المتخصّصة تولي اهتماماً كبيراً بفئتي المراهقين والمسنين، استناداً إلى دراسات تشير إلى ارتفاع نسب الانتحار لدى هاتين الفئتين. بالنسبة إلى المراهقين، يعدّ التنمر والتهميش سببين رئيسيين، ما يدفع الجهات المعنية إلى العمل على وضع حد للتنمر في المدارس والتنمر الإلكتروني. وفي ما يتعلق بالمسنين، لاحظت الدراسات أن الوحدة والعزلة الاجتماعية وتأزم الأوضاع الصحية زادت من رغبة هذه الفئة بالانتحار.
السويد عمدت إلى تعميم الدراسات المتعلقة بالانتحار على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. وتشير إلى أن القول إنه من غير الممكن إيقاف من اتخذ قراره بالانتحار خاطئ، إذ أن 85 إلى 90 في المائة ممن فكروا جدياً بالانتحار وجرى إنقاذ حياتهم وبدأوا العلاج سيسألون أنفسهم: "كيف أمكنني التفكير بذلك؟"، وقد اعتذر البعض لمحيطهم.
بالتالي، يتفق المعالجون النفسيون وعلماء الاجتماع في كل من السويد والدنمارك على أن القول إن الحديث عن الانتحار سينبّه الناس إليه مجرد خرافة تضاف إليها خرافات أخرى، كالقول إن من كان مكتئباً وعولج لن يفكر في الانتحار مرة أخرى.
وتقدّم مختلف الجهات المعنية بالصحة النفسية في البلدين فرصاً علاجية لكل من يعاني مشاكل نفسية مزمنة أو طارئة، ولذويهم. وتتحمل القطاعات الصحية العامة الكلفة المادية وتقدم جلسات نفسية طارئة فردية وجماعية من خلال حلقات (ما بين ثلاث إلى عشر جلسات). وتستند تجربة العلاج الجماعي على تبادل للأفكار والإرشادات والنصائح حول ما يدور في حياة من جرب أو يفكر بالانتحار. ووفقاً لنتائج مركز أبحاث الانتحار في كوبنهاغن: "أحياناً، يكون من السهل على البعض التعبير عن مشاعرهم أمام أشخاص محايدين ومهنيين، وأصحاب تجارب مشابهة. أما الذين يعانون أمراضاً عقلية، فقد يكونون في حاجة إلى علاجات فردية".
مركز محافظة كوبنهاغن للعلاج النفسي يركز على تقديم العلاج للأشخاص في أماكن سكنهم أو في عيادات متخصصة يقضون فيها بعض الوقت. ولاقى العلاج الجماعي نجاحاً، علماً أنه يشمل عائلات الضحايا إضافة إلى الأشخاص الذين حاولوا الانتحار، لحمايتهم من العزلة وتشجيعهم على الحديث عن الانتحار.
العلاج يُقدَّم للبالغين والأطفال والمراهقين. ويمكن لمن تجاوز 18 عاماً طلب العلاج بشكل مباشر أو من خلال طبيب أو الأهل أو الأقارب. أما من هم دون 18 عاماً، فيجب أن يحصلوا على موافقة البالغين بعد الاتفاق مع طبيب الأسرة أو المدرسة، لتحويلهم إلى المتخصصين لتلقي العلاج. والفئة الأكثر ضعفاً هي المسنون، والتي تعاني من أمراض عضال وغير قابلة للشفاء، ما يزيد لديها الرغبة في إنهاء حياتها للتخفيف من المعاناة. يشار إلى أن القوانين تحظر تماماً مساعدة هذه الفئة على الانتحار.
وعلى الرغم ممّا تقدّمه الدول الاسكندنافية في ما يتعلّق بالانتحار، ومحاولة الالتزام بمعايير منظمة الصحة العالمية، يستمر انتقاد الجهات الحكومية بسبب التقصير في عمل المستشفيات التي تهتم بالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية. وخلال السنوات الماضية، أقدم بعض هؤلاء على الانتحار بسبب قلة عدد الموظفين والمراقبين في أقسامها الداخلية.
وعلى الرغم من اختلاف نسب إنهاء الحياة بين الدول الاسكندنافية، تبقى كل من السويد والدنمارك أكثر اهتماماً بالانتحار الذي يعدّ "مؤشراً على الصحة الوطنية". الأرقام الصادرة عن مؤسسة "كارلولينسكا" للأبحاث تفيد بأن عام 2016 وحده شهد 1478 حالة انتحار، 1015 ذكوراً و463 إناثاً. ومنذ سنوات طويلة، أنشأت السويد برامج متطورة للمساهمة في الوقاية من الانتحار، تجمع ما بين العمل في الحقول الاجتماعية والطبية والبحثية، وتستند على تواصل مباشر مع آلاف المواطنين من خلال خطوط ساخنة وعلى مدار الساعة، لتجنب أن يضع أي شخص حداً لحياته. وأقدم برلمان السويد في عام 2005 على سنّ قانون يحدد الإجراءات والقرارات المتعلقة بالبرنامج الوطني للوقاية من الانتحار.
الدنمارك كذلك تهتم بالوقاية من الانتحار، وتولي اهتماماً أكبر بالعائلات التي أقدم أحد أفرادها على الانتحار. وحتّى إن كانت نسبة الانتحار أقلّ مما هي عليه في السويد، وتقدّر بنحو 600 شخص سنوياً استناداً إلى إحصائية رسمية أصدرتها دائرة الصحة الوطنية، يبقى الرقم مرتفعاً.
وللوقاية من الانتحار، تعتمد كوبنهاغن سياسة صارمة تفرض تعاوناً بين دائرتي الصحة والشؤون الاجتماعية ونحو 22 منظمة عاملة في هذا الإطار، إضافة إلى بعض المنظّمات غير الحكومية. ومنذ سنوات، تضع كوبنهاغن برنامجاً خاصاً يحمل عنوان "شراكة وطنية 2020" للحد من الانتحار في البلاد. وعلى الرغم من انخفاض نسب الوفاة نتيجة الانتحار إلى 1.10 في المائة عام 2017 (كانت نحو 1.46 في المائة عام 1995) من مجموع وفيات الدنمارك سنوياً، إلا أن كثيرين يرون أنه يجب القيام بالمزيد، خصوصاً أن الأمر لا يقتصر على الذين يحاولون الانتحار فقط، إذ للإقدام على الانتحار تأثير على المحيطين.
إذاً، تتعامل الدول الإسكندنافية بانفتاح وجدية مع الانتحار، ويمكن لأي شخص مراجعة كافة أقسام الطوارئ في المستشفيات والعيادات في حال كان يواجه مشاكل أو يفكر بالانتحار. والأقسام مجبرة على استقبال هذه الحالات وتحويلها إلى الأقسام المتخصصة بالعلاج النفسي. في الدنمارك على سبيل المثال، تشير أرقام إلى 20 ألف محاولة انتحار سنوياً، أو أقله التفكير في الانتحار، عدا عن وجود أعراض نفسية قد تؤدي إلى الانتحار. وعادة ما يظهر هؤلاء بعض العزلة.
واللافت في الدنمارك أن الجهات المتخصّصة تولي اهتماماً كبيراً بفئتي المراهقين والمسنين، استناداً إلى دراسات تشير إلى ارتفاع نسب الانتحار لدى هاتين الفئتين. بالنسبة إلى المراهقين، يعدّ التنمر والتهميش سببين رئيسيين، ما يدفع الجهات المعنية إلى العمل على وضع حد للتنمر في المدارس والتنمر الإلكتروني. وفي ما يتعلق بالمسنين، لاحظت الدراسات أن الوحدة والعزلة الاجتماعية وتأزم الأوضاع الصحية زادت من رغبة هذه الفئة بالانتحار.
السويد عمدت إلى تعميم الدراسات المتعلقة بالانتحار على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. وتشير إلى أن القول إنه من غير الممكن إيقاف من اتخذ قراره بالانتحار خاطئ، إذ أن 85 إلى 90 في المائة ممن فكروا جدياً بالانتحار وجرى إنقاذ حياتهم وبدأوا العلاج سيسألون أنفسهم: "كيف أمكنني التفكير بذلك؟"، وقد اعتذر البعض لمحيطهم.
بالتالي، يتفق المعالجون النفسيون وعلماء الاجتماع في كل من السويد والدنمارك على أن القول إن الحديث عن الانتحار سينبّه الناس إليه مجرد خرافة تضاف إليها خرافات أخرى، كالقول إن من كان مكتئباً وعولج لن يفكر في الانتحار مرة أخرى.
وتقدّم مختلف الجهات المعنية بالصحة النفسية في البلدين فرصاً علاجية لكل من يعاني مشاكل نفسية مزمنة أو طارئة، ولذويهم. وتتحمل القطاعات الصحية العامة الكلفة المادية وتقدم جلسات نفسية طارئة فردية وجماعية من خلال حلقات (ما بين ثلاث إلى عشر جلسات). وتستند تجربة العلاج الجماعي على تبادل للأفكار والإرشادات والنصائح حول ما يدور في حياة من جرب أو يفكر بالانتحار. ووفقاً لنتائج مركز أبحاث الانتحار في كوبنهاغن: "أحياناً، يكون من السهل على البعض التعبير عن مشاعرهم أمام أشخاص محايدين ومهنيين، وأصحاب تجارب مشابهة. أما الذين يعانون أمراضاً عقلية، فقد يكونون في حاجة إلى علاجات فردية".
مركز محافظة كوبنهاغن للعلاج النفسي يركز على تقديم العلاج للأشخاص في أماكن سكنهم أو في عيادات متخصصة يقضون فيها بعض الوقت. ولاقى العلاج الجماعي نجاحاً، علماً أنه يشمل عائلات الضحايا إضافة إلى الأشخاص الذين حاولوا الانتحار، لحمايتهم من العزلة وتشجيعهم على الحديث عن الانتحار.
العلاج يُقدَّم للبالغين والأطفال والمراهقين. ويمكن لمن تجاوز 18 عاماً طلب العلاج بشكل مباشر أو من خلال طبيب أو الأهل أو الأقارب. أما من هم دون 18 عاماً، فيجب أن يحصلوا على موافقة البالغين بعد الاتفاق مع طبيب الأسرة أو المدرسة، لتحويلهم إلى المتخصصين لتلقي العلاج. والفئة الأكثر ضعفاً هي المسنون، والتي تعاني من أمراض عضال وغير قابلة للشفاء، ما يزيد لديها الرغبة في إنهاء حياتها للتخفيف من المعاناة. يشار إلى أن القوانين تحظر تماماً مساعدة هذه الفئة على الانتحار.
وعلى الرغم ممّا تقدّمه الدول الاسكندنافية في ما يتعلّق بالانتحار، ومحاولة الالتزام بمعايير منظمة الصحة العالمية، يستمر انتقاد الجهات الحكومية بسبب التقصير في عمل المستشفيات التي تهتم بالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية. وخلال السنوات الماضية، أقدم بعض هؤلاء على الانتحار بسبب قلة عدد الموظفين والمراقبين في أقسامها الداخلية.