يرى خبراء ومحللون أن رفض المشرّعين الأميركيين الاتفاق النووي مع إيران، سيعرّض العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين للخطر، وهو ما كان قد تحدّث عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمام الكونغرس. وفي كلمة ألقاها أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، حذّر كيري من أن عدم تصديق المشرّعين على الاتفاق مع إيران سيفقد الولايات المتحدة دعم شركائها في الساحة العالمية، مضيفاً: "إذا رجعنا (عن الاتفاق) سنرجع وحدنا، ولن يكون معنا شركاؤنا".
ولا يرى متابعون مبالغة في تحذيرات كيري، بل إن مدير دائرة الولايات المتحدة في مركز الأبحاث البريطاني "تشاتهام هاوس"، يعقوب باركيلاس، يعتبر أن رفض الاتفاق بين إيران ومجموعة دول الست من شأنه أن يضر بتماسك العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وحلفائها الغربيين، وأن تدمير الاتفاق في مرحلة المراجعة أو بعد انتخابات العام المقبل، كما توعّد زعماء الكونغرس الجمهوريون والمرشحون للرئاسة من معارضي الاتفاق، ستكون له نتائج كارثية تتجاوز إيران، لأن الصفقة ليست بين إيران والولايات المتحدة، لكنها عُقدت بين إيران والتحالف الذي ضم أقرب حلفاء أميركا (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، وأكبر منافس لها (الصين) وخصمها الاستراتيجي (روسيا).
ويقول باركيلاس إن العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي شاركت في المفاوضات مع إيران، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وإن كانت تبدو في ظاهرها إيجابية إلى حد كبير، إلا أنها تضرّرت إلى حد ما على مدى العقد الماضي، بسبب عدم التوافق مع السياسات اللاشعبية لواشنطن في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في ما يخص "مكافحة الإرهاب" وحرب العراق، والتباين في وجهات النظر بخصوص مواجهة الأزمة المالية العالمية، ومواجهة تنظيم "داعش" وروسيا، وبالتالي فإن أي تغيير في بنود الاتفاق، أو التراجع عنه، سيضرّ أكثر بهذه العلاقة، كما سيضرّ بمصداقية الولايات المتحدة ونفوذها على الساحة الدولية. وإذا أرادت أوروبا والولايات المتحدة إثبات قوة تحالفهما، وقدرتهما على العمل معاً، وإثبات تقديم مصالحهما المشتركة على الخلافات، فإن تنفيذ مقتضيات الصفقة مع إيران بنجاح يعتبر مقياساً حاسماً.
ويرى الكاتب أن الآثار السلبية لنسف الاتفاق مع إيران على العلاقات عبر الأطلسي تبدو ضئيلة بالمقارنة مع الآثار السلبية التي ستترتب على علاقات الولايات المتحدة مع روسيا والصين في حال رفض الكونغرس أو تراجع الرئيس المقبل عن الاتفاق. كما أن تراجع واشنطن عن الاتفاق سيعزز ثقة دول العالم الثالث بالصين وروسيا التي تنافس الولايات المتحدة على النفوذ الاستراتيجي في الكثير من مناطق العالم.
ويخلص باركيلاس إلى القول إن تراجع الولايات المتحدة عن الاتفاق من طرف واحد، ومن دون دليل واضح لا لبس فيه على مخالفات إيرانية، سيؤثر سلباً على علاقات واشنطن مع أقرب حلفائها، وسوف يزيد من نفوذ خصومها، ويمسّ بمصداقيتها على مستوى العلاقات الدولية، وهذا يعني عجزها عن احتواء إيران مستقبلاً، ويجرّدها من قدرتها على التعامل مع أزمات دولية أخرى.
اقرأ أيضاً: جلسات الكونغرس تفضح وجود ملاحق سرية في الاتفاق النووي
أما المعلّق المختص في الشؤون الإيرانية ريتشارد دالتون، فيرى في مقالة نشرها في صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الصفقة مع إيران تنطوي على حقيقتين، الأولى أن الاتفاق لن يُنهي التوتر بين إيران والغرب بشكل نهائي، والحقيقة الثانية أن الأطراف صاغت الاتفاق لكي يبقى، وبالتالي هناك ما يكفي من الإشارات للاعتقاد بأن الصفقة ستُعمّر وتفتح أبواباً أوسع للتقارب بين طهران والغرب.
ويتحدث دالتون عن ثلاث إشارات: أولاً، وجود أحكام صارمة للوقاية من أي خداع، وبنود واضحة لإمكانية استئناف العقوبات في حالة حدوث أي انتهاكات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق أبقى الباب مفتوحاً أمام الخيار العسكري، وبالتالي لن تخاطر إيران باستبدال الاتفاق بمغامرة عسكرية.
ثانياً، على الرغم من وجود معارضة في الكونغرس الأميركي، إلا أن هناك أسباباً للتفاؤل بعدم نجاحها في تقويض الصفقة. فالمعارضة لا تطرح بديلاً أفضل، وهناك غياب لدعم دولي لفرض مزيد من العقوبات على طهران في حال تراجعت الولايات المتحدة عن الصفقة.
ثالثاً، إن إيران لم تعد مستعدة لمواجهة حصار دولي بسبب "نوايا نووية"، لا سيما أن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي حظر السعي للحصول على الأسلحة النووية، منذ الإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في عام 2003. كما أن إيران باتت مقتنعة بعدم إمكانية تحقيقها تنمية مستدامة من دون تبديد المخاوف الدولية. إضافة إلى أن تراجعها عن الاتفاق أو خرق أي من بنوده سوف يعرّض سمعتها العالمية وأمنها إلى مخاطر.
ويقول دالتون إن المفاوضين الغربيين أدركوا أيضاً أن مطالب إسرائيل وغيرها من دول المنطقة بتفكيك المنشآت النووية الإيرانية تماماً، غير واقعية، وأن الاتفاق الذي يأخذ بعين الاعتبار أمن دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من دول الإقليم، هو أفضل الممكن أو المتاح، وأنه يوفر ما أمكن من الشروط التي تجعل المنطقة أكثر أماناً.
ويخلص دالتون إلى القول بأن الاتفاق لا يعني أن إيران ستكون أفضل صديق للولايات المتحدة، أو أن الاتفاق سيُزعزع التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة، أو بين الأخيرة ودول مجلس التعاون الخليجي، إذ ستبقى إيران في صراع مرير مع الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وشركائها، ولكن الاتفاق سيمنع تصاعد الصراع، وربما يكون نقطة لبدء حوار بين هذه الدول وإيران بشأن ملفات أخرى، كما قال كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما وخامنئي.
اقرأ أيضاً: الاتفاق النووي يتوكأ على عكازتين في الكونغرس الأميركي