في الشارع الفوقاني (الأعلى) من مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوبي لبنان، دكان صغير. في هذا الدكان، رجل لا يتجاوز الخمسين من سنّه، إلا أنّ الناظر إليه يظنّ أنّه تجاوز الستين. هو علي زيدان الذي يتكئ على عصاه مذ تعرّض إلى حادث صدم وأصيبت رجله.
جدران دكان زيدان وسقفه كناية عن ألواح "زينكو"، ودكانه هذا ليس سوى جزء من بيته، بالتالي لا يتوجّب عليه تسديد بدل إيجار. في دكانه الصغير، يبيع القهوة وعلب السجائر، فيؤمّن مصاريف عائلته، وزوجته وأولاده الثلاثة. يُذكر أنّ زبائنه كلّهم من المخيّم.
من سقف الدكان تتدلى ثريات قديمة، وعلى أحد الجدران علّقت بنادق صيد مستعملة وقديمة، قد تكون معطلة. ما يلفت نظر المارة كذلك هو تلك المقتنيات القديمة التي يعرضها على رفّ أكله غبار الشارع وأخرى يعلّقها على حائط، تتنوّع ما بين مفاتيح قديمة وأدوات كانت تستخدم في الحراثة وغيرها. وزيدان تستهويه هذه القطع، إذ تمثّل ذلك الزمن الذي كان يحبّ. ذلك الزمن الذي كان يتميّز بالتواضع والمساواة بين الناس، زمن المخيّم الأول.
يخبر زيدان الذي تعود جذوره إلى طيرة حيفا الفلسطينية والمولود في مخيّم عين الحلوة: "عملت في السابق في أماكن عدّة، في مستودع كأمين له وثمّ في سوبرماركت. لكنّ سيارة صدمتني في يوم، بينما كنت في طريق العودة إلى البيت. مكثت فترة طويلة في المستشفى للعلاج، وبعدها تبيّن لي أنّني غير قادر على السير بطريقة سليمة. تركت عملي في السوبرماركت وفكرت في بديل. فاقتطعت جزءاً من البيت يطلّ على الشارع وجعلته دكاناً لبيع القهوة والسجائر". يضيف: "ما أجنيه يكفيني ويكفي ابنتي وابنَيّ".
عن مقتنياته القديمة يقول زيدان: "أحب جمع المقتنيات القديمة بكل أشكالها. عندما أسمع عن إبريق أو مكواة أو أيّ قطعة قديمة أخرى يريد صاحبها التخلص منها. فأقصده وأشتريها إن كان يريد ثمناً لها أو آخذها قبل أن يرميها". ويتابع: "في مرات كثيرة، أشتري هذه المقتنيات بالكيلوغرام. ثمّة من يطمع ببيعها ويطلب سعراً مرتفعاً بعدما يعرف برغبتي في اقتنائها. على الرغم من ذلك أشتريها، إذ هي بالنسبة إليّ تمثّل الماضي وتذكّر بأجدادنا الذين كانوا يستعملونها".
ويكشف زيدان رغبته في "إقامة معرض لهذه المقتنيات القديمة. والمعرض لا يعني أنّني أريد بيع ما أملك، إنّما لتذكير الناس بما كان أهالينا يستخدمون".