احتضن شارع الرشيد في بغداد منذ أربعينيات القرن الماضي مراسم لعدد من الفنانين الأوروبيين والعراقيين، وفيه نظّمت "جماعة بغداد للفن الحديث" معرضها الأول عام 1952، كما شكّل عنصراً أساسياً في المشهد السردي العراقي، بدءاً برواية "صيادون في شارع ضيق" لجبرا إبراهيم جبرا، ووصولاً إلى روايات رياض المولى وميسلون هادي وآخرين.
سعت هذه الأعمال إلى توثيق مكانٍ لعب دوراً أساسياً في الحياة السياسية والاقتصادية العراقية، وكان شاهداً على محطّات بارزة في تاريخ العراق المعاصر، فمنه خرج الوالي العثماني خليل باشا عام 1917 بعد هزيمة بلاده، ثم شهد طفرة مع ازدهار أسواقه التجارية في العشرينيات وتأسيس العديد من المقاهي وصالات السينما، إلى أن دخل مرحلة الفوضى والإهمال.
"شارع الرشيد.. بين الماضي والحاضر، محاولات لإحيائه" عنوان المحاضرة التي يلقيها الباحث العراقي علي نوري عند الحادية عشرة من صباح بعد غدٍ السبت في مقر "نقابة المهندسين" في بغداد، يعقبها نقاش مفتوح مع الحاضرين.
يعود المحاضر إلى النهضة العمرانية التي عاشتها العاصمة العراقية بعد منتصف القرن التاسع عشر، والتي قادت إلى توسعة المدينة وإعادة تخطيطها، ومنه الطريق العام الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم الذي شقّ عام 1910، وتم افتتاحه رسمياً في الثالث والعشرين من تموز/ يوليو 1916.
مثّل الشارع الذي أخذ تسميته بشكل نهائي عام 1921، بحسب نوري، شريان المدينة النابض بالنظر إلى موقعه، ومنه انطلقت الاحتجاجات ضد الاستعمار البريطاني، وتحديداً من جامع الحيدر خانة، الذي شيّع منه أهالي بغداد شهداءهم من المناضلين، آنذاك، كما خرج المتظاهرون دعماً لحركة رشيد عالي الكيلاني في مواجهة البريطانيين عام 1941.
ولم تختلف الحال بعد انتهاء العهد الملكي عام 1958، ففي الرشيد وقعت محاولة اغتيال الرئيس عبد الكريم قاسم، وقامت المظاهرات والصدامات بين الحزبين الشيوعي والبعثي قبل أن تنتهي بسيطرة الأخيرة بعد انقلاب عام 1968، حيث أصبحت ساحة الفردوس مركز احتفالات الحزب، وانطفأ حضور شارع الرشيد في الحياة العامة.
عقب الاحتلال الأميركي سنة 2003، أُغلقت معظم أجزاء الشارع حيث تمّ تقطيعه بالكتل الكونكريتية بدعوى حماية المنشآت الحيوية فيه، وتسبّب ذلك في تراكم النفايات وتضرّر أرصفته وشبكات الصرف الصحي، حتى أعيد افتتاجه مطلع العام الجاري.
يستعرض المحاضر مجموعة الخطط التي طرحت مؤخراً لإعادة تأهيل الشارع بعد أن عادت حركة المركبات فيه، والتي تتنظر التنفيذ.