عماد الدين أديب وهواية جمع المفاتيح
حاول عماد الدين أديب، صحافي البلاط السعودي في الرياض من ربع قرن (والإماراتي بجملة البيعة)، أن يلخص لنا مفتاح شخصية الأمير محمد بن سلمان. لاحظ أن عماد مارس هوايته المعتادة بأن المفتاح، أقصد مفتاح شخصية بن سلمان، أهداه له (مثلا) عن طيب خاطر طالب علم في لندن، أو عامل مقهى يعرف كرم الأسرة من خمسين سنة، أو دبلوماسي عجوز عاش في المملكة ستين سنة وكان يطلع النخل مثلهم، أو سيدة عجوز تربت في البيت الملكي، وتسكن في غرفة في فندق صغير بأطراف لندن، وتحج كل عام على حساب الأمير، وكلها مصادر عماد المضحكة أو تقترب منها، أو (كما أكد) من مصدر سعودي يعرف عن العائلة وتاريخيها، القديم والحديث. وبالطبع يعرف الأمير محمد منذ نعومة أظافره قبل أن تتحول إلى مخارط كهربائية ومناشير بسنوات طوال.
دائما عماد، بالمصادفة المحضة، سواء أكان في مقهى في لندن أو باريس أو أميركا، تأتيه تلك المفاتيح من أناس غرباء، أرسلهم القدر بالطبع، في هذه اللحظات العصيبة، كي ينقذوا البشرية ومستقبل العرب من الضياع الأبدي، لولا هذا المفتاح الذي جاءه مع رجلٍ غريب، لا يبغي سوى إرسال كلمة الخير والحق إلى الناس، ولم يجد على ظهر الأرض من ينقل هذه الأمانة إلى الناس، سوى عماد الدين أديب، كذلك الغراب الذي أُرسل من السماء، كي يعلم الإنسان كيف يوارى جثمان أخيه بعد الموت، وإلا فالموت والمجهول والضياع في انتظار هذه الأمة. وهذه الكلمات الأخيرة كلها من قاموس عماد الذي دائما ترسله السماء إلى الناس، كي ينقذ الناس في آخر اللحظات وأخطرها، كما أرسلته السماء أيضا ورجال الأمن في مصر إلى الجماهير قبل موقعة الجمل بثلاثة أيام، وأدّى الرجل أمانته في يومين على قناتين فضائيتين. ولم ينس أن يهدّد الملايين ببحور الدماء والنار... إلخ، فكانت موقعة الجمل التي، من وجهة نظري المتواضعة، هي التي أزاحت حسني مبارك، تاركة لنا باقي البارود في البلاليص (بلاليص السلطة أو المال أو الإعلام) على حالتها الأولى، أرضية للثورة المضادة في ما بعد، وهذا موضوع يطول شرحه.
أما مفتاح شخصية الأمير محمد فتتلخص في الآتي: "قوي يعرف عناصر قوته". طبعا، العدة جاهزة والطائرات معدّة وجوازات السفر مختومة، والأفران مقامة في إسطنبول، وممكن أن تقام، لولا الحياء، في كندا أيضا. "اقتحام الأزمات والصراعات". طبعا، بدليل نجاحه الصارخ في اليمن، نجاح تشهد له الركبان والثقلان. "إصلاحي لا سقف لأحلامه". (طبعا إصلاحي ونص)، بدليل حبسه أولاد عمومته وكل معارض، مدني أو ديني أو إصلاحي، حتى "النساء" اللائي أوصى عليهن النبي من أكثر من 1440 سنة. "حادّ الذكاء بالفطرة"، فمن ناحية حادّ الذكاء فهو حادّ الذكاء. وأترك للقارئ ملفّ جمال خاشقجي، كي يتأمّل هذا الذكاء الفطري الحاد. علاوة (طبعا) على عشرات الدكتوراهات التي أنجزها في أكسفورد، ويتحدث عنها الغرب يوميا. أما عن ذبابه الإلكتروني وطائراته السيّارة مع سعود القحطاني، فقد شهد لها العالم بقدراتها الفائقة. ويختتم عماد الدين أديب باقي أسنان المفتاح الذي يمثل شخصية الأمير (المنشار) بمصيبة تهتز لها الأركان بأن "الأمير ابن مخلص لمدرسة والده في الحكم"، وكأن كل ما فعله الأمير، خلال سنواته القليلة الماضية، ما هو إلا ثمار وأزهار وورود من تلك المدرسة التي تربّى فيها هذا الأمير الذي لا سقف لأحلامه في مدرسة الوالد.
وكأن عماد الدين أديب ألقى بكل ما يفعله الأمير في حِجر والده، والعياذ بالله، في رمية واحدة. بذلك يفتح عماد الدين أديب القوس واسعا، ويقول للعالم إن ما يفعله محمد هو اكتمال لذلك البنيان الذي كان يسعى إليه الوالد من سنوات أن يستنبته في تلك المدرسة، وها هي المدرسة قد حقّقت وعودها، واكتمل الحلم من داخل جدران المدرسة نفسها، فهي مدرسةٌ لا شرقية ولا غربية، بل من زيت الأب وعطره ورغبته وعرق سنواته الطوال وكفاحها.
نحن هنا أمام تصريح خطير من رجلٍ يعتبر الرياض أقرب إلى قدميه من بولاق الدكرور من ربع قرن، وأنه الساعي الفعلي لتسويق هذه التوجهات الحديثة للمملكة "من سنوات"، في كل مطبوعاته المموّلة منذ ربع قرن في القاهرة، وهي كثيرة العدد وصعبة الحصر. علاوة على القنوات الفضائية له وللأخ عمرو أديب وزوجته، وبأكبر أجر لإعلامي عربي، وتحية في أثناء التعاقد من تركي آل الشيخ، وضربة ملاطفة على الظهر، ومن ستر الله، لم تسرح التحية إلى أسفل من موضعها.
نحن أمام عائلة كريمة من المملكة، وتصريحات أشدّ كرما من رأس عائلة كريمة في مصر، بعدما أصبح البساط أحمديا من الرياض إلى مصر إلى الإمارات حتى وصل إلى أم درمان.