"حد أدنى للأجور لمن يسكنون القبور.. حد أقصى للأجور لساكني القصور"، هتافات لطالما رددها آلاف العمال في مصر في احتجاجاتهم، التي سبقت اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، المطالبة بـ"عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".
ورغم مرور 5 سنوات علي ثورة يناير/كانون الثاني، إلا أن مشاكل العمال تظل كما هي دون تغيير، حيث لم يتم إقرار قانون عمل جديد يحفظ حقوق العمال، كما لم يتم تطبيق الحد الأدني للأجور إلا بشكل جزئي على العاملين في أجهزة الدولة، كما تراجعت احتجاجات العمال خلال العامين الماضيين نتيجة تشديد القبضة الأمنية من قبل الدولة، وسط استمرار مشاكل الفصل التعسفي وتراجع حقوق العمال.
واتفق عدد من القيادات العمالية المستقلة، على عدم وجود أسباب تدفع العمال المصريين للاحتفال في يوم عيد العمال، حيث يأتى هذا العام في ظل التدهور المستمر لحقوق العمال وغلاء الأسعار، بينما لا تزال الحكومة مستمرة في محاولاتها إصدار تشريعات تنتقص من حقوق العمال.
وقررت تنسيقية تضامن (تجمع مدني يتكون من 36 اتحادًا ونقابة عمالية)، إعلان عيد العمال من العام الحالي، "يوم حداد العمال المصريين"، يتشحون فيه بالسواد، اعتراضا علي تدهور الأوضاع، وتنديدا لـ"الهجوم المستمر لتحالف الحكومة وأصحاب الأعمال ضدهم، وبالتعاون مع الاتحاد الحكومي المعادي للعمال".
أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولي، أشرف دوابة، يقول إن أزمة الطبقة العاملة في مصر تتمثل في غياب حد أدنى للأجر يعبّر بشكل حقيقي عن احتياجاتهم ومطالبهم، ويتماشى مع الغلاء المضطرد في الأسعار.
ويشير دوابة إلى أن الحد الأدنى للأجور، المعمول به في مصر حاليا يقدر بحوالي 700 جنيه مصري (79 دولارا أميركيا)، وهو يقترب كثيرا من حد الفقر العالمي المقدر قيمته بـ 2 دولارا يوميا، أي 60 دولارا شهريا، لافتا إلى أنه في ظل غلاء الأسعار فإن هذا الحد لابد أن يصل إلى 1400 جنيه (158 دولارا).
ورغم إعلان الحكومة عن تطبيق الحد الأدنى للأجور بواقع 1200 جنيه (136 دولارا أميركيا) في يناير/كانون الثاني 2014، إلا أنه لم يشمل سوى قطاعات عدة من مؤسسات الجهاز الإداري للدولة الذي يضم قرابة 6 ملايين موظف، بينما لم يجر تطبيقه على العاملين في القطاع الخاص.
ويعمل 70% من العمال في القطاع الخاص (حوالي 18 مليون عامل)، في مقابل 30% يعملون بالقطاع الحكومي والعام ( حوالي 6 ملايين عامل).
ولم يعد تطبيق حد أدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص على أجندة الحكومة، كما يقول عضو المجلس القومي للأجور، مجدي البدوي، في تصريحات صحافية مؤخرا.
موضحا أن "الحكومة لا تهتم بقضية الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص وليس على أجندتها".
ولم يتطرق حديث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في الاحتفال الرسمي بعيد العمال، الخميس الماضي، لحلول حقيقية لأزمة الأجور في مواجهة غلاء الأسعار، واكتفى بالتأكيد على "أهمية منح الأولوية لتلبية احتياجات المواطنين، ومكافحة الفساد والغلاء والعمل على ضبط الأسعار"، وهي وعود متكررة دون أن تتحقق وفق مؤشرات تضخم الأسعار على مدار ما يقرب من عامين.
وتعود مطالب وضع حد أدنى للأجور إلى العام 2008، حين تبلورت مجموعات عمل عمالية وسياسية عدة سعت إلى احتساب قيمة الحد الأدنى، وتمت الدعوة لوقفات احتجاجية للمطالبة به، ثم تقرر اللجوء إلى القضاء الإداري للمطالبة بإلزام الحكومة بحد أدنى قُدِّر حينها بـ 1200 جنيه، لكن تطبيق ذلك جاء بشكل جزئي.
ويقول وائل توفيق، العضو المؤسس في تنسيقية تضامن، إن الحد الأدنى والأقصى للأجور، أحد المطالب الملحة على أجندة التنسيقية موضحا أن "العامل يحتاج لاستقرار العمل وأجر عادل، ودونهما لا يمكن لعامل أن يعيش بشكل كريم".
والعيش الكريم بالنسبة لتوفيق، يرتبط أساسا بالأجر الشامل للعامل مرتبطا بسلة السلع، موضحا أن الحديث عن 1200 جنيه حد أدنى للأجور، لم يعد صالحا الآن، لأن هذا الرقم تم تحديده بناءً على أسعار عام 2008/2009 قبل صدور الحكم القضائي مباشرة بوضع حد ادنى للأجور، ولكن الآن هناك بعض السلع التي زادت أسعارها بنسبة 100%.
ويقول : "مستمرون في المطالبة بحد أدنى للأجور مرتبط بسلة السلع، وحد أقصى للأجور دون استثناءات، ليس فقط لتعويض فوارق الأجور وعجز الموازنة بعد فرض الحد الأدنى، ولكن أيضا لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والقضاء على التفاوتات الرهيبة في الأجور في مصر".
وبدت خطوات تطبيق حد أقصى للأجور بعيدة التحقق أيضا، لتتلاشى يوما تلو الآخر مطالب ثورة 2011. ويقول أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولي، أشرف دوابة إن "الحد الأقصى كان يجب أن ينفذ على الجميع، ولكن للأسف كثرة الاستثناءات أجهضته".
وفي أول يوليو/تموز 2014، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قرارا بقانون يحدد الحد الأقصى لأجور العاملين بالحكومة والقطاع العام بمبلغ 42 ألف جنيه شهريا (4700 دولار أميركي)، وهو ما يمثل 35 ضعفًا من الحد الأدنى البالغ 1200 جنيه (136 دولاراً)، لكن تم تفريغ القانون من مضمونه بعد استثناء القضاء والشرطة والمصارف من الحد الأقصى.
ويقول حسام فوده، رئيس المجلس القومي لحقوق العمال والفلاحين، إنه لم يعد هناك ثقة بين العمال والحكومات المتعاقبة، بسبب كثرة الوعود التي تلقوها.
ولم تصدر التشريعات التي طالب بها العمال منذ اندلاع الثورة، متمثلة في قانون عمل جديد يحميهم، تلاه قانون الحريات النقابية والمحكمة العمالية، وجميعها تمت مناقشتها والانتهاء منها في وزارة القوى العاملة وإرسالها لمجلس الوزراء.
واستنكر سعد شعبان، رئيس اتحاد عمال مصر الديمقراطي، تجاهل الحكومة لإخراج هذه القوانين التي تحمي 27 مليون عامل، وتُعيد حقوق آلاف العمال المفصولين تعسفيًا، وتعطي الحق للعمال في الشركات في انتخاب قياداتهم ونقاباتهم بحرية بدلًا من فرض الاتحاد الحكومي عليهم وتسديد اشتراكات له إجبارياً.