وسقط ثلاثة شهداء فلسطينيين، وقتل شرطيان إسرائيليان، خلال عملية في المسجد الأقصى، بمدينة القدس المحتلة، اليوم الجمعة.
وبدأت العملية بإطلاق النار على شرطي إسرائيلي قرب باب الأسباط، ما أدى إلى مقتله، ثم اندلعت اشتباكات داخل باحات المسجد الأقصى، أسفرت عن سقوط شرطي آخر.
وأفادت المعلومات بأنّ شابين كانا يستقلان دراجة نارية اقتحما باب الأسباط وقتلا شرطياً إسرائيلياً، ثم دخلا إلى الساحات، حيث جرى اشتباك عنيف قُتل خلاله شرطي آخر، بينما استشهد الشابان.
ووفقاً لما أعلنته الشرطة الإسرائيلية، فإنّ منفذي العملية الثلاثة هم من سكان أم الفحم في فلسطين المحتلة عام 1948، وتربطهم قرابة عائلية وهم: محمد أحمد محمد جبارين (29 عاماً)، محمد حامد عبد اللطيف جبارين (19 عاماً)، ومحمد أحمد مفضل جبارين (19 عاماً)، وجميعهم من أم الفحم.
وعقب العملية، قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إعلان البلدة القديمة في القدس والمسجد الأقصى منطقة عسكرية مغلقة حتى إشعار آخر، وإغلاق أبواب الأقصى ومنع إقامة صلاة الجمعة اليوم.
وقال الشيخ عمر الكسواني، مدير المسجد الأقصى، لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتلال قرر منع الصلاة بالأقصى، وأغلقه بشكل كامل، ومنع الفلسطينيين من الدخول إليه.
وأضاف أنّ عملية إغلاق الأقصى ومنع المصلين من الدخول إليه، تُعتبر الأولى منذ عام 1969.
وأوضح الكسواني أنّ قوات الاحتلال أخلت المسجد من الموظفين والحراس والعاملين في الأوقاف، وقامت بتفتيش الموقع بحجة البحث عن سلاح. كما اقتحمت قوات الاحتلال عيادة طبية في الأقصى وحطمت مدخلها بحجة التفتيش والبحث.
واختار الفلسطينيون الرد على هذه الإجراءات بتأدية صلاة الجمعة في الساحات العامة حول البلدة القديمة بالقدس، خاصة في باب العامود وبالقرب من باب الساهرة، وسط هتافات التكبير.
وأحاطت قوات كبيرة من الجنود الإسرائيليين بالمئات من المصلين الفلسطينيين الذين افترشوا الساحات رغم حرارة الجو العالية، بينما أقيمت الحواجز العسكرية التي منعت سكان البلدة القديمة من دخولها.
الإفراج عن مفتي القدس بعد اعتقاله لساعات
في هذه الأثناء، أفرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي عن مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين بكفالة مالية قيمتها عشرة آلاف شيكل، بعد اعتقاله لساعات، ومنعه من دخول المسجد الأقصى، والاعتداء عليه عند باب الأسباط أثناء إلقائه خطبة الجمعة أمام عدد من المصلين الذين تجمعوا هناك، بعد دعوات أطلقها المفتي وعدد من الشبان بشد الرحال إلى المسجد.
وبحسب ما أفادت به المصادر المحلية، لـ"العربي الجديد"، فإنّ جنود الاحتلال اعتدوا على المفتي أثناء اقتياده إلى مركز شرطة الاحتلال داخل البلدة القديمة.
وفي حديث خاص مع "العربي الجديد"، أكد الشيخ حسين، أن التحقيق معه تركز حول خطبة الجمعة التي ألقاها بمئات المصلين الذين افترشوا الساحات والشارع العام في منطقة باب الأسباط، ومنعوا من أداء الصلاة في المسجد الأقصى. وأشار إلى أنه أبلغ محققيه بأن إغلاق المسجد أمام المصلين ومنعهم من أداء الصلاة هو التحريض وهو سبب العنف الذي يدعونه.
وحذر المفتي من إجراءات الاحتلال بإغلاق البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وقال إن ما تم من إجراءات خطير للغاية، معبرا عن خشيته من أن تتخذ قوات الاحتلال إجراءات أخرى غير مسبوقة في الأقصى خلال الأيام القليلة القادمة.
وكانت قوات الاحتلال قد احتجزت قرب باب الأسباط ولبعض الوقت رئيس الهيئة الإسلامية العليا، الشيخ عكرمة صبري، وحققت معه ميدانيا حول دعوته المواطنين إلى شد الرحال للأقصى، واعتبروها تحريضا، الأمر الذي نفاه الشيخ عكرمة في حديث مع "العربي الجديد"، مؤكدا على حق المسلمين في الوصول إلى المسجد الأقصى، معتبراً أن منعهم من ذلك سيجر مواجهات لا قبل لأحد بتوقع نتائجها.
بدورها، مددت سلطات الاحتلال اعتقال 3 من حراس الأقصى من أصل 15 حارسا، كانت قد اعتقلتهم صباح اليوم، فيما قال ناطق باسم دائرة الأوقاف الإسلامية، إن قوات الاحتلال اعتقلت 58 موظفا من موظفيها بعد العملية التي حصلت في باحات المسجد الأقصى. وأشار فراس الدبس، من دائرة الإعلام في الأوقاف، إلى أنه تم لاحقا إطلاق سراح معظمهم بعد انتهاء التحقيق معهم.
وفي مسقط رأس منفذي العملية، قالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن عشرات العناصر من الشرطة والمخابرات الإسرائيلية دخلت في الساعات الأخيرة لمدينة أم الفحم، وبدأت بتطويق بعض البيوت فيها.
وعلى صعيد آخر، استبعد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان، أن تكون هناك تداعيات سياسية لعملية الأقصى، متوعّداً في الوقت عينه بمزيد من الإجراءات الميدانية.
وفي أول رد رسمي إسرائيلي على العملية، قال أردان، للصحافيين، إنّه "لن تكون هناك تداعيات سياسية للعملية، ولكن ستكون هناك بكل تأكيد تداعيات على كل منظومة وترتيبات الدخول للحرم القدسي".
وتوعّد الوزير الإسرائيلي بأنّ "الحرم القدسي لن يفتح مجدداً إلا في حال أقرت الشرطة والجهات الأمنية الإسرائيلية أنّه سيكون بالإمكان ضمان أمن الزائرين للمكان"، على حد قوله.
واتهم الوزير الإسرائيلي السلطة الفلسطينية وجهات في المجتمع الفلسطيني في الداخل، ذكر منها "الحركة الإسلامية الشمالية" المحظورة، "بالتحريض على العنف وبث الأكاذيب بشأن نوايا حكومة إسرائيل تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى".
وقال أردان إنّ "تصريحات أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) بأنّ أقدام اليهود تدنس المسجد الأقصى وتصريحات قيادات عربية مختلفة ومنها قيادات في الداخل الفلسطيني تؤسس هذه الأمور".
وادعى الوزير الإسرائيلي بأنّ "منفذي العملية الذين أطلقوا النار باتجاه عناصر الشرطة الإسرائيلية، هم من قاموا بانتهاك حرمة المسجد الأقصى، عندما استخدموا الأسلحة النارية وأطلقوا النار في باحاته"، على حد زعمه.
وحذر أردان من أنّه سيكون على الشرطة الإسرائيلية أن تراقب صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، وأن تراقب وتتابع كل مظاهر التأييد لعملية اليوم، لمحاسبة من يقومون بذلك، كما فعلت في حالات سابقة.
ورفض أردان الإدلاء بأية تفاصيل عن هوية منفذي العملية، حتى بعد نشر تفاصيل عنهم على صفحات مواقع التواصل، وقال إنّ الشرطة الإسرائيلية وأجهزة الأمن والمخابرات ستواصل التحقيق في العملية وملابساتها.
عباس يدين العملية
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فدان، اليوم الجمعة، عملية الأقصى، وعبّر بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية "وفا"، خلال اتصال هاتفي مع رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن رفضه الشديد لها.
ودان عباس، بحسب الوكالة، ما وصفه بـ"الحادث" الذي جرى في المسجد الأقصى، مؤكداً "رفضه لأي أحداث عنف من أي جهة كانت، وخاصة في دور العبادة".
وطالب عباس، خلال الاتصال، بإلغاء الإجراءات الإسرائيلية بإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين، محذراً من تداعيات هذه الإجراءات أو استغلالها من أي جهة كانت لتغيير الوضع الديني والتاريخي للأماكن المقدسة.
وبحسب "وفا"، فإنّ نتنياهو "أكد أنّه لن يتم تغيير الوضع القائم للأماكن المقدسة، وطالب بتهدئة الأمور من قبل جميع الأطراف".
وفي وقت سابق، أجرت الرئاسة الفلسطينية اتصالات مع المملكة الأردنية من أجل العمل على إلغاء الإجراءات الإسرائيلية بإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين.
تفكيك خيام العزاء
إلى ذلك، أصدر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي أوامر إلى أجهزة الأمن تقضي بتفكيك خيام العزاء التي أقامتها عائلات الشهداء الثلاثة من أم الفحم.
وجاء قرار نتنياهو، عصر اليوم، بعد مشاورات أمنية لتقييم الموقف مع كل من وزيري الأمن، أفيغدور ليبرمان، والأمن الداخلي، أردان، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، والمفتش العام للشرطة، روني الشيخ، ورئيس الشاباك، نداف أرغمان، ومنسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة والقطاع، يوءاف مردخاي.
وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية إن نتنياهو أوعز بـ"تعزيز" الإجراءات الأمنية على الطرق المؤدية إلى الحرم القدسي والمسجد الأقصى، مضيفا أنه تلقى إيجازا حول التحقيقات التي تجرى حاليا في محيط الحرم القدسي وفي أماكن أخرى، "وتقرر مواصلة التحقيق في ملابسات العملية… كما تقرر أنه، وفقا لجلسة تقييم الموقف التي ستعقد يوم الأحد، ستتم إعادة فتح أبواب الحرم الشريف تدريجيا أمام المصلين والزوار".