وقال الأنصاري في مقابلة مع "العربي الجديد"، إنّ "دعاة الأوهام لا يكادون يتعلّمون، هم دائماً وأبدا، تراهم في كل نازلة وجائحة أو كارثة طبيعية أو مرضية أو اقتصادية، يبادرون بالظهور عبر وسائل التواصل الرقمي والتقليدي، ويسارعون بإصدار الفتاوى والتصريحات المشخصة للكوارث والأوبئة والزلازل والفيضانات والحرائق والأزمات الاقتصادية... عندهم تشخيصات جاهزة لا تتغير بتغير نوع الكارثة، وعندهم أيضا العلاج الجاهز والذي لا يتغير أيضا".
وسخر ممن يعتبرون، أن الله غاضب على عباده، فأرسل هذا الفيروس الخطير الذي لا يُرى، والذي هو جندي من جنود الله، ويستشهدون بنصوص قرآنية، مضامينها أن الله أرسل جنوده من الريح والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، إلى أقوام سابقة، كفرت وظلمت وبغت، فأهلكها الله بذنوبها، وأن "الأسباب عصيان أوامر الله تعالى، البغي، الظلم، الفساد، انتشار الربا والفحشاء، وخروج المرأة، وانتهاك حدود الله".
كما سخر من التفسيرات التي يقدّمها البعض لأهداف جائحة وباء كورونا، ومنها كسر غرور البشرية، الانتقام، التأديب، وإجبار الناس على العودة إلى الله، والدواء والعلاج الذي يقدمونه وهو التوبة الجماعية إلى الله تعالى والتضرع إليه بالدعاء والاستغفار.
وقال الأنصاري إن "التوبة والتضرع إلى الله بالدعاء والاستغفار، مطلوبان في كل زمان ومكان، ولكنهما ليسا العلاج لهذه الجائحة، "ومن المُحزن أن العالم يتسابق جاهدا في مواجهة هذا الوباء، بالتدابير الوقائية والتحصينية والعلاجية، بينما أصحابنا في أوهامهم مغيبون مخدرون".
وأضاف أستاذ الشريعة الإسلامية: "ما كان دين الإسلام الذي أيقظ أقواما لا يعرفون الكتاب ولا الإيمان من سباتهم، ودفعهم لبناء حضارة قامت على العلم والمعرفة، وسادت العالم قرونا، دين أوهام وضلالات وتخدير للعقل، فهؤلاء يسيئون لديننا أكثر مما يسيئون إلى أنفسهم، حينما يصورونه بأنه يناقض العلم والعقل والأخذ بالأسباب".
ولفت الأنصاري إلى أن "بعض الدعاة يسيئون إلى مكانة ربهم حينما يصورونه غاضبا من عباده العصاة، فيرسل عليهم جنوده انتقاما منهم، وهم بذلك يرتكبون خطأ كبيرا، إذ يقولون على الله بغير علم، كيف وقد صرح المولى في كتابه العزيز بقوله (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم، ما ترك عليها من دابة، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى)".
وأضاف أن "القرآن نفسه يؤكد أن المصائب والأوبئة التي تصيب الناس، بسبب تصرفاتهم هم أنفسهم، وليست عقوبة إلهية (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وفي آية أخرى حاسمة يؤكد المولى (ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك)".
ويردّ على اعتبار البعض الوباء جنديا من جنود الله بالقول "نعم (ولله جنود السماوات والأرض) لكنه لا يرسلهم انتقاما وتأديبا لعباده، والآيات أو العقوبات التي وردت في القرآن، والتي عاقب بها المولى أقواما سابقين بكفرهم وظلمهم وبغيهم وإفسادهم في الأرض كانت كلها قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام والتي كانت رحمة للعالمين، وبموجبها انقطعت مثل تلك العذابات، فلا جنود لله تعالى يرسلها عقوبة لعباده، بعد محمد عليه الصلاة والسلام، ولا نقول على الله تعالى بغير علم.. فنتقول عليه بالقول إنه عاقب الصينيين لأنهم ظلموا واضطهدوا بعض المسلمين، فإذا كان المولى عاقب الصينيين، فلماذا يعاقبنا نحن المسلمين؟ أي ذنب عظيم اقترفناه حتى تغلق مساجدنا؟ وأي جريمة ارتكبناها فأغضبت المولى حتى يغلق بيته الكريم وتمنع العمرة"؟
وبشأن من ربط بين الوباء وعلامات الساعة الصغرى والكبرى يقول الأنصاري "لا علاقة لها بهذا الوباء (كورونا)، إذ لا ذكر له بين تلك العلامات، وعلامات الساعة واردة في أحاديث وأخبار آحاد، والغيبيات لا تثبت بأخبار الآحاد لأنها تحتاج إلى يقين، ولا يقين في أخبار آخر الزمان، مما يضعف هذه المرويات الكثيرة والمنتشرة والتي يؤمن بها غالبية المسلمين، رغم أنها لم ترد في القرآن، مع أن كافة الغيبيات القاطعة التي لا خلاف عليها وردت فيه، وكذلك يضعفها أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، نفسه، كما جاء في نص القرآن لا يعلم الغيب. فما المصدر الموثوق لهؤلاء في إيمانهم بتلك العلامات"؟ّ