11 سبتمبر 2024
عندما يشعل الإسلاميون انتخابات الجزائر
بإعلان جبهة القوى الاشتراكية، وقبلها حركة مجتمع السلم الجزائرية (حمس) ذات التوجه الإسلامي مشاركتها في الانتخابات التشريعية عام 2017، تكون طريق المشاركة قد عُبدت لصالح السلطة، أو تكاد، إذا ما أخذت في الحسبان موافقة 47 حزباً صراحة على الاقتراح الصادر عن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بتعيين عبد الوهاب دربال لرئاسة الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات. وحتى وإن أبدت تسعة أحزاب أخرى، بحسب بيان رئاسة الجمهورية، تحفظها، إلا أنه تحفظ لم يكن على اسم دربال، وإنما باعتبار أن هذه الأحزاب طلبت تشكيل هيئةٍ مستقلةٍ مكلفةٍ بتنظيم الانتخابات، فيما أبدت أربعة أحزاب أخرى اعتراضاتٍ سياسية على كامل مسعى السلطات.
صحيح أن تأسيس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات لم يلق إجماعاً من التشكيلات السياسية في البلاد، خصوصاً من جهة أن رئيس الجمهورية يعين أعضاءها، حيث لوحت أحزابٌ معارضة بتشكيل "لجنة موازية" للمراقبة والإشراف على الانتخابات بكل مراحلها، على اعتبار أن مطالبها تتعدّى المراقبة إلى الإشراف على العملية الانتخابية برمتها. بل وشكّكت هذه الأحزاب في مصداقية هيئة مراقبة الانتخابات، بالاستناد إلى تجارب سابقة، عندما أنشئت لجانٌ قيل إنها مستقلة، ثم اتضح أنها لم تلعب سوى دور كومبارس في مسرحية انتخابية سياسية، قادتها سنوات طويلة هيئة الاستعلامات (المخابرات) على أيام قائدها المطاح به الجنرال مدين المدعو توفيق.
حتى وإن اعتبر تفكيك العصبة القوية في المخابرات الجزائرية خطوةً مهمةً، يقال إنها أعادت هذه المؤسسة السيادية إلى عملها الأصلي في مكافحة الجاسوسية، إلا أن الحديث عن انتخابات قادمة نزيهة لا يستقيم له حالٌ مع بقاء إحكام الإدارة سيطرتها على شؤون الانتخابات، من أول خطوة في إعداد سجلات الناخبين إلى عملية الاقتراع، من دون أن تترك مجالاً لمشاركة المعارضة التي بدت مطالبتها بتشكيل "لجنة موازية" لمراقبة الانتخابات ترفاً سياسياً غير واقعي، فلا إمكانات هذه الأحزاب البشرية، ولا المادية، تسمح بذلك، ناهيك على أن وزارة الداخلية غير مستعدّة، في الوقت الحالي على الأقل، لإشراك ضرّة تُدير معها دواليب آلة الانتخابات الثقيلة، والتي شكلت دوماً ممر أمان في إطار رحلة البحث عن مشروعيةٍ للسلطة.
فاجأت حركة مجتمع السلم (حمس) رفاقها في تنسيقية التغيير المعارضة، وأعلنت قبلهم
المشاركة في الانتخابات التشريعية، لتشعل، مع أحزاب أخرى مصنفة في خانة التيار الإسلامي (النهضة والإصلاح والجزائر الجديدة)، سباق الانتخابات باكراً، بعد إعلانها المشاركة فيها. وهو ما فطنت إليه حركة النهضة التي أنهت بشقيها (النهضة وحزب العدالة التنمية) انقساما دام 16 عاماً، بإعلانهما الاتفاق على مشروعٍ للوحدة من جديد، من شأنه أن يلعب دوراً مهماً في الانتخابات المرتقبة، ويعيد إلى "النهضة" ترتيبها، حيث كانت تعتبر من أبرز الأحزاب السياسية الجزائرية، وثاني حزب إسلامي معتمد بعد حركة "حمس" التي يبدو موقفها كأنه متناقض مع ما دأبت عليه، في الفترة الأخيرة، من خلال انتهاجها مواقف أكثر تشدّدا في علاقتها مع السلطة، خصوصاً في عهد أمينها العام الحالي، عبد الرزاق مقري، حيث لم تشارك "حمس" في الانتخابات الرئاسية العام 2014 التي مدّدت لحكم الرئيس بوتفليقة عهدة رابعة، كما أن خطابها السياسي، أخيراً، أظهر نوعا من التصلب في التعاطي مع العملية السياسية، حيث عبرت الحركة المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين، في عدة مناسبات، تحفظها على هيئة مراقبة الانتخابات، بدعوى عدم الاستجابة لمطلب المعارضة سحب مهمة تنظيم الاقتراع من وزارة الداخلية.
ساقت الأحزاب الإسلامية في الجزائر مبرّرات عديدة لقرارها النهائي المشاركة في التشريعات المقبلة، حيث اعتبرت أن الانتخابات ستمنحها فرصةً للتواصل مع الجمهور، ومد جسور التعامل معه، ومواصلة عملها السياسي الذي يقرّبها من مصالح الناس وهمومهم، بما يحقق لهذه الأحزاب الانتشار الشعبي، أو على الأقل المحافظة على ما تملك من قاعدةٍ جماهيرية. كما أن من شأن مقاطعة الانتخابات الزجّ بهذه الأحزاب في مجاهيل العمل الحزبي، بما يعد انتحاراً سياسياً، لا تحتمل الحركات الإسلامية تداعياته، والذي سيؤدي بهذه الأحزاب إلى دفع الثمن غالياً على مستوى تماسكها. لعل من نافلة القول إن العمل السياسي طويل النفس، ولكن ممارسات الأنظمة الشمولية التي لا ترى الديمقراطية إلا في صورة ممارسة للانتخابات الصورية التي لا تقدم ولا تؤخر في الشأن السياسي شيئاً يذكر.
لعل ذلك ما جعل بعض كوادر حركة "حمس" مثلاً تدفع باتجاه مقاطعة الانتخابات خياراً
وتجربة. خياراً في العمل السياسي الذي يسمح لها بممارسة هذا الفعل الانتخابي، تعبيراً عن عدم رضاها عن ممارسات النظام الإقصائية، أو تجربة تقوم من خلالها بجس نبض السلطة التي شاركتها الحكم سنوات طويلة، في إطار ما كان يسمى آنذاك، بالائتلاف الرئاسي المساند للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والذي كان يشمل حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة المجتمع الإسلامي، والذي لم يؤد إلا إلى غلق الحقل السياسي على الأحزاب الأخرى، ومنح الرئيس بوتفليقة أريحيةً طويلة الأمد في ممارسة السلطة، من دون معارضةٍ من أحد.
ذكر عدد من كوادر "حمس"، في تبريرهم مقترح المقاطعة، أن المشاركة في الانتخابات هي مشاركة في مسرحية السلطة التي ترفض إحداث أي تعديلٍ في سلوكها السياسي، من خلال سد منافذ التغيير والتضييق على الجسم السياسي المعارض. رفض مجلس الشورى الوطني لأكبر حزب إسلامي في الجزائر مقترح صقور الحركة في مقاطعة الانتخابات، ولكن المجلس نفسه كان قد قال، في معرض رفضه المشاركة في الانتخابات الرئاسية العام 2014، إن الظرف غير الديمقراطي، وإن تكريس منطق الرأي الأوحد من السلطة القائمة والتفرّد بتحضير الانتخابات وتنظيمها بعيدا عن الشركاء السياسيين، وافتقاد أدنى شروط الشفافية والنظافة والنزاهة، كلها عوامل أدت يومها إلى خيار عدم المشاركة... وهي العوامل نفسها التي لم تغادر بعد المشهد السياسي في الجزائر، فالانتخابات التشريعية تحضر بالطرق والأساليب نفسها، أما الشفافية والنزاهة فالسؤال عنهما مؤقتٌ إلى أجل غير مسمى.
صحيح أن تأسيس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات لم يلق إجماعاً من التشكيلات السياسية في البلاد، خصوصاً من جهة أن رئيس الجمهورية يعين أعضاءها، حيث لوحت أحزابٌ معارضة بتشكيل "لجنة موازية" للمراقبة والإشراف على الانتخابات بكل مراحلها، على اعتبار أن مطالبها تتعدّى المراقبة إلى الإشراف على العملية الانتخابية برمتها. بل وشكّكت هذه الأحزاب في مصداقية هيئة مراقبة الانتخابات، بالاستناد إلى تجارب سابقة، عندما أنشئت لجانٌ قيل إنها مستقلة، ثم اتضح أنها لم تلعب سوى دور كومبارس في مسرحية انتخابية سياسية، قادتها سنوات طويلة هيئة الاستعلامات (المخابرات) على أيام قائدها المطاح به الجنرال مدين المدعو توفيق.
حتى وإن اعتبر تفكيك العصبة القوية في المخابرات الجزائرية خطوةً مهمةً، يقال إنها أعادت هذه المؤسسة السيادية إلى عملها الأصلي في مكافحة الجاسوسية، إلا أن الحديث عن انتخابات قادمة نزيهة لا يستقيم له حالٌ مع بقاء إحكام الإدارة سيطرتها على شؤون الانتخابات، من أول خطوة في إعداد سجلات الناخبين إلى عملية الاقتراع، من دون أن تترك مجالاً لمشاركة المعارضة التي بدت مطالبتها بتشكيل "لجنة موازية" لمراقبة الانتخابات ترفاً سياسياً غير واقعي، فلا إمكانات هذه الأحزاب البشرية، ولا المادية، تسمح بذلك، ناهيك على أن وزارة الداخلية غير مستعدّة، في الوقت الحالي على الأقل، لإشراك ضرّة تُدير معها دواليب آلة الانتخابات الثقيلة، والتي شكلت دوماً ممر أمان في إطار رحلة البحث عن مشروعيةٍ للسلطة.
فاجأت حركة مجتمع السلم (حمس) رفاقها في تنسيقية التغيير المعارضة، وأعلنت قبلهم
ساقت الأحزاب الإسلامية في الجزائر مبرّرات عديدة لقرارها النهائي المشاركة في التشريعات المقبلة، حيث اعتبرت أن الانتخابات ستمنحها فرصةً للتواصل مع الجمهور، ومد جسور التعامل معه، ومواصلة عملها السياسي الذي يقرّبها من مصالح الناس وهمومهم، بما يحقق لهذه الأحزاب الانتشار الشعبي، أو على الأقل المحافظة على ما تملك من قاعدةٍ جماهيرية. كما أن من شأن مقاطعة الانتخابات الزجّ بهذه الأحزاب في مجاهيل العمل الحزبي، بما يعد انتحاراً سياسياً، لا تحتمل الحركات الإسلامية تداعياته، والذي سيؤدي بهذه الأحزاب إلى دفع الثمن غالياً على مستوى تماسكها. لعل من نافلة القول إن العمل السياسي طويل النفس، ولكن ممارسات الأنظمة الشمولية التي لا ترى الديمقراطية إلا في صورة ممارسة للانتخابات الصورية التي لا تقدم ولا تؤخر في الشأن السياسي شيئاً يذكر.
لعل ذلك ما جعل بعض كوادر حركة "حمس" مثلاً تدفع باتجاه مقاطعة الانتخابات خياراً
ذكر عدد من كوادر "حمس"، في تبريرهم مقترح المقاطعة، أن المشاركة في الانتخابات هي مشاركة في مسرحية السلطة التي ترفض إحداث أي تعديلٍ في سلوكها السياسي، من خلال سد منافذ التغيير والتضييق على الجسم السياسي المعارض. رفض مجلس الشورى الوطني لأكبر حزب إسلامي في الجزائر مقترح صقور الحركة في مقاطعة الانتخابات، ولكن المجلس نفسه كان قد قال، في معرض رفضه المشاركة في الانتخابات الرئاسية العام 2014، إن الظرف غير الديمقراطي، وإن تكريس منطق الرأي الأوحد من السلطة القائمة والتفرّد بتحضير الانتخابات وتنظيمها بعيدا عن الشركاء السياسيين، وافتقاد أدنى شروط الشفافية والنظافة والنزاهة، كلها عوامل أدت يومها إلى خيار عدم المشاركة... وهي العوامل نفسها التي لم تغادر بعد المشهد السياسي في الجزائر، فالانتخابات التشريعية تحضر بالطرق والأساليب نفسها، أما الشفافية والنزاهة فالسؤال عنهما مؤقتٌ إلى أجل غير مسمى.