عندما يعتم الانقلابيون التاريخ
لعل الضجة التي أثيرت بشأن تضمين المناهج الدراسية ما تسمى ثورة 30 يونيو، تضع أيدينا حول أحد جوانب مأساة التعليم في مصر، خصوصاً في مجال التاريخ، وتطرح أسئلة عديدة بشأن كتابة التاريخ المدرسي، ومن يقوم بهذه المهمة؟ وعلى أي أساس؟ ومدى حق الطالب في الاختلاف والاتفاق مع الآراء المطروحة في المناهج؟
تركز معظم الجدل بشأن وضع أسماء وصور محمود بدر ورفاقه من مؤسسي حركة تمرد، في منهج الصف السادس الابتدائي، والغريب أن الضجة الكبرى حول هذا الموضوع، جاءت من معسكر 30 يونيو، أكثر من المعسكر المناهض لـ30 يونيو، والذي يعتبرها انقلاباً، وإذا كان يمكن تفهم معارضة هذا المعسكر جملة وتفصيلاً ما جاء في المناهج الدراسية بشأن هذا الأمر، فإن ما يلفت النظر هو ما يتعلق باعتراضات معسكر 30 يونيو، والتي، في الأغلب، تتعلق بدوافع شخصية، مبعثها الغيرة والحسد، وتحكمها نظرية "اشمعنى هو أحسن مني في إيه، وليه ما كتبوش اسمي ووضعوا صورتي"، وإن حاول بعضهم أن يغلف اعتراضه بأن الثورة المجيدة أكبر من حركة تمرد، وأن هناك كثيرين ممن لعبوا دوراً فيها، وأنها ثورة شعب، وكلام من هذا القبيل.
وبعيداً عن محمود بدر، والمؤكد أنه سيكون له موضع في تاريخ تلك الأحداث، وإن كان مكانه سيتحدد في ضوء معرفة حقيقة حركة تمرد، وما يثار بشأنها من اتهامات وعلامات استفهام، يجب التوقف حول ما يطرحه هذا الأمر من تساؤلات، فهل يجوز كتابة تاريخ فترة مازلنا نعيش أحداثها، وأن يتم إصدار أحكام قاطعة عليها؟
الحقيقة أنه لا يمكن بأي حال كتابة تاريخ تلك الفترة، الآن، وأي كتابة، في هذا الصدد، هي أبعد ما تكون عن الكتابة التاريخية العلمية الجادة، فهذه الكتابات تدخل في نطاق السياسة.
فهل يستطيع باحث في مجال التاريخ، أن يسجل، الآن، رسالة عن ثورة 25 يناير، أم يجب أن يمر عليها إن لم يكن خمسون عاماً فعلى الأقل فترة زمنية لا تقلّ عن ثلاثين عاماً، لمن يرون أن وسائل الاتصالات والنشر وتدفق المعلومات ونشر الوثائق أسرع من ذي قبل، فضلاً عن نشر دول وثائق بعد عشرين عاماً، وبعضها بعد ثلاثين عاماً، مع ملاحظة أن هذه الدول تحتفظ بالوثائق التي تري لها أهمية خاصة، أو تضر بالأمن القومي مدداً أطول من ذلك بكثير، ومع ذلك، تبقي المشكلة في الوثائق المصرية.
فعلى الرغم من أن القانون يحدد خمسين عاماً لنشر الوثائق، إلا أن هذا لا وجود له على أرض الواقع، باستثناء بعض الوزارات والهيئات، مثل وزارة الخارجية، أما الأجهزة الأمنية والمخابراتية فلا مجال للوصول إلى وثائقها، وما زالت معظم وثائق ثورة يوليو 1952 غير متاحة حتى الآن، على الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على الثورة، ففي ما يتعلق بـ30 يونيو، متى ستتاح تقارير المخابرات وأجهزة الأمن عن عدد المشاركين في التظاهرات، سواء في 30 يونيو، أو المظاهرات التي أعقبتها، ومتى تتاح محاضر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومحاضر مجلس الدفاع الوطني، وتقارير المخابرات العامة والحربية عن الأوضاع التي سبقت 30 يونيو وتلتها؟