مثقف حقوقي يحكم بلداً عربياً. بات ذلك ممكنا بعد ثورة التونسيين المجيدة. وهو اليوم يستعد لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، التي ستشهدها تونس في الثالث والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني القادم. اختار "ننتصر.. أو ننتصر" شعاراً لحملته الانتخابية.
ينحدر المنصف المرزوقي، المتحصل على شهادة الدكتوراه في الطب، من الجنوب التونسي. ناضل في صفوف رابطة حقوق الإنسان، التي ترأسها بين 1989 و1994، وأسس حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" سنة 2001 في فرنسا، حيثما قضى أكثر من 15 عاماً معارضا لنظام بن علي، الذي وصفه بأنه "نظام لا يَصلُح ولا يُصلِح".
للمرزوقي مشروع سياسي واجتماعي يقول إنه يتمثل في "إسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية والمجتمع التعددي". ويجيب المرزوقي عن سؤال "ما الوطن الذي نريد؟" بالقول إنه يحلم بـ"دولة طلّقت عقلية المراقبة، لتتبنى عقلية الخدمات، وحكم رشيد يحارب بلا هوادة الفساد وكل إخضاع للمصلحة العامة للمصالح الخاصة غير الشرعية".
لا يحب ربطة العنق، ويعتبر أن قيمة الرئيس تكمن في ثقافته وفكره، لا في صورته الأنيقة. يزعج ذلك فئات واسعة من خصومه السياسيين وجزءاً من التونسيين، الذين يرون أن المرزوقي أفقد الدولة هيبتها في عهده، بسبب أسلوبه وأخطائه السياسية المتكررة.
لا يُخفي المرزوقي أنه لا يعتبر الإسلام السياسي حلا لإشكالات الحاضر، لكنه يدافع عن التعايش بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين، ويعتبر تجربة التحالف، التي جمعته مع حركة النهضة، مثالا على إمكانية ذلك. وتسبب تحالف المرزوقي مع الإسلاميين في إطار ما يُعرف بـ"الترويكا" في تونس، عقب انتخابات 2011، في انتقادات واسعة له من بعض أصدقائه العلمانيين واليساريين.
ورغم الصلاحيات المحدودة بحكم طبيعة المرحلة، التي مرت بها تونس، فلقد كان للمرزوقي إسهام كبير في رسم معالم المشهد السياسي الجديد في تونس. يقول مستشاروه إنه "أنقذ البلاد وأفشل مخططات انقلابية كانت تهدد المسار الانتقالي في تونس خلال صيف 2013"، إثر اغتيال المعارض السياسي، محمد البراهمي. ويقول عن نفسه إنه كان ضامنا للانتقال الديمقراطي في بلده. كما يكرر في حواراته دائما أنه حوّل قصر الرئاسة في ضاحية قرطاج من مكان يخشاه التونسيون، إلى قصر بأبواب مفتوحة لمختلف الفئات الشعبية.
وعن عدم إيفائه بكافة تعهداته ووعوده، التي قطعها مع أنصاره خلال انتخابات 2011، يجيب المرزوقي وحزبه بأن صناديق الاقتراع لم تمنحهم الأغلبية، ولكنهم عبروا عن مواقفهم وتحركوا حسب "حجمهم الانتخابي".
مواقفه الخارجية تثير جدلا متواصلا في تونس، فالرئيس يرى أن سياسة بلاده الخارجية ينبغي أن تعكس روح الثورة، التي كانت قاطرة للتغيير في المنطقة العربية. كان المرزوقي أول رئيس دولة عربية يعلن قطع العلاقات الديبلوماسية مع دمشق. وهو يرى أن بشار الأسد "سيرحل حيّاً أو ميتاً" لكنه، في الآن ذاته، يقف ضد التدخل العسكري الأجنبي، ويدعم خيار الحل السياسي السلمي بين المعارضة والنظام. ولا يخفي المرزوقي أيضا انزعاجه مما آلت إليه التجربة المصرية.
يأمل المرزوقي نجاح الربيع العربي. لكن ذلك يتطلب المرور بثلاثة "امتحانات" حسب رأيه: الإطاحة بالنظام السياسي القديم والنجاح في إبقاء الثورة المدنية سلمية، إدارة المرحلة الانتقالية وإفشال الثورة المضادة، التي تنطلق حال اندلاع الثورة، وثم التمكّن وتأسيس الدولة البديلة والمجتمع البديل عبر تغييرات جذرية في القيم والعقليات والمؤسسات. هكذا يحلم الرئيس التونسيّ مُصرّا على الانتصار.