عن إدارة الأزمات إعلامياً
مرّت دولة قطر خلال السنوات الثلاث الأخيرة بأزمتين حادّتين، اقترف أولاهما أشقاء عرب، وتسبب فيروس كوفيد – 19 بالثانية. ومع اختلاف الأولى ذات الطبيعة السياسية عن أزمة تفشي وباء طبيعي، إلا أنهما تشتركان في حضور الدور الرئيس للإعلام في مختلف المراحل التي مرّتا بهما. شكل الفضاء الإعلامي، في أزمة حصار قطر، الساحة الأمامية لها، منذ شرارتها الأولى باختراق الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية فجر 23 مايو/أيار2017، وبث تصريحات مُفبركة منسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وعلى امتداد مراحل الأزمة. وكانت مختلف وسائط الإعلام، ومنصاته التقليدية والرقمية، أبرز الأدوات التي جندتها دول الحصار للهجوم على قطر، ووظفتها الدوحة لصد العدوان والدفاع عن استقلال قرارها وصيانة سيادته. وحضر الإعلام كذلك بوصفه جزءاً أصيلاً في صُلب الأزمة، ذلك أن المطالب الـ13 التي رفعتها دول الحصار في وجه قطر يوم 22 يونيو/ حزيران 2017، استهدفت بشكل مباشر الإعلام القطري، إذ طالبت دولُ الحصار، في بندين منفصلين، بإغلاق شبكة الجزيرة ومؤسسات إعلامية أخرى مدعومة من دولة قطر. وتبرز أهمية تسليط الضوء على قطاع الإعلام وشرح أبعاد دوره في الأزمة على المستويين، الداخلي والخارجي، كون "القوة الناعمة"، والإعلام أحد أهم مكوناتها، شكلت ميدان المواجهة الأول، في غياب أي مواجهة خشنة بين دول الحصار (السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر) في جهة، ودولة قطر في جهة أخرى. كما تجلى الدور الفاعل والمؤثر لمنظومة الإعلام القطري في الأزمة بدءاً من تفنيد مزاعم الدول الأربع، وتحصين الرأي العام الداخلي، ثم تعزيز صورة دولة قطر في العالم الخارجي، وإبراز جهودها في تحقيق السلام والاستقرار العالميين.
حضر الإعلام أيضاً في أزمة تفشي كورونا لاعبا قويا على ساحة الأزمة وفي كواليسها. وسواء في قطر أو غيرها من الدول، كثر الحديث عن الإعلام ودوره في إدارة أزمةٍ اجتاحت البشرية من دون سابق إنذار. هناك من أشاد بهذا الدور، بينما انبرى آخرون إلى لوم الإعلام في نشر الذعر والإشاعات، والتأثير النفسي السلبي على الناس.
قدّم القائمون على السياسات الإعلامية في قطر، في الأزمتين، دروساً مهمة في إدارة الأزمات إعلامياً. إذ تميزت إدارة قطر لهما باختيار مسار إعلامي لا يتجاهل الخطر، من دون الذهاب إلى حد التهويل وترهيب الناس، كما يفعل إعلام الإثارة والتفزيع في بلدان أخرى. تماسك الإعلام القطري أمام إغراءات السبق، وسخونة الأخبار، وتمسّك بأخلاقيات المهنة والمسؤولية الاجتماعية التي تنظم الأداء الإعلامي، سيما في وقت الأزمات التي تهدّد أمن المجتمع وسلامة أفراده.
ولا يكتمل الحديث عن حُسن إدارة الأزمات إعلامياً، خلال أزمتي الحصار وتفشّي وباء كورونا، من دون التنويه بدور القائم بصياغة الخطط والمضامين الإعلامية، ويُقصد هنا "مكتب الاتصال الحكومي" الذي تأسس في 16 يونيو/ حزيران 2015، لتعزيز قنوات الاتصال، عبر بناء علاقة مهنية وثيقة مع وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، ليكون بذلك المصدر الرئيسي للأخبار والمعلومات المتعلقة بدولة قطر. وقد لعب المكتب دوراً محورياً في إدارة أزمتي الحصار والتصدّي لجائحة كورونا، بما في ذلك تنسيق الخطاب، وصياغة الخطة الإعلامية الشاملة، ومدَّ وسائل الإعلام المحلية والدولية بالبيانات والتعليقات والمعلومات المُعبرة عن حقيقة الموقف في كل من الأزمتين، باعتباره مصدراً رئيسياً للأخبار والمعلومات الموثوقة عن دولة قطر. كما لعب المكتب دور المايسترو لضبط إيقاع أداء كل المنابر الإعلامية، الرسمية والأهلية، وضبط أداء الناشطين والمؤثرين على منصات الإعلام الاجتماعي، من خلال توجيهات واضحة لكل الفعاليات الإعلامية بالعقلانية والترفع وعدم الانزلاق خلف الإشاعات والأخبار المفبركة. واهتم خلال الأزمتين بنشر المعلومات التي تخفف من الآثار النفسية والمعنوية الناجمة عن إجراءات الحصار، أو تفشي الوباء، مع التأكيد على قدرات قطر في التعافي من آثار الوباء، كما تعافت من ندوب الحصار.