06 نوفمبر 2024
عن الأمير الذي فقد ظله
لا تبدو شخصية الصحافي الكبير، يوسف عبد الحميد السويفي، في رواية فتحي غانم "الرجل الذي فقد ظله" متطابقةً مع شخصية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وليس ثمة شبه بين طريقة الصعود إلى القمة التي سلكها السويفي، وتطلبت منه جهدا وعملا دائبا ودربة متواصلة على السلوك الانتهازي والنفعي، والطريقة الدراماتيكية التي أوصلت الأمير الثلاثيني إلى القمة التي وجد نفسه فيها فجأة، وسط كومة وقائع لانقلاب سياسي سريع، لم تشهد مثله السعودية، منذ وضع البريطانيون البلاد في عهدة العائلة، وضمنوا لها الحماية، تلك الكومة من الوقائع جعلت منه الرجل الأول، الآمر والناهي، في بلادٍ شاسعةٍ تعوم على بحر من النفط.
ليست هذه المقالة بصدد استنساخ صورة موحدة للرجلين، ولا المقارنة بينهما، إذ ليس ثمّة ما يصمد أمام ذلك. لكن في شيء من التفصيل، نعرف أن السويفي كان يهدف إلى تجاوز ماضي أسرته الفقيرة، ليصل إلى الموقع العالي الذي وضعه أمام عينيه من دون أي حسابٍ لأحد، فيما يبدو بن سلمان على العكس، متمسكا بماضي أسرته، محاولا القبض عليه، وتجييره لنفسه، إلى درجة إقصاء الأمراء الآخرين، كي يتبوأ القمة من دون منازع، لكن ما بدا جامعا بينهما فقدانهما، وعلى نحو مفاجئ، ظلهما الذي كان وارفا وواعدا بالكثير.
وحكاية فقدان الظل لدى الأمير سبقتها أحداث ووقائع كانت منذرة بذلك. وقد كتب عديد كتاب وصحافيين، محذّرين من أن تغلب شهوة الملك لدى الأمير، فيقدم على ارتكاب ما لا يفكّر في الإقدام عليه حكماء العصر، خصوصا وقد استكشفوا أمامه خيارين، التأسيس للجبر والقهر والغلبة والمغامرات الساخنة، أو العمل على صنع تغيير اجتماعي واقتصادي، وحتى سياسي لبلاده، يشكل حجر الأساس لمدينةٍ فاضلةٍ، تحقق خروجا من كهوف التاريخ. وتمنوا عليه أن يبادر بما يضمن لمواطنيه حمايتهم إذا ما تجرأوا على الكلام، أو مارسوا النقد لظواهر يرونها في غير صالحهم، أو جهروا برأيٍ مخالف، وأن لا يسعى إلى كسر إرادتهم، لكنه في واقع الحال لم يسمع، ولم يقرأ، ولم يتدبّر، بل تملكته روح المغامرة، ولم يخطر في باله أنه في واقع إدارة دولةٍ كانت يوما ما تمثل واحدا من مراكز القوة والقرار في منطقةٍ حافلةٍ بالتحديات والصعاب.
أراد للسعودية أن تأتي غالبة على اليمن، جارتها الجنوبية التي تربطها بها أكثر من وشيجة قربى، وأصبحت الغلبة حربا بين أشقاء يُفترض أن تُحل خلافاتهم بالحسنى وبفعل الخير، وأدت إلى دمار مساكن ومراكز صحية وتعليمية، ومقتل عشرة آلاف معظمهم مدنيون، كما تسببت في موت طفلٍ يمنيٍّ في كل ساعة، بفعل الجوع أو المرض أو بفعلهما معا.
أراد أيضا للسعودية أن تلتفت إلى جارتها الشرقية الصغيرة قطر، وأن تخطط لاحتلالها وضمها تحت سيطرتها المباشرة. وعندما فشل مخطط الضم، عمد الأمير إلى محاصرتها، ولم يكفّ عن محاولة إيذائها والنّيْل منها، وأدرك العقلاء أن هذه الخطوة ليست سوى شهادة على موت مجلس التعاون الذي لم تعد له القدرة على التأثير والفاعلية.
أراد أيضا للسعودية أن تمد يدها لإسرائيل، وأن تسعى إلى ترويج ما سميت صفقة القرن، والعمل على إجبار القيادات الفلسطينية على القبول بها، وفي ذهنه أن خطوة كهذه سوف تضمن حماية الأميركيين له إلى الأبد، وتوفر له حليفا يدعمه ويشدّ أزره.
وكما أراد من أهله أن ينحنوا أمامه ويبايعوه، أنذر بن سلمان كتابا وصحافيين وناشطين، بينهم نساء ورجال دين، من أن يرفعوا أصابعهم في مواجهته، أو أن يعبروا عن وجهة نظر مخالفةٍ له، وقد اعتقل عديدا منهم في حملاتٍ دوريةٍ منظمة، تحت هذه الحجة أو تلك، ولم ينس أن يضع أمامهم مثالا حيا للمصير الذي قد يلقونه، لو تجاوزوا الخطوط الحمر: قتل جمال خاشقجي وتقطيعه بالمنشار.
دفعت هذه الواقعة الدموية الأمور إلى نهاياتها، حيث يوشك الأمير اليوم أن يفقد ظله، بعدما انفضّ من حوله، حتى من كانوا داعمين ومساندين له. ووصل الأمر إلى درجة مطالبة بعض الدول بإبعاده عن الحكم، وإحلال آخر مكانه، شرطا لدوام العلاقة بينها وبين السعودية. وليس ثمّة حاجة لتبيان مبرّرات تلك المطالبات غير المسبوقة، فكومة الخطايا التي ارتكبها بن سلمان تصفع كل من يسعى إلى تبرئته. وقد آن له أن يدرك أن العالم الذي صنعه لنفسه يتهاوى تدريجيا، وذلك هو منطق التاريخ الذي لا يُغلب.
ليست هذه المقالة بصدد استنساخ صورة موحدة للرجلين، ولا المقارنة بينهما، إذ ليس ثمّة ما يصمد أمام ذلك. لكن في شيء من التفصيل، نعرف أن السويفي كان يهدف إلى تجاوز ماضي أسرته الفقيرة، ليصل إلى الموقع العالي الذي وضعه أمام عينيه من دون أي حسابٍ لأحد، فيما يبدو بن سلمان على العكس، متمسكا بماضي أسرته، محاولا القبض عليه، وتجييره لنفسه، إلى درجة إقصاء الأمراء الآخرين، كي يتبوأ القمة من دون منازع، لكن ما بدا جامعا بينهما فقدانهما، وعلى نحو مفاجئ، ظلهما الذي كان وارفا وواعدا بالكثير.
وحكاية فقدان الظل لدى الأمير سبقتها أحداث ووقائع كانت منذرة بذلك. وقد كتب عديد كتاب وصحافيين، محذّرين من أن تغلب شهوة الملك لدى الأمير، فيقدم على ارتكاب ما لا يفكّر في الإقدام عليه حكماء العصر، خصوصا وقد استكشفوا أمامه خيارين، التأسيس للجبر والقهر والغلبة والمغامرات الساخنة، أو العمل على صنع تغيير اجتماعي واقتصادي، وحتى سياسي لبلاده، يشكل حجر الأساس لمدينةٍ فاضلةٍ، تحقق خروجا من كهوف التاريخ. وتمنوا عليه أن يبادر بما يضمن لمواطنيه حمايتهم إذا ما تجرأوا على الكلام، أو مارسوا النقد لظواهر يرونها في غير صالحهم، أو جهروا برأيٍ مخالف، وأن لا يسعى إلى كسر إرادتهم، لكنه في واقع الحال لم يسمع، ولم يقرأ، ولم يتدبّر، بل تملكته روح المغامرة، ولم يخطر في باله أنه في واقع إدارة دولةٍ كانت يوما ما تمثل واحدا من مراكز القوة والقرار في منطقةٍ حافلةٍ بالتحديات والصعاب.
أراد للسعودية أن تأتي غالبة على اليمن، جارتها الجنوبية التي تربطها بها أكثر من وشيجة قربى، وأصبحت الغلبة حربا بين أشقاء يُفترض أن تُحل خلافاتهم بالحسنى وبفعل الخير، وأدت إلى دمار مساكن ومراكز صحية وتعليمية، ومقتل عشرة آلاف معظمهم مدنيون، كما تسببت في موت طفلٍ يمنيٍّ في كل ساعة، بفعل الجوع أو المرض أو بفعلهما معا.
أراد أيضا للسعودية أن تلتفت إلى جارتها الشرقية الصغيرة قطر، وأن تخطط لاحتلالها وضمها تحت سيطرتها المباشرة. وعندما فشل مخطط الضم، عمد الأمير إلى محاصرتها، ولم يكفّ عن محاولة إيذائها والنّيْل منها، وأدرك العقلاء أن هذه الخطوة ليست سوى شهادة على موت مجلس التعاون الذي لم تعد له القدرة على التأثير والفاعلية.
أراد أيضا للسعودية أن تمد يدها لإسرائيل، وأن تسعى إلى ترويج ما سميت صفقة القرن، والعمل على إجبار القيادات الفلسطينية على القبول بها، وفي ذهنه أن خطوة كهذه سوف تضمن حماية الأميركيين له إلى الأبد، وتوفر له حليفا يدعمه ويشدّ أزره.
وكما أراد من أهله أن ينحنوا أمامه ويبايعوه، أنذر بن سلمان كتابا وصحافيين وناشطين، بينهم نساء ورجال دين، من أن يرفعوا أصابعهم في مواجهته، أو أن يعبروا عن وجهة نظر مخالفةٍ له، وقد اعتقل عديدا منهم في حملاتٍ دوريةٍ منظمة، تحت هذه الحجة أو تلك، ولم ينس أن يضع أمامهم مثالا حيا للمصير الذي قد يلقونه، لو تجاوزوا الخطوط الحمر: قتل جمال خاشقجي وتقطيعه بالمنشار.
دفعت هذه الواقعة الدموية الأمور إلى نهاياتها، حيث يوشك الأمير اليوم أن يفقد ظله، بعدما انفضّ من حوله، حتى من كانوا داعمين ومساندين له. ووصل الأمر إلى درجة مطالبة بعض الدول بإبعاده عن الحكم، وإحلال آخر مكانه، شرطا لدوام العلاقة بينها وبين السعودية. وليس ثمّة حاجة لتبيان مبرّرات تلك المطالبات غير المسبوقة، فكومة الخطايا التي ارتكبها بن سلمان تصفع كل من يسعى إلى تبرئته. وقد آن له أن يدرك أن العالم الذي صنعه لنفسه يتهاوى تدريجيا، وذلك هو منطق التاريخ الذي لا يُغلب.