16 أكتوبر 2024
عن الصحافة في المغرب
منذ بداية ما بات يعرف في المغرب بـ "حراك الريف"، اعتقلت السلطات ثمانية صحافيين ومدونين، وهذا أكبر عدد من الصحافيين والمدونين الذين يدخلون الحبس دفعة واحدة، وفي ارتباطٍ بموضوعٍ واحد، له طابع سياسي بالدرجة الأولى.
وإلى جانب هذه الاعتقالات، سجلت منظمة "مراسلون بلا حدود"، وجود عدة انتهاكات ضد حرية الإعلام، أقدمت عليها السلطات المغربية منذ بداية "حراك الريف" في أكتوبر/ تشرين الأول 2016. والمتمثلة في تعمد عرقلة عمل الصحافيين المحليين والأجانب الراغبين في تغطية الواقع الذي تعيشه منطقة الريف في أقصى شمال المغرب، فقد أقدمت السلطات على طرد صحافي جزائري حاول الدخول إلى المنطقة، وضايقت صحافيين أجانب في أثناء عملهم في المنطقة نفسها، ومنعت وسائل إعلام دولية من تغطية أحداثها.
لكن أكبر انتهاك لحرية الإعلام اعتقال ثمانية صحافيين ومدونين في الوقت نفسه، وتقديمهم للمحاكمة بتهم ثقيلة. والجامع الأول بين هذه الاعتقالات أن كل أصحابها يُتابعون بتهم تستند إلى فصولٍ في القانون الجنائي، على الرغم من أنهم كلهم يزاولون مهنة الصحافة، أو مهنة قريبة منها منصوصا عليها في قانون الصحافة. الجامع الثاني أن هذه الاعتقالات جرت بعيدا عن "قانون الصحافة" الجديد الذي وعد واضعوه، ومن صادقوا عليه في الحكومة والبرلمان السابقين، بأنه سيكون خاليا من العقوبات الحبسية، والتهم التي يواجهها هؤلاء كلها ثقيلة بلا استثناء، تستند إلى القانون الجنائي الذي تم تعديله هو الآخر أخيرا، لتدمج فيه بعض التهم التي تتعلق بالنشر والإعلام بصفة عامة، وتشدّد عقوباتها.
إننا اليوم، أمام أول اختبار لـ "الإصلاحات" القانونية التي جاء بها دستور 2011، وأقرّتها
أول حكومة يقودها الإسلاميون في المغرب. إذ جدير بالذكر أن الحكومة التي جاءت بقانون الصحافة الجديد وعدّلت القانون الجنائي الحالي قادها حزب إسلامي، هو "العدالة والتنمية"، وكان وزيرا الاتصال والعدل فيها من الحزب نفسه.
ذكر صاحب هذه السطور، في مقال سابق، أن قانون الصحافة الجديد في المغرب جاء في سياق تميز بالتراجعات الكبيرة التي شهدتها حرية الرأي والتعبير، ليس في المغرب فقط، وإنما في المنطقة برمتها، إثر نجاح "الثورات المضادّة" التي أفرغت شعارات ثورات "الربيع العربي" التي خرجت تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من كل محتوى. لذلك، كان متوقعا أن يكون الهدف من "الإصلاح" الذي جاء في ظل تراجعات كبيرة عرفها المغرب أخيرا في مجال الحقوق والحريات، هو مزيد من التضييق. فما الجدوى اليوم من القول إن المغرب بات يتوفر على قانون للصحافة شبه خال من العقوبات السجنية، لأنه ظلت فيه عقوبات تتعلق بما تسمى "الخطوط الحمراء" في المغرب، أي الملك والدين وقضية الصحراء، في وقتٍ يوجد فيه ثمانية صحافيين ومدونين وراء القضبان، كل ذنبهم أنهم كانوا يقومون بتغطية "حراك الريف"؟
كل ما فعله وزير الاتصال السابق، بحكم أنه المسؤول السياسي الأول عن وضع قانون الصحافة الجديد، أنه قام بترحيل تهم يُعاقب عليها بالسجن من قانون الصحافة إلى القانون الجنائي، وقام زميله في الحكومة نفسها والحزب نفسه، وزير العدل، بإدماج تلك التهم في التعديل الذي أجراه على القانون الجنائي، وقام بتشديد عقوباتها.
ما وقع يعتبر أكبر عملية "تهريب" للقانون و"تحايل" لبيع الوهم إلى الحالمين بالإصلاح. لأن قانون الصحافة الجديد لم يأت لتنظيم حرية الصحافة والإعلام، وإنما بغرض تقييدها وضبطها،
والنتيجة هي التي يعيشها الواقع الإعلامي المغربي اليوم الذي غابت فيه الصحافة المستقلة، وأصبحت فيه الرقابة الذاتية رياضيةً يومية، يمارسها كل صحافي يريد أن يعود حرا إلى بيته وأسرته كل مساء. وفي المقابل، تم تشجيع نوع من صحافة التمييع وصحافة الشتم والقذف و"الردح"، متخصّصة في نهش أعراض المعارضين، ومهاجمة صاحب كل رأي مستقل، وليس بالضرورة مختلفا أو معارضا للسلطة.
ما ميز المغرب عن باقي بلدان المشرق الاستبدادي، وما جنّبه أعاصير "الربيع العربي"، هو هامش الحرية الذي ظل مرناً، حتى في أحلك فترات القمع التي عاشها المغرب "سنوات الجمر والرصاص"، إذ ظلت صحف المعارضة آنذاك، في ستينات القرن الماضي وسبعيناته وثمانيناته تصدر بعناوين على صفحاتها الأولى بالبنط العريض، تعارض وتنتقد وتحتج، ونادرا ما كان الصحافيون يُقتادون إلى السجون، وأغلبهم آنذاك كانوا مناضلين في أحزابهم يمارسون السياسة أكثر مما يمارسون الصحافة. ومع ذلك، وحتى في حالات محاكماتهم، كانوا يُتابعون بقانون الصحافة، وليس بقانون آخر.
يوصف الصحافي في الثقافة الأنغلوساكسونية بأنه "محامي الشعب" و"كلب الحراسة"، فمهمة الصحافة هي الدفاع عن المصلحة العامة، أينما كانت، والتنبيه إلى الخطأ أينما كان، وأحيانا حتى قبل أن يقع. واعتقال صحافي بسبب مزاولته مهنته أول مؤشر على بداية التراجعات التي عندما تبدأ يصعب وقفها. فالصحافي، في نهاية الأمر، "شاهد" على عصره، وقتل الشاهد أو اعتقاله أو تكميم فمه مؤشر سيئ على أن جريمة بشعة وقعت، أو أنها ستقع، ونتمنى ألّا تقع.
وإلى جانب هذه الاعتقالات، سجلت منظمة "مراسلون بلا حدود"، وجود عدة انتهاكات ضد حرية الإعلام، أقدمت عليها السلطات المغربية منذ بداية "حراك الريف" في أكتوبر/ تشرين الأول 2016. والمتمثلة في تعمد عرقلة عمل الصحافيين المحليين والأجانب الراغبين في تغطية الواقع الذي تعيشه منطقة الريف في أقصى شمال المغرب، فقد أقدمت السلطات على طرد صحافي جزائري حاول الدخول إلى المنطقة، وضايقت صحافيين أجانب في أثناء عملهم في المنطقة نفسها، ومنعت وسائل إعلام دولية من تغطية أحداثها.
لكن أكبر انتهاك لحرية الإعلام اعتقال ثمانية صحافيين ومدونين في الوقت نفسه، وتقديمهم للمحاكمة بتهم ثقيلة. والجامع الأول بين هذه الاعتقالات أن كل أصحابها يُتابعون بتهم تستند إلى فصولٍ في القانون الجنائي، على الرغم من أنهم كلهم يزاولون مهنة الصحافة، أو مهنة قريبة منها منصوصا عليها في قانون الصحافة. الجامع الثاني أن هذه الاعتقالات جرت بعيدا عن "قانون الصحافة" الجديد الذي وعد واضعوه، ومن صادقوا عليه في الحكومة والبرلمان السابقين، بأنه سيكون خاليا من العقوبات الحبسية، والتهم التي يواجهها هؤلاء كلها ثقيلة بلا استثناء، تستند إلى القانون الجنائي الذي تم تعديله هو الآخر أخيرا، لتدمج فيه بعض التهم التي تتعلق بالنشر والإعلام بصفة عامة، وتشدّد عقوباتها.
إننا اليوم، أمام أول اختبار لـ "الإصلاحات" القانونية التي جاء بها دستور 2011، وأقرّتها
ذكر صاحب هذه السطور، في مقال سابق، أن قانون الصحافة الجديد في المغرب جاء في سياق تميز بالتراجعات الكبيرة التي شهدتها حرية الرأي والتعبير، ليس في المغرب فقط، وإنما في المنطقة برمتها، إثر نجاح "الثورات المضادّة" التي أفرغت شعارات ثورات "الربيع العربي" التي خرجت تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من كل محتوى. لذلك، كان متوقعا أن يكون الهدف من "الإصلاح" الذي جاء في ظل تراجعات كبيرة عرفها المغرب أخيرا في مجال الحقوق والحريات، هو مزيد من التضييق. فما الجدوى اليوم من القول إن المغرب بات يتوفر على قانون للصحافة شبه خال من العقوبات السجنية، لأنه ظلت فيه عقوبات تتعلق بما تسمى "الخطوط الحمراء" في المغرب، أي الملك والدين وقضية الصحراء، في وقتٍ يوجد فيه ثمانية صحافيين ومدونين وراء القضبان، كل ذنبهم أنهم كانوا يقومون بتغطية "حراك الريف"؟
كل ما فعله وزير الاتصال السابق، بحكم أنه المسؤول السياسي الأول عن وضع قانون الصحافة الجديد، أنه قام بترحيل تهم يُعاقب عليها بالسجن من قانون الصحافة إلى القانون الجنائي، وقام زميله في الحكومة نفسها والحزب نفسه، وزير العدل، بإدماج تلك التهم في التعديل الذي أجراه على القانون الجنائي، وقام بتشديد عقوباتها.
ما وقع يعتبر أكبر عملية "تهريب" للقانون و"تحايل" لبيع الوهم إلى الحالمين بالإصلاح. لأن قانون الصحافة الجديد لم يأت لتنظيم حرية الصحافة والإعلام، وإنما بغرض تقييدها وضبطها،
ما ميز المغرب عن باقي بلدان المشرق الاستبدادي، وما جنّبه أعاصير "الربيع العربي"، هو هامش الحرية الذي ظل مرناً، حتى في أحلك فترات القمع التي عاشها المغرب "سنوات الجمر والرصاص"، إذ ظلت صحف المعارضة آنذاك، في ستينات القرن الماضي وسبعيناته وثمانيناته تصدر بعناوين على صفحاتها الأولى بالبنط العريض، تعارض وتنتقد وتحتج، ونادرا ما كان الصحافيون يُقتادون إلى السجون، وأغلبهم آنذاك كانوا مناضلين في أحزابهم يمارسون السياسة أكثر مما يمارسون الصحافة. ومع ذلك، وحتى في حالات محاكماتهم، كانوا يُتابعون بقانون الصحافة، وليس بقانون آخر.
يوصف الصحافي في الثقافة الأنغلوساكسونية بأنه "محامي الشعب" و"كلب الحراسة"، فمهمة الصحافة هي الدفاع عن المصلحة العامة، أينما كانت، والتنبيه إلى الخطأ أينما كان، وأحيانا حتى قبل أن يقع. واعتقال صحافي بسبب مزاولته مهنته أول مؤشر على بداية التراجعات التي عندما تبدأ يصعب وقفها. فالصحافي، في نهاية الأمر، "شاهد" على عصره، وقتل الشاهد أو اعتقاله أو تكميم فمه مؤشر سيئ على أن جريمة بشعة وقعت، أو أنها ستقع، ونتمنى ألّا تقع.