09 يونيو 2017
عن المجتمع الشبكي
يقدم كتاب دارن بارني "المجتمع الشبكي"، الصادر أخيراً عن المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، ترجمة أنور الجمعاني؛ مقاربة مفيدة في استيعاب وفهم التحولات المصاحبة للحوسبة والتشبيك، والتي غيرت في الأعمال والثقافة والمجتمعات والعلاقات تغييراً عميقاً، لا تقل جذريةً وأهميةً عن التحولات التي صاحبت الثورة الصناعية، وهو موضوع شغل مؤسساتٍ ومنظمات دولية ووطنية ذات أهمية كبرى، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، والمؤسسات السيادية في الولايات المتحدة، مثل الدفاع ووكالة الاستخبارات.
وقد تعدّدت تسميات هذه المرحلة على نحو يعبر عن الحيرة والتعقيد في طبيعتها، بخلاف المرحلتين الثوريتين السابقتين في مسار البشرية: الزراعة والصناعة، ففي حين يبدو تعبيرٌ، مثل المجتمعات الزراعية أو الصناعية، واضحاً لا لبس فيه تقريباً ولا اختلاف حوله، فإن المرحلة القائمة حول الحاسوب وامتداداته التكنولوجية والاجتماعية تقدم مفاهيم وتسميات كثيرة وخلافية، مثل المعلوماتية، والمعرفة، والرقمية، ما بعد الحداثة، ما بعد الصناعة، الموجة الثالثة.
تجتمع في عبارة "المجتمع الشبكي"، باعتبارها أطروحةً تؤكد، بعبارةٍ بسيطةٍ، أن روح عصرنا هي روح الشبكية، فالشبكات أصبحت قوى محركة للحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية"، ويعبر عن هذه المسألة عالم الاجتماع الإسباني الكاتالوني، مانويل كاستلز، على النحو التالي: "ثمة نزعة تاريخية تنتظم بمقتضاها الوظائف والعمليات الأساسية حول الشبكات على نحو متزايد، وتكون هذه الشبكات الوجه الاجتماعي لمجتمعاتنا، ويعمل انتشار منطق التشبيك على تعديل العمل وثماره تعديلاً جوهرياً في نواحي الإنتاج والتجربة والقوة والثقافة".
وقد حدد نيك داير رذرفورد عدة عناصر مميزة لمجتمع المعلومات، فهو عالم يشهد حالة من التحول الجذري، تشبه التحول من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي، والمورد الأساسي للمجتمع الجديد هو المعلومات والمعرفة، وتتميز التقانة، في هذه المرحلة، بالقوة الدينامية، وهي تشكل الأساس في تطوير الثقافة ونشرها، وقد نشأت ثروات مستمدة من اقتصاد المعلومات، تفوقت كثيراً على الثروات المرتبطة باقتصاد التصنيع. وجرت، بطبيعة الحال، تحولات اجتماعية مرافقة لهذه التقنية، وتبدو تحولات إيجابية على نحو عام، لكنها تحولات يمكن وصفها بالثورة، وعلى قدر هائل في حجمها وتأثيرها في شتى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتقنية. وبذلك، تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام، في تطوير الحياة ومسار البشرية، .. إنها ثورة كما يصفها بارني، لا يمكن مقاومتها، ولا الرجوع عنها.
وقد ارتبطت بالشبكة، على نحو عضوي، مفاهيم "العولمة" وتطبيقاتها، وهي وإن كانت تبدو حالة مستقلةً، أو مختلفة، إلا أنها بالطبع من أهم تمظهرات الشبكية، وقد خصّ تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية (1997) العولمة باهتمام خاص، وتطرق، أيضاً، إلى الشبكية ومفاهيمها، وحدد مفهوم المجتمع الشبكي بأنه يشمل ما بعد الصناعة، وما بعد الحداثة والعولمة وما بعد الفوردية، ومجتمع المعلومات.
تركّز التيارات الفكرية الما بعد حداثوية على دراسة الظواهر الاجتماعية، بوعيها المتزايد بالوظيفة البنائية للغة، والطريقة التي ترمز بها علاقات معينة في سياق تاريخي محدد، وتؤمن شرعيتها. ومن هذه الرؤية، فإن الصراعات السياسية في جوهرها صراعات نصية على اللغة والخطاب. وتتمثل مهمة الفكر في تفكيك التمظهرات الخطابية المهيمنة لبيان الحدث الأساسي في ثنايا تلك التمظهرات.
تضيف عبارة المجتمع الشبكي خاصيتين في توصيف المجتمعات الجديدة، أو المتشكلة حول
التقنيات الجديدة: تقانة الحوسبة والاتصالات، وتوزيع المعلومات وإدارتها على نحو شبكي، وإعادة إنتاج الشبكية باعتبارها الشكل الأساسي للتنظيمات والعلاقات الإنسانية، عبر نطاق واسع من الهيئات والجمعيات الأهلية والسياسية والاقتصادية. ويمكن تفضيل مصطلح الشبكية على مصطلحاتٍ، مثل المعرفة أو المعلوماتية، باعتباره (الشبكية) مفهوماً تقنياً وظيفياً وغير منحاز، في حين أن المعلوماتية والمعرفة تشي بالانحياز، كما أن المعلومات والمعرفة كانت جزءاً من الحضارات والمجتمعات الزراعية والصناعية، وإنْ تزايدت وتطورت على نحو هائل في المرحلة الجديدة.
تتألف الشبكات من ثلاثة عناصر: العقد والروابط والتدفقات، وتشير أطروحة المجتمع الشبكي إلى أن هناك عدداً متزايداً من الممارسات والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تنتظم وتتشكل حول الشبكة. وفي ذلك، يمكن الحديث عن خصائص محددة ومميزة للمجتمع الشبكي، إذ تقوم أسس هذا المجتمع على اقتصاد رأسمالي معلوماتي، بمعنى أنه مختلف عن الاقتصاد الرأسمالي الصناعي، وفي انتظام الاقتصاد الشبكي وتشكله من خلال الشبكة، وعلى نحو عالمي، فإن دور الدولة يتغير متراجعاً عما كان عليه في المجتمع الصناعي. وقد نشأ شركاء للدولة في تنظيم السلطات السياسية والاقتصادية، ويبدو أن المكان والزمان لهما مفهوم مختلف، وكأنهما، في المنظور الصناعي، لا مكان ولا زمان. وفي المجتمع الشبكي، تتوقف القوة والتأثير على المشاركة والوصول (Access) إلى الشبكة والسيطرة، أو المشاركة في تدفق المعلومات والسلع من خلالها، ويكون المصدر الرئيسي للصراع والمقاومة في المجتمع الشبكي التناقض بين الطابع اللامكاني للشبكة وتجذر المعنى الإنساني.
المجتمع الشبكي مسألة تستحق، بالطبع، اهتماما كبيراً وشاملاً، ذلك أن معظم، إن لم يكن جميع، المفاهيم والموارد والعلاقات يعاد تعريفها وتشكيلها اليوم، ونحتاج إلى التعرف إليها من جديد، وعلى نحو تبدو خبراتنا ومفاهيمنا ومهاراتنا المستمدة من مرحلة ما قبل الشبكية عرضةً للزوال وعدم الجدوى.
وقد تعدّدت تسميات هذه المرحلة على نحو يعبر عن الحيرة والتعقيد في طبيعتها، بخلاف المرحلتين الثوريتين السابقتين في مسار البشرية: الزراعة والصناعة، ففي حين يبدو تعبيرٌ، مثل المجتمعات الزراعية أو الصناعية، واضحاً لا لبس فيه تقريباً ولا اختلاف حوله، فإن المرحلة القائمة حول الحاسوب وامتداداته التكنولوجية والاجتماعية تقدم مفاهيم وتسميات كثيرة وخلافية، مثل المعلوماتية، والمعرفة، والرقمية، ما بعد الحداثة، ما بعد الصناعة، الموجة الثالثة.
تجتمع في عبارة "المجتمع الشبكي"، باعتبارها أطروحةً تؤكد، بعبارةٍ بسيطةٍ، أن روح عصرنا هي روح الشبكية، فالشبكات أصبحت قوى محركة للحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية"، ويعبر عن هذه المسألة عالم الاجتماع الإسباني الكاتالوني، مانويل كاستلز، على النحو التالي: "ثمة نزعة تاريخية تنتظم بمقتضاها الوظائف والعمليات الأساسية حول الشبكات على نحو متزايد، وتكون هذه الشبكات الوجه الاجتماعي لمجتمعاتنا، ويعمل انتشار منطق التشبيك على تعديل العمل وثماره تعديلاً جوهرياً في نواحي الإنتاج والتجربة والقوة والثقافة".
وقد حدد نيك داير رذرفورد عدة عناصر مميزة لمجتمع المعلومات، فهو عالم يشهد حالة من التحول الجذري، تشبه التحول من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي، والمورد الأساسي للمجتمع الجديد هو المعلومات والمعرفة، وتتميز التقانة، في هذه المرحلة، بالقوة الدينامية، وهي تشكل الأساس في تطوير الثقافة ونشرها، وقد نشأت ثروات مستمدة من اقتصاد المعلومات، تفوقت كثيراً على الثروات المرتبطة باقتصاد التصنيع. وجرت، بطبيعة الحال، تحولات اجتماعية مرافقة لهذه التقنية، وتبدو تحولات إيجابية على نحو عام، لكنها تحولات يمكن وصفها بالثورة، وعلى قدر هائل في حجمها وتأثيرها في شتى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتقنية. وبذلك، تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام، في تطوير الحياة ومسار البشرية، .. إنها ثورة كما يصفها بارني، لا يمكن مقاومتها، ولا الرجوع عنها.
وقد ارتبطت بالشبكة، على نحو عضوي، مفاهيم "العولمة" وتطبيقاتها، وهي وإن كانت تبدو حالة مستقلةً، أو مختلفة، إلا أنها بالطبع من أهم تمظهرات الشبكية، وقد خصّ تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية (1997) العولمة باهتمام خاص، وتطرق، أيضاً، إلى الشبكية ومفاهيمها، وحدد مفهوم المجتمع الشبكي بأنه يشمل ما بعد الصناعة، وما بعد الحداثة والعولمة وما بعد الفوردية، ومجتمع المعلومات.
تركّز التيارات الفكرية الما بعد حداثوية على دراسة الظواهر الاجتماعية، بوعيها المتزايد بالوظيفة البنائية للغة، والطريقة التي ترمز بها علاقات معينة في سياق تاريخي محدد، وتؤمن شرعيتها. ومن هذه الرؤية، فإن الصراعات السياسية في جوهرها صراعات نصية على اللغة والخطاب. وتتمثل مهمة الفكر في تفكيك التمظهرات الخطابية المهيمنة لبيان الحدث الأساسي في ثنايا تلك التمظهرات.
تضيف عبارة المجتمع الشبكي خاصيتين في توصيف المجتمعات الجديدة، أو المتشكلة حول
تتألف الشبكات من ثلاثة عناصر: العقد والروابط والتدفقات، وتشير أطروحة المجتمع الشبكي إلى أن هناك عدداً متزايداً من الممارسات والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تنتظم وتتشكل حول الشبكة. وفي ذلك، يمكن الحديث عن خصائص محددة ومميزة للمجتمع الشبكي، إذ تقوم أسس هذا المجتمع على اقتصاد رأسمالي معلوماتي، بمعنى أنه مختلف عن الاقتصاد الرأسمالي الصناعي، وفي انتظام الاقتصاد الشبكي وتشكله من خلال الشبكة، وعلى نحو عالمي، فإن دور الدولة يتغير متراجعاً عما كان عليه في المجتمع الصناعي. وقد نشأ شركاء للدولة في تنظيم السلطات السياسية والاقتصادية، ويبدو أن المكان والزمان لهما مفهوم مختلف، وكأنهما، في المنظور الصناعي، لا مكان ولا زمان. وفي المجتمع الشبكي، تتوقف القوة والتأثير على المشاركة والوصول (Access) إلى الشبكة والسيطرة، أو المشاركة في تدفق المعلومات والسلع من خلالها، ويكون المصدر الرئيسي للصراع والمقاومة في المجتمع الشبكي التناقض بين الطابع اللامكاني للشبكة وتجذر المعنى الإنساني.
المجتمع الشبكي مسألة تستحق، بالطبع، اهتماما كبيراً وشاملاً، ذلك أن معظم، إن لم يكن جميع، المفاهيم والموارد والعلاقات يعاد تعريفها وتشكيلها اليوم، ونحتاج إلى التعرف إليها من جديد، وعلى نحو تبدو خبراتنا ومفاهيمنا ومهاراتنا المستمدة من مرحلة ما قبل الشبكية عرضةً للزوال وعدم الجدوى.