06 نوفمبر 2024
عن بيتٍ بمنازل كثيرة
كنت أتمنى لو أن معارضي حكومة بغداد الذين عقدوا مؤتمرهم في أنقرة أن يعقدوه في الجزء المحرّر من مدينة الموصل الباسلة، أو في أحد مخيمات النزوح المنتشرة في أرجاء البلاد، وعلى حافات المدن كي يعيشوا معاناة النازحين، ويستمعوا لشكاواهم، ويتحسّسوا مشاعرهم.
وكنت أتمنى لو أن حكومة بغداد، بما تدّعيه من رغبةٍ في المصالحة والمصارحة، تتيح الفرصة لهؤلاء المعارضين لأن يصلوا إلى بلادهم بسلام، ويغادروها بأمانٍ بعد انتهاء مؤتمرهم، من دون أن يواجهوا تهديدا بالقتل أو الاعتقال، وإذا كان ثمّة مذكرات اعتقال بحق بعضهم على خلفية وصمٍ ظالم لنشاطاتهم المعارضة على أنها تحريض على "الإرهاب"، فبإمكان الحكومة أن تعمد إلى إلغائها، تعبيرا عن نية حسنة، أو توقف تنفيذها على الأقل في فترة انعقاد المؤتمر من أجل مصلحة البلاد والعباد.
وكنت أتمنى لو نزع كل مشاركٍ في مؤتمر أنقرة قشرته الطائفية أو العرقية، وحمل هويته الوطنية دون غيرها، وتحدث عن هموم كل الوطن، وعبّر عن هموم كل أبناء الوطن، وطرح ما يراه لخلاص الجميع من المحنة التي تحيق بهم، لكان ضمن حماسة شعبية معه، ومع طروحاته.
وكنت أتمنى لو أن الدول والجهات التي دعمت المؤتمر ماليا حولت منحتها إلى مخيمات النازحين، لكان ذلك أجدى، وأكثر أجرا ومثابة.
وعلى أية حال، وبعيدا عن كل هذه التمنيات التي لا تطعم أحدا خبزا، كما يقول أهلنا، انعقد المؤتمر وانتهى، وأخذ رقما له في تسلسل المؤتمرات التي عقدت في هذه العاصمة أو تلك، وقيل إنها عقدت من أجل قضية العراق، لكن العراق بعدها كبرت معاناته، وازدادت همومه، وتكالب عليه الغرباء، وأضحى في حالٍ لا تسر صديقا.
لنعد إلى حكاية المؤتمر الذي ضنّ علينا عاقدوه ببيان تفصيلي، يوضح لنا ما اتخذوه من إجراءات، وما أقرّوه من خطط عمل، وما ترشح من أروقته كان شحيحا، قيل إن عدد المؤتمرين لم يتجاوز الخمسة والعشرين فردا، معظمهم يمثل نفسه فقط، وليست لهم جهات أو حركات سياسية يمثلونها، بعضهم جاءت به ضربة حظ، أو وضعته مصادفة خطأ في المكان الخطأ، وقيل إن بعضهم انسحب، وآخرين قفلوا راجعين، وبعضا ثالثا اكتفى من الغنيمة بالإياب، والباقين اختلفوا وتخاصموا قبل أن يصلوا إلى قسمة للمواقع الرئاسية لتنظيمٍ جديده سموه "تحالف القوى الوطنية"، ونصبوا من أنفسهم "مرجعية سياسية للسنة"، وبعد القسمة خلصوا إلى "رؤية مشتركة لترتيب البيت السني". وفي رواية أخرى "لإشهار الإقليم السني"، بما يضع العراق على شفا حفرة التقسيم المبرمج، على أن بعضهم، كما هو معروف، كان، إلى ما قبل أيام، يدعو إلى ترتيب "البيت الوطني"، ما الذي دعاه ليركب الموجة، ويلتصق بقشرته الطائفية، وبعضا آخر كان خصما عنيدا للعملية السياسية الماثلة المرتهنة لمخططات التقسيم الطائفي والعرقي، ما الذي جعله يتقدم صاغرا للدخول في تلك العملية عن سابق تصميم؟
جملة أسئلة شرسة غير هذه تدور في الرؤوس، لكنها تحيل إلى حقيقة لا يمكن تجاهلها: أن العراقيين المحكومين بأقدارٍ لا قبل لهم بمواجهتها يستحقون مؤتمرا وطنيا بحق، يشكل بداية لاستحقاق أكبر، عملية إنقاذ سياسية وطنية خالصة، تتجاوز المحاصصات، والحصص، والقسمة الضيزى، وتعيد العراق كلا موحدا، في ظل دولة قانونٍ ومواطنة متساوية، تضعه في مكانه الطليعي في عالمه العربي، وتتواصل مع مشروعه النهضوي الذي عرف به منذ تأسيس دولته الحديثة قبل قرن، وتضمن للعراقيين، على اختلاف مللهم ونحلهم، "بيتا بمنازل كثيرة"، بحسب الوصف الذي كان يطلقه دائما كمال الصليبي على بلده لبنان. وقد يبدو تحقيق كل هذه المطاليب أقرب إلى أحلام العصافير التي كنا سمعنا عنها في حكايات أمهاتنا، ونحن أطفال. لكن، من فضلكم، لا تفسدوا علينا متعة الحلم.
وكنت أتمنى لو أن حكومة بغداد، بما تدّعيه من رغبةٍ في المصالحة والمصارحة، تتيح الفرصة لهؤلاء المعارضين لأن يصلوا إلى بلادهم بسلام، ويغادروها بأمانٍ بعد انتهاء مؤتمرهم، من دون أن يواجهوا تهديدا بالقتل أو الاعتقال، وإذا كان ثمّة مذكرات اعتقال بحق بعضهم على خلفية وصمٍ ظالم لنشاطاتهم المعارضة على أنها تحريض على "الإرهاب"، فبإمكان الحكومة أن تعمد إلى إلغائها، تعبيرا عن نية حسنة، أو توقف تنفيذها على الأقل في فترة انعقاد المؤتمر من أجل مصلحة البلاد والعباد.
وكنت أتمنى لو نزع كل مشاركٍ في مؤتمر أنقرة قشرته الطائفية أو العرقية، وحمل هويته الوطنية دون غيرها، وتحدث عن هموم كل الوطن، وعبّر عن هموم كل أبناء الوطن، وطرح ما يراه لخلاص الجميع من المحنة التي تحيق بهم، لكان ضمن حماسة شعبية معه، ومع طروحاته.
وكنت أتمنى لو أن الدول والجهات التي دعمت المؤتمر ماليا حولت منحتها إلى مخيمات النازحين، لكان ذلك أجدى، وأكثر أجرا ومثابة.
وعلى أية حال، وبعيدا عن كل هذه التمنيات التي لا تطعم أحدا خبزا، كما يقول أهلنا، انعقد المؤتمر وانتهى، وأخذ رقما له في تسلسل المؤتمرات التي عقدت في هذه العاصمة أو تلك، وقيل إنها عقدت من أجل قضية العراق، لكن العراق بعدها كبرت معاناته، وازدادت همومه، وتكالب عليه الغرباء، وأضحى في حالٍ لا تسر صديقا.
لنعد إلى حكاية المؤتمر الذي ضنّ علينا عاقدوه ببيان تفصيلي، يوضح لنا ما اتخذوه من إجراءات، وما أقرّوه من خطط عمل، وما ترشح من أروقته كان شحيحا، قيل إن عدد المؤتمرين لم يتجاوز الخمسة والعشرين فردا، معظمهم يمثل نفسه فقط، وليست لهم جهات أو حركات سياسية يمثلونها، بعضهم جاءت به ضربة حظ، أو وضعته مصادفة خطأ في المكان الخطأ، وقيل إن بعضهم انسحب، وآخرين قفلوا راجعين، وبعضا ثالثا اكتفى من الغنيمة بالإياب، والباقين اختلفوا وتخاصموا قبل أن يصلوا إلى قسمة للمواقع الرئاسية لتنظيمٍ جديده سموه "تحالف القوى الوطنية"، ونصبوا من أنفسهم "مرجعية سياسية للسنة"، وبعد القسمة خلصوا إلى "رؤية مشتركة لترتيب البيت السني". وفي رواية أخرى "لإشهار الإقليم السني"، بما يضع العراق على شفا حفرة التقسيم المبرمج، على أن بعضهم، كما هو معروف، كان، إلى ما قبل أيام، يدعو إلى ترتيب "البيت الوطني"، ما الذي دعاه ليركب الموجة، ويلتصق بقشرته الطائفية، وبعضا آخر كان خصما عنيدا للعملية السياسية الماثلة المرتهنة لمخططات التقسيم الطائفي والعرقي، ما الذي جعله يتقدم صاغرا للدخول في تلك العملية عن سابق تصميم؟
جملة أسئلة شرسة غير هذه تدور في الرؤوس، لكنها تحيل إلى حقيقة لا يمكن تجاهلها: أن العراقيين المحكومين بأقدارٍ لا قبل لهم بمواجهتها يستحقون مؤتمرا وطنيا بحق، يشكل بداية لاستحقاق أكبر، عملية إنقاذ سياسية وطنية خالصة، تتجاوز المحاصصات، والحصص، والقسمة الضيزى، وتعيد العراق كلا موحدا، في ظل دولة قانونٍ ومواطنة متساوية، تضعه في مكانه الطليعي في عالمه العربي، وتتواصل مع مشروعه النهضوي الذي عرف به منذ تأسيس دولته الحديثة قبل قرن، وتضمن للعراقيين، على اختلاف مللهم ونحلهم، "بيتا بمنازل كثيرة"، بحسب الوصف الذي كان يطلقه دائما كمال الصليبي على بلده لبنان. وقد يبدو تحقيق كل هذه المطاليب أقرب إلى أحلام العصافير التي كنا سمعنا عنها في حكايات أمهاتنا، ونحن أطفال. لكن، من فضلكم، لا تفسدوا علينا متعة الحلم.