06 نوفمبر 2024
عن حربٍ لم تنته بعد
قال المحرّر في "بي بي سي" الفارسية، نيما أكبر بور، إنه عندما نشبت الحرب بين العراق وإيران كان طالبا في الصف الأول، وعندما أصبح في الصف التاسع قيل له إن الحرب انتهت، وبعدما كبر وأكمل دراسته الجامعية، وعمل محرّرا صحافيا، واجبه أن يتابع أحداث العالم، اكتشف أن الحرب لم تنته، وأن نتيجتها لم تُحسم بعد.
السفير الأميركي المخضرم، رايان كروكر، الذي خدم في العراق، وترأس "مجموعة عمل مستقبل العراق"، رأى أن "الحرب العراقية الإيرانية لم تنته بعد، وأن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، يريد إنهاءها فوق الأراضي العراقية"، يكرّر القادة الإيرانيون، في كل مناسبة ومن دون مناسبة، أنهم حسموها، وأن بغداد أصبحت واحدةً من عواصم الإمبراطورية. ويعتقد كثيرون أن هذا الحسم تم مع غزو الأميركيين العراق الذين سلموا البلد كله للإيرانيين على طبق من ذهب، فيما يذهب آخرون إلى أن الأرض ما تزال هشّة، وأن حروبا أخرى مقبلة قد تعيد رسم الخرائط.
هذا الكلام ومثله كثير، لكن ما هو معروف أن حرب السنوات الثماني لم تُحسَم لأيٍّ من الطرفين، وإن كان إعلان الإمام الخميني، في حينه، أن قبوله وقف إطلاق النار يشبه تجرّعه كأس السم، وقد عدّ قوله هذا إقرارا بهزيمة بلاده، لكن واقع الحال ينبئنا أن كلا من الطرفين خرج خاسرا ومأزوما. وهكذا، يظلّ الوفاق بين البلدين بعيدا، وهناك أشواط طويلة عليهما قطعها، قبل أن يتوافقا على أسس تكفل السلام الدائم بينهما وتضمنه، خصوصا أن التدخلات الإيرانية الفاضحة في الشأن العراقي اليوم تقترب من أن تشكل "احتلالا" لا يقبل به العراقيون، وهذا ما يدعم فرضية عدم انتهاء الحرب التي تتجدّد فصولها الإعلامية بين حين وآخر، والتاريخ يعيد نفسه في دورات زمن، والصراع يتصاعد ويخفت، على وقع مشروعيْن مختلفيْن يحملان بصماتٍ مذهبيةً وعرقيةً، تظل تفعل فعلها لدى جمهور واسع أمدا أطول، وقد ساهمت قوى إقليمية وعالمية في تغذية هذه البصمات، على نحو يكفل لتلك القوى قدرا من التحكّم والنفوذ.
واليوم، وعلى الرغم من حصول طهران على الجائزة الكبرى بهيمنتها على مقادير الأمور في
العراق، بعدما أتاح لها ذلك الغزو الأميركي، فإنها لا تزال تطمح في أكثر من ذلك، ومطالبتها بغداد، على لسان شخصيات نافذة، بوجوب دفع أكثر من تريليون دولار تعويضات حربٍ، يعكس جانبا من سلوكها السلبي تجاه العراقيين، في حين أن المنطق بقول إنه حتى في حالة القبول بفرضية ان العراق هو الذي بدأ الحرب، فإن قبوله وقف إطلاق النار في وقت مبكّر، استنادا إلى قرار مجلس الأمن الذي صدر بعد أيام عدة من نشوب الحرب، ورفض إيران الالتزام به، يرتّب عليها مسؤولية دفع تعويضات الحرب للعراق عن الفترة اللاحقة على القرار، وإلى حين انتهاء الحرب. ويظل لافتا أن مسؤولين عراقيين يؤيدون حجج طهران في المطالبة بالتعويضات، وكان أولهم الراحل عبد العزيز الحكيم الذي له في الذاكرة تصريحٌ مشهور، يدعو فيه بلاده إلى إقرار التعويضات لإيران، لكن المرء لا يجد غرابةً في مساندة أولئك المسؤولين الفكرة، بعد أن يكتشف أنهم كانوا قاتلوا إلى جانب الجيش الإيراني، ويفاخرون اليوم بذلك.
وحينما يتأمل المواطن العادي الذي سحقته الانهيارات، ومعالم الخراب في كلا البلدين، لا بد أن يتوصل إلى ما توصل إليه الصحافي نيما أكبر بور، وهو أن الحرب العراقية الإيرانية لم تنته بعد، وأن آخر حلقاتها هذا السجال الاعلامي على خلفية سؤال "التعويضات" الصعب الذي تحوّل إلى قضية خلافية شائكة، أعادت إلى الأذهان السؤال القديم: من بدأ الحرب؟ وبغض النظر عن الإجابة المباشرة، فإن ما أصبح معروفا بعدما انقضت أربعة عقود أن جهات وقوى دولية وإقليمية عملت على إشعال الحرب، بغرض إضعاف البلدين وتقويضهما معا، مستغلةً هوس القادة الإيرانيين بنجاح ثورتهم وأملهم بتكرار السيناريو نفسه في العراق، وكذلك خوف العراقيين من تمدّد إيراني داخل المجتمع العراقي قد يزعزع وحدته، وسعيهم إلى ممارسة دور قيادي في الإقليم. في حينها، لم يدرك قادة البلدين الحكمة إن ليس في إمكانك أن تشطب جارك من الخريطة الجغرافية، أو أن تنقله إلى قارة أخرى، وهكذا حصل الخيار الخطأ في الزمن الخطأ، وهو ما سوف نظل نعيش نتائجه وتبعاته لأجيال مقبلة.
السفير الأميركي المخضرم، رايان كروكر، الذي خدم في العراق، وترأس "مجموعة عمل مستقبل العراق"، رأى أن "الحرب العراقية الإيرانية لم تنته بعد، وأن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، يريد إنهاءها فوق الأراضي العراقية"، يكرّر القادة الإيرانيون، في كل مناسبة ومن دون مناسبة، أنهم حسموها، وأن بغداد أصبحت واحدةً من عواصم الإمبراطورية. ويعتقد كثيرون أن هذا الحسم تم مع غزو الأميركيين العراق الذين سلموا البلد كله للإيرانيين على طبق من ذهب، فيما يذهب آخرون إلى أن الأرض ما تزال هشّة، وأن حروبا أخرى مقبلة قد تعيد رسم الخرائط.
هذا الكلام ومثله كثير، لكن ما هو معروف أن حرب السنوات الثماني لم تُحسَم لأيٍّ من الطرفين، وإن كان إعلان الإمام الخميني، في حينه، أن قبوله وقف إطلاق النار يشبه تجرّعه كأس السم، وقد عدّ قوله هذا إقرارا بهزيمة بلاده، لكن واقع الحال ينبئنا أن كلا من الطرفين خرج خاسرا ومأزوما. وهكذا، يظلّ الوفاق بين البلدين بعيدا، وهناك أشواط طويلة عليهما قطعها، قبل أن يتوافقا على أسس تكفل السلام الدائم بينهما وتضمنه، خصوصا أن التدخلات الإيرانية الفاضحة في الشأن العراقي اليوم تقترب من أن تشكل "احتلالا" لا يقبل به العراقيون، وهذا ما يدعم فرضية عدم انتهاء الحرب التي تتجدّد فصولها الإعلامية بين حين وآخر، والتاريخ يعيد نفسه في دورات زمن، والصراع يتصاعد ويخفت، على وقع مشروعيْن مختلفيْن يحملان بصماتٍ مذهبيةً وعرقيةً، تظل تفعل فعلها لدى جمهور واسع أمدا أطول، وقد ساهمت قوى إقليمية وعالمية في تغذية هذه البصمات، على نحو يكفل لتلك القوى قدرا من التحكّم والنفوذ.
واليوم، وعلى الرغم من حصول طهران على الجائزة الكبرى بهيمنتها على مقادير الأمور في
وحينما يتأمل المواطن العادي الذي سحقته الانهيارات، ومعالم الخراب في كلا البلدين، لا بد أن يتوصل إلى ما توصل إليه الصحافي نيما أكبر بور، وهو أن الحرب العراقية الإيرانية لم تنته بعد، وأن آخر حلقاتها هذا السجال الاعلامي على خلفية سؤال "التعويضات" الصعب الذي تحوّل إلى قضية خلافية شائكة، أعادت إلى الأذهان السؤال القديم: من بدأ الحرب؟ وبغض النظر عن الإجابة المباشرة، فإن ما أصبح معروفا بعدما انقضت أربعة عقود أن جهات وقوى دولية وإقليمية عملت على إشعال الحرب، بغرض إضعاف البلدين وتقويضهما معا، مستغلةً هوس القادة الإيرانيين بنجاح ثورتهم وأملهم بتكرار السيناريو نفسه في العراق، وكذلك خوف العراقيين من تمدّد إيراني داخل المجتمع العراقي قد يزعزع وحدته، وسعيهم إلى ممارسة دور قيادي في الإقليم. في حينها، لم يدرك قادة البلدين الحكمة إن ليس في إمكانك أن تشطب جارك من الخريطة الجغرافية، أو أن تنقله إلى قارة أخرى، وهكذا حصل الخيار الخطأ في الزمن الخطأ، وهو ما سوف نظل نعيش نتائجه وتبعاته لأجيال مقبلة.