من المشروع التساؤل عن وجود تيار يساري سوري بعيداً عن انحصاره بمجموعة من المثقفين، بعد تمكن النظام السوري من القضاء على جميع التيارات السياسية خلال 40 عاماً.
إلا أنه، بقدر ما كانت الثورة السورية مأزقاً للنظام، فقد شكلت مأزقاً مضاعفاً للمحسوبين على اليسار بكافة أطيافه. انقسم اليساريون السوريون مع الثورة على أنفسهم، وبينما راهنت غالبيتهم على الاصطفاف مع النظام مدفوعين "بالإسلاموفوبيا" والخوف من سيطرة الإسلاميين، أملاً بأن يضطر النظام بسبب الضغط عليه لمشاركتهم بالسلطة، راهنت قلة أخرى من اليساريين على أن إسقاط النظام سيفتح الباب على العمل السياسي في مجتمع متعدد لن يترك الساحة للإسلاميين بكل الأحوال.
وبعد خمس سنوات من اندلاع الثورة السورية، خسر الطرفان رهانهما: مَن وقف مع النظام لم يكن سوى ورقة خسرت أي رصيد لها على المستوى الأخلاقي، ولم تحصل على أي شيء من السلطة. أما مَن وقف مع الثورة، فقد وجد نفسه على هامشها، من دون أي قوة على الأرض، وبقي هو الآخر ورقة تضفي الشرعية على رغبات الداعم الذي لم يكن معنياً بدعمها بشكل حقيقي. لا يبدو أن أياً من الطرفين تعلم شيئاً من تجربة السنوات الخمس، ولم يتمكن أي منهما من طرح أي مشروع بعيداً عن ردات الفعل، واستمرت ذهنية المثقف ذي النوايا الحسنة والمغيب عن ديناميكيات العمل العسكري والسياسي بالتغلب على ذهنية السياسي. وبعد إعلان "جبهة النصرة" انفصالها الشكلي عن تنظيم القاعدة، ظهرت بعض الدعوات من يساريين سوريين، مدفوعين بمأزق الاتفاق الاميركي الروسي، إلى ضرورة انفتاح العالم على "النصرة" والسلفية الجهادية عموماً لتخفيف عنفها، وكأن سبب الاعتراض على الاتفاق كان لأنه يضرب القاعدة وليس الاعتراض عليه لأنه لا يتضمن أي آليات تحافظ على مناطق سيطرة المعارضة خلال ضرب "الإرهابيين".
جزء كبير من السلفية الجهادية هي كالنظام السوري تماماً، لا تقبل بأي شريك، وحتى لو انفتح العالم عليها، فإن هذا لن يدفعها إلى تبني حقوق الإنسان والديمقراطية وقبول الآخر، ولن تأخذ في اعتبارها النوايا الحسنة للمثقف اليساري. قد يخفف الانفتاح الغربي على السلفية الجهادية من عنفها، لكن ليس ضد شركائها في الوطن ولكن ضد الغرب، وقد تتحول إلى نسخة أخرى للنظام. أما اليساري الموالي للثورة، فإن ظلّ عاجزاً، مثلما هو اليوم، عن طرح مشروعه الخاص، وتأمين حاضنة شعبية اجتماعية وازنة لرفعه، فسيبقى هامشياً لا يقرأ مقالاته إلا الرفاق في المهجر.
وبعد خمس سنوات من اندلاع الثورة السورية، خسر الطرفان رهانهما: مَن وقف مع النظام لم يكن سوى ورقة خسرت أي رصيد لها على المستوى الأخلاقي، ولم تحصل على أي شيء من السلطة. أما مَن وقف مع الثورة، فقد وجد نفسه على هامشها، من دون أي قوة على الأرض، وبقي هو الآخر ورقة تضفي الشرعية على رغبات الداعم الذي لم يكن معنياً بدعمها بشكل حقيقي. لا يبدو أن أياً من الطرفين تعلم شيئاً من تجربة السنوات الخمس، ولم يتمكن أي منهما من طرح أي مشروع بعيداً عن ردات الفعل، واستمرت ذهنية المثقف ذي النوايا الحسنة والمغيب عن ديناميكيات العمل العسكري والسياسي بالتغلب على ذهنية السياسي. وبعد إعلان "جبهة النصرة" انفصالها الشكلي عن تنظيم القاعدة، ظهرت بعض الدعوات من يساريين سوريين، مدفوعين بمأزق الاتفاق الاميركي الروسي، إلى ضرورة انفتاح العالم على "النصرة" والسلفية الجهادية عموماً لتخفيف عنفها، وكأن سبب الاعتراض على الاتفاق كان لأنه يضرب القاعدة وليس الاعتراض عليه لأنه لا يتضمن أي آليات تحافظ على مناطق سيطرة المعارضة خلال ضرب "الإرهابيين".
جزء كبير من السلفية الجهادية هي كالنظام السوري تماماً، لا تقبل بأي شريك، وحتى لو انفتح العالم عليها، فإن هذا لن يدفعها إلى تبني حقوق الإنسان والديمقراطية وقبول الآخر، ولن تأخذ في اعتبارها النوايا الحسنة للمثقف اليساري. قد يخفف الانفتاح الغربي على السلفية الجهادية من عنفها، لكن ليس ضد شركائها في الوطن ولكن ضد الغرب، وقد تتحول إلى نسخة أخرى للنظام. أما اليساري الموالي للثورة، فإن ظلّ عاجزاً، مثلما هو اليوم، عن طرح مشروعه الخاص، وتأمين حاضنة شعبية اجتماعية وازنة لرفعه، فسيبقى هامشياً لا يقرأ مقالاته إلا الرفاق في المهجر.