تحتاج غالبية الصحافة السينمائية العربية إلى تأهيل جذري. الأخطاء تتراكم. معلومات عديدة تُنشر من دون مراجعة أو تدقيق. مقالاتٌ غير خاضعة لتنقيح أو تحرير. البيانات الصحافية توقَّع بأسماء صحافيين يكتفون بإحالتها إلى القسم المختصّ، غير المكترث بمراجعتها أو التدقيق فيها أو معرفة مدى مصداقيتها. بيانات كهذه تصدر عن مهرجانات أو شركات إنتاج أو مكاتب صحافية تابعة لسينمائيين، وصحافيون سينمائيون عديدون غير متردّدين في التوقيع بأسمائهم على ما يكتبه غيرهم. غالبية الصحافة السينمائية في مصر ولبنان ودول مغاربية دليلٌ على ذلك.
هذه مشاكل "ترتقي" إلى مرتبة الفضيحة. مشاكل أخرى لن تكون أقلّ كارثية منها. تخبّط وعشوائية واستسهال، وتغاضٍ مفرط عن أبسط قواعد المهنة: التدقيق في المكتوب والتأكّد من المعلومة وتحرير المادة، كي لا تبقى أسيرة الركاكة والأخطاء والمعلومات غير الصحيحة. لا مُطالبة بكتابة تلتزم قواعد سيبويه، فالصحافة تعتمد لغة أبسط، لكن من دون ركاكة وأخطاء لغوية وتحريرية. التبسيط مُفيد وضروري، لأن الكتابة الصحافية تختلف عن النص الأدبي، وإنْ تبتغِه فهذه إضافة إيجابية على المهنة. الأخطاء والتغاضي عن المعلومات الصحيحة مؤذٍ ومزعج، علماً أنّ الحصول على معلوماتٍ والتأكّد من صحّتها سهل، لكن خارج المواقع الإلكترونية العربية المستهلَكة، التي يستند صحافيون سينمائيون كثيرون إليها، وهذا مطبّ آخر أيضاً.
هذا غير منسحب على الجميع. هناك من يكترث ويهتم، فيبحث عن الأصدق، لأن البحث عنه أساسي في المهنة، والذين يلتزمون المهنة قلائل. تزداد الفضيحة سوءاً في زمن وفرة المعلومات، لكن الوفرة نفسها دافعٌ، أو هكذا يجب أن تكون، إلى التدقيق والتنبّه، لا إلى الاستسهال والتسرّع، فمفهوم "السبق الصحافي" ـ في زمن وفرة المعلومات وحرية تبادلها والحصول عليها، وانتشار وسائط كثيرة، تُسهِّل للجميع إمكانية المعرفة السريعة ـ يفقد أهميّته وضرورته، خصوصاً في مجالات الثقافة والفنون.
الصحافة السينمائية العربية تعاني مآزق، أحدها متمثّل بالتغاضي عن مهنٍ سينمائية لصالح الشائع: يكتفي صحافيون سينمائيون بنشر معلومات تتعلّق بأسماء العاملين في الإخراج والتمثيل، عند كتابتهم خبراً عن صناعة فيلمٍ أو بدء عروضه، أو ترشيحه لجائزة أو أكثر، أو فوزه بجوائز. كأنّ المهن الأخرى ليست سينمائية، أو كأنّها مجرّد "زينة" تستكمل المطلوب. الطامة العربية الأخرى (المصرية خاصةً)، كامنةٌ في تغييب اسم المخرج عن الفيلم، فالأولوية بالنسبة إلى صحافيين سينمائيين عرب محصورة بممثلين نجوم، أما الإخراج والكتابة فيأتيان لاحقاً. لذا، هل من داعٍ للسؤال عن المهن الأخرى والعاملين فيها؟
هذا ينسحب على مسائل، بعضها مرتبط بالدراسات الجامعية. فعرب كثيرون يظنّون أنّ السينما إخراجٌ فقط، وأنّ المخرج أهمّ، فيطمحون إلى التخصّص في هذه المهنة فقط. هذا حاصلٌ في مرحلة سابقة. شباب كثيرون يهتمّون اليوم باختصاصاتٍ سينمائية، يدرسونها في بلدانهم ويتخصّصون بها في دول ذات عراقة سينمائية، ويعودون إلى أوطانهم أو يبقون في بلاد الاغتراب، فيعملون ويبرعون، وبعضهم القليل يُشارك في إنتاجات أجنبية لشدّة براعته في مهنته. مثلٌ على ذلك: اللبنانية رنا عيد، صانعةُ الصوت في أفلام كثيرة، آخرها "أرض العسل" (2019) للمخرجين المقدونيين لوبومير ستفانوف وتامارا كوتفسْكا، المُرشّح رسمياً لـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي طويل (2020).
هذا غير حاضر في الصحافة السينمائية العربية إلّا نادراً. مقالات، معظمها خبريّ، يُشير إلى أنّ جوائز أو ترشيحات ممنوحة لمخرجين/ مخرجات وممثلين/ ممثلات تُذكر أسماؤهم، بينما أسماء آخرين في مجالات أخرى، كالأزياء والإضاءة والتوليف والماكياج وغيرها، تبقى مجهولة، لأنّ ناشري الأخبار من عاملين في الصحافة السينمائية العربية، أو ربما في أي مجال صحافي آخر يُطلب منهم أحياناً اهتمامٌ بهذا الجانب، غير مكترثين أو غير مهتمين أو غير عارفين، لكنّهم بالتأكيد غير مهنيين. فهم لا يُدركون أنّ تصميم الأزياء والديكور والإضاءة، وتأليف الموسيقى، واشتغالات المونتاج والميكساج والإنتاج، وإدارة البلاتوهات، وغيرها من المهن (ومعظم تلك المهن له جوائز، رغم أنّ عدم ترشيحه إلى جوائز لن ينفي عنه أهميته في صناعة الفيلم)، أساسية وضرورية، وأنّ الفيلم محتاج إليها بشدّة لإكمال تصوّرات السينمائي الذي يصنع فيلمه مع فريق عمل.
ملاحظات كهذه ضرورية، رغم أنّها لن تؤثّر إيجابياً في نقاشٍ يتناول أحوال مهنة الصحافة العربية، وإنْ كان كثيرون يرون أنّها (المهنة) مُصابة بأعطابٍ أخرى غير تلك المذكورة أعلاه. أعطاب ومآزق متعلّقة بالانتشار والقدرة على جذب قرّاء، بعيداً عن الاصطفافات السياسية، الأطغى والأكثر تسلّطاً عليها في مرحلة مرتبكة ومتوترة، عربياً ودولياً.
مع هذا، تبقى الملاحظات ضرورية.
هذا غير منسحب على الجميع. هناك من يكترث ويهتم، فيبحث عن الأصدق، لأن البحث عنه أساسي في المهنة، والذين يلتزمون المهنة قلائل. تزداد الفضيحة سوءاً في زمن وفرة المعلومات، لكن الوفرة نفسها دافعٌ، أو هكذا يجب أن تكون، إلى التدقيق والتنبّه، لا إلى الاستسهال والتسرّع، فمفهوم "السبق الصحافي" ـ في زمن وفرة المعلومات وحرية تبادلها والحصول عليها، وانتشار وسائط كثيرة، تُسهِّل للجميع إمكانية المعرفة السريعة ـ يفقد أهميّته وضرورته، خصوصاً في مجالات الثقافة والفنون.
الصحافة السينمائية العربية تعاني مآزق، أحدها متمثّل بالتغاضي عن مهنٍ سينمائية لصالح الشائع: يكتفي صحافيون سينمائيون بنشر معلومات تتعلّق بأسماء العاملين في الإخراج والتمثيل، عند كتابتهم خبراً عن صناعة فيلمٍ أو بدء عروضه، أو ترشيحه لجائزة أو أكثر، أو فوزه بجوائز. كأنّ المهن الأخرى ليست سينمائية، أو كأنّها مجرّد "زينة" تستكمل المطلوب. الطامة العربية الأخرى (المصرية خاصةً)، كامنةٌ في تغييب اسم المخرج عن الفيلم، فالأولوية بالنسبة إلى صحافيين سينمائيين عرب محصورة بممثلين نجوم، أما الإخراج والكتابة فيأتيان لاحقاً. لذا، هل من داعٍ للسؤال عن المهن الأخرى والعاملين فيها؟
هذا ينسحب على مسائل، بعضها مرتبط بالدراسات الجامعية. فعرب كثيرون يظنّون أنّ السينما إخراجٌ فقط، وأنّ المخرج أهمّ، فيطمحون إلى التخصّص في هذه المهنة فقط. هذا حاصلٌ في مرحلة سابقة. شباب كثيرون يهتمّون اليوم باختصاصاتٍ سينمائية، يدرسونها في بلدانهم ويتخصّصون بها في دول ذات عراقة سينمائية، ويعودون إلى أوطانهم أو يبقون في بلاد الاغتراب، فيعملون ويبرعون، وبعضهم القليل يُشارك في إنتاجات أجنبية لشدّة براعته في مهنته. مثلٌ على ذلك: اللبنانية رنا عيد، صانعةُ الصوت في أفلام كثيرة، آخرها "أرض العسل" (2019) للمخرجين المقدونيين لوبومير ستفانوف وتامارا كوتفسْكا، المُرشّح رسمياً لـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي طويل (2020).
هذا غير حاضر في الصحافة السينمائية العربية إلّا نادراً. مقالات، معظمها خبريّ، يُشير إلى أنّ جوائز أو ترشيحات ممنوحة لمخرجين/ مخرجات وممثلين/ ممثلات تُذكر أسماؤهم، بينما أسماء آخرين في مجالات أخرى، كالأزياء والإضاءة والتوليف والماكياج وغيرها، تبقى مجهولة، لأنّ ناشري الأخبار من عاملين في الصحافة السينمائية العربية، أو ربما في أي مجال صحافي آخر يُطلب منهم أحياناً اهتمامٌ بهذا الجانب، غير مكترثين أو غير مهتمين أو غير عارفين، لكنّهم بالتأكيد غير مهنيين. فهم لا يُدركون أنّ تصميم الأزياء والديكور والإضاءة، وتأليف الموسيقى، واشتغالات المونتاج والميكساج والإنتاج، وإدارة البلاتوهات، وغيرها من المهن (ومعظم تلك المهن له جوائز، رغم أنّ عدم ترشيحه إلى جوائز لن ينفي عنه أهميته في صناعة الفيلم)، أساسية وضرورية، وأنّ الفيلم محتاج إليها بشدّة لإكمال تصوّرات السينمائي الذي يصنع فيلمه مع فريق عمل.
ملاحظات كهذه ضرورية، رغم أنّها لن تؤثّر إيجابياً في نقاشٍ يتناول أحوال مهنة الصحافة العربية، وإنْ كان كثيرون يرون أنّها (المهنة) مُصابة بأعطابٍ أخرى غير تلك المذكورة أعلاه. أعطاب ومآزق متعلّقة بالانتشار والقدرة على جذب قرّاء، بعيداً عن الاصطفافات السياسية، الأطغى والأكثر تسلّطاً عليها في مرحلة مرتبكة ومتوترة، عربياً ودولياً.
مع هذا، تبقى الملاحظات ضرورية.