عن مجلس وطني فلسطيني جديد

12 يناير 2017
+ الخط -
عُقد في بيروت، أخيراً، اجتماع للجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني، وبحضور فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، بما فيها الجبهة الشعبية القيادة العامة، وطلائع حرب التحرير الشعبية قوات الصاعقة، إضافة إلى الحركتين غير المنضويتين في المنظمة، حماس والجهاد الإسلامي.
وإذا كان الاجتماع قد هدف إلى إحياء دور منظمة التحرير، المغيب أصلاً لمصلحة سلطة مستحدثة، وتشكيل مجلس وطني جامع ولجنة تنفيذية جديدة، فمن باب أولى أن تقوم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدايةً، بدعوة المجلس الوطني الحالي إلى الانعقاد، بغية تقديم تقاريرها التنظيمية والمالية والسياسية، بحيث تغطي الفترة بين عامي (1991- 2016)، والتي شهدت انطلاقة مؤتمر مدريد للتسوية، مروراً باتفاقيات أوسلو وإنشاء سلطة وطنية فلسطينية لم ترق إلى دولةٍ بالمعنى الحقيقي، على الرغم من مفاوضات امتدّت أكثر من عقدين.
شكّلت اتفاقات أوسلو التي وقعت في 13 سبتمبر/ أيلول 1993 تحوّلاً نوعياً في التجربة السياسية الفلسطينية، وتمت صياغة النظام السياسي من جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتم التعبير عن ذلك في إنشاء السلطة الفلسطينية في ربيع عام 1994، لتصبح حركة فتح حزب السلطة، بعد أن كانت، منذ 1969، حزب الثورة الفلسطينية خارج فلسطين، الأمر الذي أدى بدوره إلى كسر قاعدة التمثيل السياسي الشامل الذي تمتعت به منظمة التحرير، حيث اعتُبرت، منذ عام 1974، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. في المقابل، اعتبرت السلطة الفلسطينية أحد أهم معالم اتفاقات أوسلو التي رفضتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وقوى فلسطينية أخرى، فضلاً عن أنها سلطة ناجزة في الضفة والقطاع، تسعى إلى تحسين ظروف المجتمع الفلسطيني في المجالات كافة.
ويمكن الجزم بأنه لا جدوى من إعادة تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد ولجنة تنفيذية لمنظمة التحرير، من دون عقد مصالحة وطنية، والاتفاق على استراتيجية سياسية كفاحية لمواجهة السياسات الإسرائيلية التي تعصف بالقضية الفلسطينية، ومن ثم العمل على ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وفق أولويات تمليها المصلحة الوطنية، بعد فشل الأجندات الضيقة للأحزاب والفصائل الفلسطينية وأفول حل الدولتين.
فمن جهةٍ، استصدرت إسرائيل، في السنوات الخمس الأخيرة، حزمةً من القرارات التي من شأنها الإطباق على مدينة القدس. وفي هذا السياق، تفيد تقارير بأن إسرائيل استطاعت السيطرة على 93% من مساحة القدس الشرقية، ناهيك عن بناء طوقين من المستوطنات يحيطان بالمدينة من الجهات الأربع، ويقيم فيها نحو 190 ألف مستوطن إسرائيلي، وقد تم طرد آلاف المقدسيين، بعد قرار تهويد التعليم في المدينة قبل أربع سنوات، واستغلت إسرائيل حالة الانقسام، لتجعل من النشاط الاستيطاني العنوان الأبرز في سياساتها اليومية. ما أدى إلى سيطرة كبيرة على أراضي الضفة الغربية لصالح المستوطنات والنشاط الاستيطاني.
ونتيجة مباشرة لحالة الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، أصبحت مؤشرات البؤس هي السائدة بين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، فقد وصلت معدلات البطالة إلى نحو 60% في قطاع غزة، وارتفعت، بعد العدوان الإسرائيلي في صيف العام الماضي. ونتيجة ذلك، باتت الخيارات التعليمية والصحية ضعيفة، فمن أصل مليون وستمائة ألف فلسطيني في قطاع غزة يعيش 60% تحت خط الفقر.
وفي هذا السياق، لا يمكن أن تكتمل دائرة المصالحة الحقيقية، وتفعيل دور حقيقي لمنظمة التحرير في المستقبل، من دون ضخ دماء جديدة فيها، ومشاركة واسعة من الأغلبية الصامتة من الفلسطينيين في الداخل والشتات. ونقصد بالقوة الصامتة الفعاليات السياسية والاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين. وبذلك، يمكن الحديث عن إمكان القيام بدور فعّال لمنظمة التحرير وأطرها المختلفة، لجهة حماية المشروع الوطني، ورسم مستقبل الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الثابتة. وقد يكون ذلك بمثابة جدار متين في مواجهة الرؤى والتصورات الإسرائيلية التي تسعى إلى تهويد الزمان والمكان، لترسيخ فكرة يهودية إسرائيل.
تتطلب التحديات الجمة التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني الإسراع إلى عقد مصالحة فلسطينية حقيقيةٍ، تتعدى ضغوط المال السياسي والاحتفالات الشكلية، بحيث يشارك فيها الكل الفلسطيني، لإنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، ثم الاتفاق على رسم استراتيجية كفاحية مشتركة، ترقى إلى حجم التحديات. بعد ذلك يمكن أن تكون الطريق ممهدة لتشكيل مجلس وطني فلسطيني جامع وانتخاب لجنة تنفيذية فاعلة، غير محنطة.)