05 نوفمبر 2024
عن وساطة بغداد بين طهران والرياض
على وقع أزمة الخليج المتصاعدة منذ أشهر، وبعد أن وصلت إلى ذروتها بقصفٍ تعرّضت له شركة أرامكو السعودية، وبعد أن وجهت أصابع الاتهام لإيران بالوقوف وراء الهجوم، وفي خضم تصاعد وتيرة التصريحات والتهديدات باشتعال المنطقة وإشعالها في حال شنت أميركا حرباً على إيران، بين كل هذه الأحداث المتلاحقة برزت بغداد فجأة وسيطا بين طرفي الأزمة، الرياض وطهران، في وقتٍ ما زالت تقديرات تتهم صراحة الحشد الشعبي في العراق بالوقوف وراء الهجمات، على الرغم من نفي بغداد تلك الاتهامات، ومن تأييد واشنطن هذا النفي.
في خلفية المشهد، تبدو بغداد غير مؤهلة للعب دور الوساطة في خضم أزمةٍ يبدو أنها في طريقها إلى أن تكون عالمية، فالعراق يعاني من مشكلات داخلية لا حصر لها، وتجاذب الأجندات الخارجية حوّله جارا غير موثوق به لدول عربية عديدة ترى فيه ساحة خلفية لإيران، ناهيك عن أن حكومة عادل عبد المهدي تبدو ضعيفة، وغير قادرة على أن تمارس سياسة النأي بالنفس والابتعاد عن محاور الصراع في المنطقة، كما أعلنت مراتٍ. يضاف إلى كل تلك الأسباب مشكلات العراق الداخلية، والتي يتصدّرها الفساد، ولا تقف عند حد مئات آلاف من النازحين الذين ما زالت بغداد غير قادرة على تأمين عودتهم إلى مناطقهم، على الرغم من مضي أكثر من عامين على انهيار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
مع ذلك، وعلى الرغم من كل ما يعانيه العراق، ومن أنه متهم من أجنحة سعودية، وحتى أميركية، بأنه بات ساحة لمليشيات تابعة لإيران، إلا أن وساطته التي تقدّم بها وجدت قبولاً من السعودية وإيران، فطار عبد المهدي إلى السعودية، والتقى الملك سلمان ونجله ولي العهد، ومنها طار إلى طهران. وكان قبول الرياض الوساطة العراقية بمثابة مفاجأة لبعضهم، فالعراق كان المتهم الأول بالوقوف وراء تفجيرات "أرامكو" عبر مليشيات الحشد الشعبي التي لا تملك حكومة بغداد أي سلطةٍ عليها، والعراق كان يصدّر خطاباً عدائياً ضد السعودية طوال السنوات الماضية. وعلى الرغم من محاولات السعودية لفتح الأبواب أمام حكومات العراق، وخصوصا
حكومة عبد المهدي، إلا أن نبرة العدائية تجاه السعودية لم تتوقف، بل ربما زادت من خلال تصريحاتٍ أطلقها قادة فصائل شيعية موالية لإيران ونواب من كتل برلمانية مختلفة. وربما يكون القبول السعودي بالوساطة العراقية نابعاً من حاجة فعلية لوقف التصعيد مع إيران، خصوصا عقب قصف "أرامكو" وتصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إن الخليج لم يعد مهماً للولايات المتحدة التي تنتج يومياً قرابة 12 مليون برميل، يصدّر منها ثلاثة ملايين برميل يومياً، فقد شعرت السعودية مجدّداً بأن أميركا ترامب لا ترغب بالحرب مع إيران، على الرغم من كل ما قدمته السعودية من أموال، ومن كل التأثير الصهيوني، ومن وجود صقور في إدارة ترامب في البيت الأبيض.
بالنسبة لإيران، كانت بغداد ومنذ غزوها أميركيا عام 2003 وإسقاط نظامها، بوابة خلفية لكثير من مشاريعها في المنطقة، فبغداد التي سبق لها أن وقفت ثماني سنوات أمام شعارات تصدير الثورة الإيرانية في حرب الخليج الأولى 1980-1988، وجرّعت الخميني السم، فقبل بوقف إطلاق النار، تحوّلت إلى تابعة، بعد أن نجحت إيران في ملء الفراغ الذي تركه الاحتلال الأميركي، وخصوصا عقب انسحابه عام 2011، بل أيضا باتت بغداد تمثل تهديداً لكل جيرانها العرب، عبر مليشيات الحشد الشعبي التي تسيطر إيران على جزءٍ كبير منها، من هنا كانت الوساطة العراقية مقبولة إيرانيا، فهي إن لم تكن إيرانية، فهي لن تكون إلى جانب السعودية، ولن تكون بكل الأحوال وساطة محايدة.
تدرك بغداد أنها أيضا بحاجة إلى التهدئة بين طهران والرياض، فاندلاع أي نزاع بين ضفتي الخليج سيجعل العراق، بطريقة أو بأخرى، ساحة كبرى لنيرانه، خصوصا أن الصراع السعودي الإيراني سيتم تغليفه بغلاف الطائفية من الطرفين، والتي كانت سبباً ذات يوم في الحرب الأهلية التي أشعلت العراق منتصف العقد المنصرم. ويشعر طرفا الأزمة، السعودية وإيران، بحاجة فعلية لتدارك التصعيد في المنطقة، فالسعودية اكتشفت أنها مكشوفة الظهر أمام هجمات إيران ولا حامي أميركيا لها. وبالتالي، باتت بحاجة ماسّة لإعادة تموضعها وترتيب أوراقها. وإيران، على الرغم مما تبدو عليه من تماسك، إلا أن العقوبات الأميركية تفعل فعلتها بالداخل الإيراني، ناهيك عن محاصرة مليشياتها في العراق وسورية، بعد أن تحوّلت إلى أهداف لطائرات إسرائيلية، وربما حتى أميركية أو سعودية. لذلك وغيره من الأسباب، كانت بغداد مقصداً لفتح باب حوار بين الطرفين طال انتظاره.
تدرك السعودية وإيران أهمية العراق، وقد سعيا، في الفترة الماضية، إلى تعزيز نفوذهما هناك. وبالتالي، سيكون قبول طهران والرياض بالوساطة العراقية، في جزء منه؛ محاولة لتعزيز النفوذ، بالإضافة إلى الخروج من وضع عنق الزجاجة الذي تعيشه كل منهما، وهو ما يجعل نجاح الوساطة العراقية ممكناً.
مع ذلك، وعلى الرغم من كل ما يعانيه العراق، ومن أنه متهم من أجنحة سعودية، وحتى أميركية، بأنه بات ساحة لمليشيات تابعة لإيران، إلا أن وساطته التي تقدّم بها وجدت قبولاً من السعودية وإيران، فطار عبد المهدي إلى السعودية، والتقى الملك سلمان ونجله ولي العهد، ومنها طار إلى طهران. وكان قبول الرياض الوساطة العراقية بمثابة مفاجأة لبعضهم، فالعراق كان المتهم الأول بالوقوف وراء تفجيرات "أرامكو" عبر مليشيات الحشد الشعبي التي لا تملك حكومة بغداد أي سلطةٍ عليها، والعراق كان يصدّر خطاباً عدائياً ضد السعودية طوال السنوات الماضية. وعلى الرغم من محاولات السعودية لفتح الأبواب أمام حكومات العراق، وخصوصا
بالنسبة لإيران، كانت بغداد ومنذ غزوها أميركيا عام 2003 وإسقاط نظامها، بوابة خلفية لكثير من مشاريعها في المنطقة، فبغداد التي سبق لها أن وقفت ثماني سنوات أمام شعارات تصدير الثورة الإيرانية في حرب الخليج الأولى 1980-1988، وجرّعت الخميني السم، فقبل بوقف إطلاق النار، تحوّلت إلى تابعة، بعد أن نجحت إيران في ملء الفراغ الذي تركه الاحتلال الأميركي، وخصوصا عقب انسحابه عام 2011، بل أيضا باتت بغداد تمثل تهديداً لكل جيرانها العرب، عبر مليشيات الحشد الشعبي التي تسيطر إيران على جزءٍ كبير منها، من هنا كانت الوساطة العراقية مقبولة إيرانيا، فهي إن لم تكن إيرانية، فهي لن تكون إلى جانب السعودية، ولن تكون بكل الأحوال وساطة محايدة.
تدرك بغداد أنها أيضا بحاجة إلى التهدئة بين طهران والرياض، فاندلاع أي نزاع بين ضفتي الخليج سيجعل العراق، بطريقة أو بأخرى، ساحة كبرى لنيرانه، خصوصا أن الصراع السعودي الإيراني سيتم تغليفه بغلاف الطائفية من الطرفين، والتي كانت سبباً ذات يوم في الحرب الأهلية التي أشعلت العراق منتصف العقد المنصرم. ويشعر طرفا الأزمة، السعودية وإيران، بحاجة فعلية لتدارك التصعيد في المنطقة، فالسعودية اكتشفت أنها مكشوفة الظهر أمام هجمات إيران ولا حامي أميركيا لها. وبالتالي، باتت بحاجة ماسّة لإعادة تموضعها وترتيب أوراقها. وإيران، على الرغم مما تبدو عليه من تماسك، إلا أن العقوبات الأميركية تفعل فعلتها بالداخل الإيراني، ناهيك عن محاصرة مليشياتها في العراق وسورية، بعد أن تحوّلت إلى أهداف لطائرات إسرائيلية، وربما حتى أميركية أو سعودية. لذلك وغيره من الأسباب، كانت بغداد مقصداً لفتح باب حوار بين الطرفين طال انتظاره.
تدرك السعودية وإيران أهمية العراق، وقد سعيا، في الفترة الماضية، إلى تعزيز نفوذهما هناك. وبالتالي، سيكون قبول طهران والرياض بالوساطة العراقية، في جزء منه؛ محاولة لتعزيز النفوذ، بالإضافة إلى الخروج من وضع عنق الزجاجة الذي تعيشه كل منهما، وهو ما يجعل نجاح الوساطة العراقية ممكناً.