06 نوفمبر 2024
عن وعود الساسة الكُرد
شفان إبراهيم
يشعر سوريون كثيرون، كُرد وعرب، ممن يقطنون فيما دُرج على تسميته "شرق الفرات" اليوم، بأن الوقت حان لوضع آخر الأكاليل الجماعية على قبور الذين سقطوا في الحرب المشؤومة، وهذه أفضل طريقة لاستذكار أولئك الضحايا. ويكاد من الصعب العثور على منزل لأسرة كردية/ عربية تغيب عنه الهموم أو لا يفكر ناسه في السنوات الثماني التي مرّت. صحيحٌ أن الوضع هو العام في كل سورية، بل إن الأقل تضرّراً من غالبية باقي المناطق السورية هي الكردية، لكن مناطق لم تتعرّض للقصف الجوي والبري، وتستمر المعاناة، هي بحدّ ذاتها مُشكلة.
صحيح أن الصراع الكردي - الكردي لم يتطور إلى الحرب بين طرفيه، لكنه أحدث آفاتٍ ومسوخاً لن تنجبر الخواطر لعقود أخرى، والثابت أن الفقر المنتشر في المنطقة قد يُصبح بذرة العنف قريباً. منذ ترويج الحديث عن إمكانية التقارب بين المجلس الكُردي والاتحاد الديمقراطي، لم نشعر بنسيم الربيع المنشود، ولا بتخيل مُغادرة أقدام الجنود الثقيلة مُعلنة انتهاء عصر الحرب، لتستقر عامل استقرار للمنطقة، يُخال لبعضِهم أنهم أضحوا القوة الضاربة في المنطقة، وقد غُفل عنهم، وكما هم يُغفِلونَ عن قواعدهم أن مدى الأمن الإقليمي يتجاوز مدى الصواريخ التي تضربنا جميعاً، فالمنطقة الكُردية في سورية تتجاور مع تركيا وإقليم كردستان العراق، وهي جزء من امتداد الجغرافيا السورية حتى أقصى الجنوب. وإنقاذ المنطقة من الحرب هو أبرز ما ستتكلم عنه الأجيال القادمة، والخروج بتفاهماتٍ جدّية تؤمّن الاستقرار وفرص العمل، ومنصة للانطلاق صوب إعادة إعمار سورية بشرياً قبل العمران، لعلها أبرز وأنجح الهدايا التي سيقدمها الكُرد للعمق السوري.
بالأمس كُنا نطالب بحل القضية الكردية في سورية، اليوم انتقلنا إلى ضفّة أخرى، وأصبحنا نعتقد أن الخروج بتوافق سياسي بين الطرفين قد يكون المفتاح لبداية جديدة لحل مشكلات
المنطقة. وحين النظر إلى الوضع الكُردي في سورية من زاوية مختلفة، لنقلْ من الأعلى، نتحسّر على نهاية المواجهة في التجارب المشابهة، وكيف أن الحركات السياسية تسعى وتتسارع إلى إظهار ديناميكيات اقتصادية خاصة بها، علماً أن لا العرق ولا الجغرافيا ولا تأريخانية أيّ حركة سياسية هي المدماك أو المعيق للإنجازات الاقتصادية، لكن الرخاء الذي تعيشه النُخب الكُردية الحاكمة على اختلاف أنواعها ونطاق سيطرتها يجعلها السدّ المنيع أمام أيّ تبدل في القواعد الاقتصادية، وإلى حين انتهاء المخاطر تكون آمالنا قدّ تبخرت.
تطفو المنطقة على ثروات باطنية، وبنية تحتية تساعد في أي انتعاش اقتصادي، وحدها الإرادة السياسية الغائبة تتطلب جسارة وكسراً للإيقاع الموجود. فبإمكان السدود، المعابر، البنية التحتية، الثروات الباطنية، الذهبين الأسود والأصفر، أن تتحول إلى مصدرِ رخاءٍ وغِنى لنا أبناء المنطقة المحرومين من كل شيء، نتيجة النهب العلني، والفساد المخفي والعلن، لكنهم كالعميان، بل راحوا يفقدون آذانهم؛ كي لا يُرهِقهم سدها عن المظلومية المُضاعفة التي حلت بالكُرد، إحداها تاريخية مركزية والأخرى حديثة ومحلية. وعدوا الفقراء المتضرّرين جراء حريق محاصيلهم الزراعية، وبقي الفلاح وصاحب الأرض يتنعم ويتدحرج على وعودهم جيئة وذهاباً، هو يقول في قرار نفسه: لستم أنتم المتضرّرين ولا أبناؤكم الذين سينامون من دون عشاء. ليلتفت الأبناء إلى ذهول آبائهم من هول ما ينتظرهم هذا العام الأسود، ليقولوا هم بدورهم: ولطالما المشكلة، في الطرف الآخر، ليست في سفرياتهم ومصاريفهم فلا خوف على هذا الوطن.
ليس الكُرد ممثلين بارعين ليعتادوا على الخروج بأقنعة ونماذج مختلفة بشأن كل مصيبة أو
إساءة محلية لهم، "وليسوا مضطرين لنسيان الوعود ممن ربطنا مصيرنا وإياهم". كما والحال كهذه، فإن الخوف والقلق من مصير المستقبل ونمطيات التعاطي مع العمق السياسي الكُردي، على المستوى الشعبي، سيبقى مشكوك الاستمرار. يطالبون، وعبر مواقعهم المُريحة، بدولة جديدة، وأن يَضحي الشعب لأجلهم. يعتقدون أن الشعب ما زال مستعداً للتضحية في سبيل مصالحهم، الجميع يتحدّث عن مُبادرات دولية، لكن لا أحد يتحدث جدياً عن نفسيتنا وحيويتنا التي هدمتها الحرب والتصريحات وحالة العداء بين الجميع ضد الكُلّ، عدا عن الصدمات والأهوال.
كأن لسان حال المجلس الكُردي والاتحاد الديمقراطي هو: القضية الكُردية لدينا همٌّ سياسي، أو يسعيان إلى جعل رؤاهما جزءًا من رؤية سياسية شاملة، وكطروحات تحاول حلّ القضية الكُردية.. وهي في حقيقتها وجود حضاري في سورية، عبر زجها في الاستعصاء السياسي، بدلاً من توفير شرط التقدم والسعي نحو تضخم الآمال بعقد شراكة دائم بين مكونات المجتمع المحلي، وثم السوري، ولعل مقولة أحد الأطفال الكُرد المتأثرين بما حصل كافية لتفسير أسباب ما يُقال "هل هناك حديث عن الحرية والوطن لدينا؟".
بعد ثماني سنوات، ما زال الشعور السائد لدى أعداد هائلة من الكرد أنه لم يتغير أيّ شيء، وما زالت التظاهرات السلمية والرغبات الشعبية تُمثل الشارع السوري، بعربه وكرده، أكثر من جعجعات بعض الذين يلجأون لتغطية فشلهم السياسي، عبر تصريحات عاطفية. ثلث الشعب الكُردي نازح، وما زالت القضية الكُردية وحقوق الشعب الكُردي رهينة التوافق بين طرفين، مع ذلك، وبين فينة وأخرى، يلجأ بعضهم إلى تجميد الدم في العروق، خوفاً على مستقبلٍ خرج الكُرد لأجل تغييره، ليتكرّر الخوف ممن حملوا راية تغيير النمطيات السلوكية والفكرية. الأسوأ حين يُصارع الجميع، لأجل تأسيس لجنة دستورية أو هيئة تفاوض أو الاستعجال لإعادة إعمار الحجر، عوضاَ عن وقف نزف الجروح وجبر الخواطر، وترميم النفسيات الممزّقة بفعل التبريرات اللفظية، وهي ما يُعانيه الشارع الكُردي كأبرز وأسوأ مآسي القرن.
بالأمس كُنا نطالب بحل القضية الكردية في سورية، اليوم انتقلنا إلى ضفّة أخرى، وأصبحنا نعتقد أن الخروج بتوافق سياسي بين الطرفين قد يكون المفتاح لبداية جديدة لحل مشكلات
تطفو المنطقة على ثروات باطنية، وبنية تحتية تساعد في أي انتعاش اقتصادي، وحدها الإرادة السياسية الغائبة تتطلب جسارة وكسراً للإيقاع الموجود. فبإمكان السدود، المعابر، البنية التحتية، الثروات الباطنية، الذهبين الأسود والأصفر، أن تتحول إلى مصدرِ رخاءٍ وغِنى لنا أبناء المنطقة المحرومين من كل شيء، نتيجة النهب العلني، والفساد المخفي والعلن، لكنهم كالعميان، بل راحوا يفقدون آذانهم؛ كي لا يُرهِقهم سدها عن المظلومية المُضاعفة التي حلت بالكُرد، إحداها تاريخية مركزية والأخرى حديثة ومحلية. وعدوا الفقراء المتضرّرين جراء حريق محاصيلهم الزراعية، وبقي الفلاح وصاحب الأرض يتنعم ويتدحرج على وعودهم جيئة وذهاباً، هو يقول في قرار نفسه: لستم أنتم المتضرّرين ولا أبناؤكم الذين سينامون من دون عشاء. ليلتفت الأبناء إلى ذهول آبائهم من هول ما ينتظرهم هذا العام الأسود، ليقولوا هم بدورهم: ولطالما المشكلة، في الطرف الآخر، ليست في سفرياتهم ومصاريفهم فلا خوف على هذا الوطن.
ليس الكُرد ممثلين بارعين ليعتادوا على الخروج بأقنعة ونماذج مختلفة بشأن كل مصيبة أو
كأن لسان حال المجلس الكُردي والاتحاد الديمقراطي هو: القضية الكُردية لدينا همٌّ سياسي، أو يسعيان إلى جعل رؤاهما جزءًا من رؤية سياسية شاملة، وكطروحات تحاول حلّ القضية الكُردية.. وهي في حقيقتها وجود حضاري في سورية، عبر زجها في الاستعصاء السياسي، بدلاً من توفير شرط التقدم والسعي نحو تضخم الآمال بعقد شراكة دائم بين مكونات المجتمع المحلي، وثم السوري، ولعل مقولة أحد الأطفال الكُرد المتأثرين بما حصل كافية لتفسير أسباب ما يُقال "هل هناك حديث عن الحرية والوطن لدينا؟".
بعد ثماني سنوات، ما زال الشعور السائد لدى أعداد هائلة من الكرد أنه لم يتغير أيّ شيء، وما زالت التظاهرات السلمية والرغبات الشعبية تُمثل الشارع السوري، بعربه وكرده، أكثر من جعجعات بعض الذين يلجأون لتغطية فشلهم السياسي، عبر تصريحات عاطفية. ثلث الشعب الكُردي نازح، وما زالت القضية الكُردية وحقوق الشعب الكُردي رهينة التوافق بين طرفين، مع ذلك، وبين فينة وأخرى، يلجأ بعضهم إلى تجميد الدم في العروق، خوفاً على مستقبلٍ خرج الكُرد لأجل تغييره، ليتكرّر الخوف ممن حملوا راية تغيير النمطيات السلوكية والفكرية. الأسوأ حين يُصارع الجميع، لأجل تأسيس لجنة دستورية أو هيئة تفاوض أو الاستعجال لإعادة إعمار الحجر، عوضاَ عن وقف نزف الجروح وجبر الخواطر، وترميم النفسيات الممزّقة بفعل التبريرات اللفظية، وهي ما يُعانيه الشارع الكُردي كأبرز وأسوأ مآسي القرن.
مقالات أخرى
12 أكتوبر 2024
30 سبتمبر 2024
15 سبتمبر 2024