تعيش الصحافة السودانية منذ 11 أبريل/ نيسان الماضي عهداً جديداً، انتهت بموجبه 3 عقود من التكبيل والمصادرة والرقابة القبلية والبعدية، وغيرها من أساليب تعاطي نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، مع الصحافة والصحافيين. وتصدُر في السودان، في الوقت الراهن، أكثر من 20 صحيفة تتوزّع تخصّصاتها ما بين الصحافة السياسية والاجتماعية والرياضية ويُشارك في تحريرها عشرات الصحافيين والصحافيات. بينما بدأت الصحافة الإلكترونية تتمدّد بشكل واسع، إذ تمّ تصميم عدد كبير من المواقع الإخبارية الحديثة والتي دخلت في منافسة حقيقية مع الصحافة الورقية.
وبعد نجاح الثورة السودانية وما تلاها من تطورات سياسيّة، بالتوافق على وثيقة دستوريّة جديدة تقرّ تماماً الحريات العامة، بما في ذلك حرية التعبير، فضلاً عن البدء بتشكيل الحكومة الجديدة ذات الطابع المدني والتوقعات أيضاً بتعديل جملة من القوانيين ذات الصلة، أهمها قانون الصحافة، ما فتح الطريق تماماً أمام الصحافة السودانية للقيام بدور طبيعي في مجال نشر الحقائق ومراقبة ومحاسبة الحكومة والتوعية والتثقيف بكافة الحقوق.
تقول الصحافية درة قمبو، وهي عضوة في تنظيم جديد أنشأه الصحافيون لاسترداد نقابة الصحافيين التي يُعتقد أن حزب المعزول عمر البشير ما زال يسيطر عليها، إنّ الصحافة المكتوبة حقّقت نقاط تقدم عديدة على مستوى الأداء المهني والمساهمة في الشأن الوطني وساهمت بقدر كبير في تحقيق كثير من المكاسب السياسية. غير أنّ قمبو تشير في نفس الوقت إلى جملة من العقبات التي تعترض طريق الصحافيين السودانيين في الوقت الراهن، وأهمها عقبات تتعلق بصعوية الوصول إلى المعلومات.
وتضيف أنّ واحداً من الواجبات المفروضة على الصحافة هو كشف ملفات الفساد التي تورّط فيها النظام السابق وتغطيته حتى على مستوى المحاكم التي يفترض إنشاؤها في القريب العاجل، منوهةً إلى أنّ ثمّة مؤشرات غير مبشّرة على شاكلة القرار الذي اتخذه مجلس الصحافة والمطبوعات قبل أسابيع بحظر النشر حول قضايا فساد متهم فيها رموز من النظام السابق وضعت أمام النيابة، مؤكدةً أنّ مثل هذه القرارات ستحد من مهام الصحافة في إطلاع الرأي العام على ما حدث في الماضي من تجاوزات.
وأبدت درة قمبو قلقها من مخاطر قد تتعرض لها حياة الصحافيين، عطفاً على فتحهم لملفات مسكوت عنها، مستشهدةً بحادثة اعتداء مجهولين على مقر صحيفة "الهدف" الموالية لحزب البعث السوداني في الأيام الماضية، ومحاولة الاعتداء على رئيس تحريرها محمد وداعة، مشددةً على ضرورة اتّخاذ كافة الإجراءات للتأمين على حياة الصحافيين.
كما تُطالب بالبدء الفوري في تعديل القوانين، وأولها قانون الصحافة، بما يضمن تعزيز الحريات الصحافيّة، وكذلك تعزيز حقّ الصحافي في الحصول على المعلومة، بما يتيح الفرصة أمام الصحافة للحديث عن ملفات وقضايا كان الحديث يدور حولها همساً في الشارع العام. وتُبيّن أنّ الصحافيين أنفسهم بحاجة خلال الفترة المقبلة للتخلّص من الرقابة الذاتية التي سيطرت عليهم طوال 30 عاماً، مع سعي الجهات ذات الصلة لمضاعفة جرعات التدريب للصحافيين "حتى يتأهلوا تماماً للمرحلة المقبلة".
اقــرأ أيضاً
من جهته، يقول عبد العظيم عوض، الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، وهو مجلس حكومي أنشأه نظام البشير، إن ما حدث من تطور على مستوى الصحافة والأداء المهني، أمر طبيعي في ظلّ النقلة الكبيرة في أعقاب الثورة وفي واقع الدولة السودانية.
ويوضح عوض لـ"العربي الجديد" أنّ النقلة في الحريات الصحافية تحتاج في المقام الأول لعمليات تدريب مستمرة لرفع قدرات الصحافيين تلافياً لأي قصور يمكن أن يحدث، ويمكن أن يلقي بظلال سلبية على الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد، خصوصاً بسبب حساسية الأوضاع الحالية. ويتوقّع مساهمة جهات داخلية وخارجية في عملية التدريب الذي ينبغي أن يكون هدفه الرئيسي هو ترسيخ الديمقراطية في السودان.
وحول مصير القوانين السابقة، يُشير أمين عام مجلس الصحافة والمطبوعات إلى أنّ ثمّة تسريبات تنبئ بتغييرات كبيرة في هيكلة الإعلام وقوانينه، ومن بينها إلغاء وزارة الإعلام على أن تؤول مهام الإشراف إلى وسائل الإعلام كجسم مستقل تماماً عن الحكومة.
أما حسن فاروق، القيادي بشبكة الصحافيين السودانيين، وهو من الأجسام التي ألفها صحافيون كجسم مواز لاتحاد الصحافيين، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ الصحافة يمكن تقسيمها إلى قاعدة صحافية وقيادات هي التي ظلّت مرتبطة بالنظام القديم ولا تزال تحتفظ بمواقعها، لذا تلكّأت في إنتاج صحافة حقيقية مرتبطة بالثورة وقضايا الناس. ويُشدد على أنّ الواجب يحتم التشديد في المرحلة المقبلة على الكشف عن أموال وأصول الصحف القديمة لأنّ هناك شكّا كبيرا بارتبط معظمها بحزب المعزول عمر البشير، ويعد بعض رؤساء التحرير وناشرون والسياسات التحريرية مجرد امتداد لذلك النظام.
ويرى أنّ القاعدة الصحافية كانت وستظل رأس الرمح في العملية الصحافية، وكان كذلك لها دورها المشهود حتى قبل الثورة حين قاومت من أجل استقلال وحرية الصحافة، ونجحت مراراً في الإفلات من القبضة الأمنية ونشرت ما يجب أن تنشره الصحافة الحقيقية بكل تجرد ومهنية، وقد دفعت الثمن نتيجة كل ذلك، حسب تقديره.
ويُشكك فاروق في رغبة المجلس العسكري والمكوّن العسكري الذي يتضمّنه المجلس السيادي في ترسيخ الحرية الصحافية، مستشهداً بمحاولات المجلس السابقة أثناء محاولته اختطاف الثورة الشعبية، ما شكّل نكسة كبيرة كادت أن تؤدي لوقوع الصحافة في أحضان العسكر. ويتوقّع ظهور رأسمال جديد غير مرتبط بالنظام السابق ودخوله في الاستثمار الصحافي، ما يفتح الطريق أمام بروز صحف جديدة تكون أكثر استقلالية في مهامها ما يخلق منافسة حقيقية تعود بالفائدة لصالح المواطن وقضاياه الملحّة والضرورية.
اقــرأ أيضاً
من جانبه، يرى رئيس قسم الإعلام الجديد في صحيفة "السوداني"، حمدي صلاح الدين، أنّ مستقبلاً باهراً ينتظر الإعلام الجديد ووسائط التواصل الاجتماعي في ظلّ النظام الديمقراطي الجديد الذي يضمن الحريات ويسعى لسنّ القوانين الخاصة بالنشر الإلكتروني، بعد أن ظلّت مقيدة في العهد السابق الذي كان يتفنّن في وضع الخطوط الحمراء.
ويُضيف صلاح الدين لـ"العربي الجديد" أنّ الإعلام الجديد بات واحداً من صناع الرأي العام، وبالتالي يصير من الضرورة تطويره والعمل على تسهيل مهمته من خلال توسيع شبكة الإنترنت في السودان، خصوصاً أنّ الذين يستخدمون الإنترنت في البلاد لا يتعدون 13 مليوناً فقط، بوجود 21 مليوناً خارج رقعة الإنترنت. ويُشير إلى أنّ العقلية الأمنية في النظام السابق كانت تبطئ عمدًا سرعة الإنترنت وأن المطلوب المعالجة لضمان سرعة تدفق المعلومة. ويُراهن على دور أكبر للإعلام الجديد بعد تشكيل الحكومة المدنية، وذلك بضمان الحريات، مبيناً أن الحالة الراهنة تحتاج إلى مسؤولية أخلاقية ومواثيق شرف صحافي وتأهيل وتدريب لتلافي كلّ السلبيات التي قد تنتج من النشر الإلكتروني.
تقول الصحافية درة قمبو، وهي عضوة في تنظيم جديد أنشأه الصحافيون لاسترداد نقابة الصحافيين التي يُعتقد أن حزب المعزول عمر البشير ما زال يسيطر عليها، إنّ الصحافة المكتوبة حقّقت نقاط تقدم عديدة على مستوى الأداء المهني والمساهمة في الشأن الوطني وساهمت بقدر كبير في تحقيق كثير من المكاسب السياسية. غير أنّ قمبو تشير في نفس الوقت إلى جملة من العقبات التي تعترض طريق الصحافيين السودانيين في الوقت الراهن، وأهمها عقبات تتعلق بصعوية الوصول إلى المعلومات.
وتضيف أنّ واحداً من الواجبات المفروضة على الصحافة هو كشف ملفات الفساد التي تورّط فيها النظام السابق وتغطيته حتى على مستوى المحاكم التي يفترض إنشاؤها في القريب العاجل، منوهةً إلى أنّ ثمّة مؤشرات غير مبشّرة على شاكلة القرار الذي اتخذه مجلس الصحافة والمطبوعات قبل أسابيع بحظر النشر حول قضايا فساد متهم فيها رموز من النظام السابق وضعت أمام النيابة، مؤكدةً أنّ مثل هذه القرارات ستحد من مهام الصحافة في إطلاع الرأي العام على ما حدث في الماضي من تجاوزات.
وأبدت درة قمبو قلقها من مخاطر قد تتعرض لها حياة الصحافيين، عطفاً على فتحهم لملفات مسكوت عنها، مستشهدةً بحادثة اعتداء مجهولين على مقر صحيفة "الهدف" الموالية لحزب البعث السوداني في الأيام الماضية، ومحاولة الاعتداء على رئيس تحريرها محمد وداعة، مشددةً على ضرورة اتّخاذ كافة الإجراءات للتأمين على حياة الصحافيين.
كما تُطالب بالبدء الفوري في تعديل القوانين، وأولها قانون الصحافة، بما يضمن تعزيز الحريات الصحافيّة، وكذلك تعزيز حقّ الصحافي في الحصول على المعلومة، بما يتيح الفرصة أمام الصحافة للحديث عن ملفات وقضايا كان الحديث يدور حولها همساً في الشارع العام. وتُبيّن أنّ الصحافيين أنفسهم بحاجة خلال الفترة المقبلة للتخلّص من الرقابة الذاتية التي سيطرت عليهم طوال 30 عاماً، مع سعي الجهات ذات الصلة لمضاعفة جرعات التدريب للصحافيين "حتى يتأهلوا تماماً للمرحلة المقبلة".
من جهته، يقول عبد العظيم عوض، الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، وهو مجلس حكومي أنشأه نظام البشير، إن ما حدث من تطور على مستوى الصحافة والأداء المهني، أمر طبيعي في ظلّ النقلة الكبيرة في أعقاب الثورة وفي واقع الدولة السودانية.
ويوضح عوض لـ"العربي الجديد" أنّ النقلة في الحريات الصحافية تحتاج في المقام الأول لعمليات تدريب مستمرة لرفع قدرات الصحافيين تلافياً لأي قصور يمكن أن يحدث، ويمكن أن يلقي بظلال سلبية على الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد، خصوصاً بسبب حساسية الأوضاع الحالية. ويتوقّع مساهمة جهات داخلية وخارجية في عملية التدريب الذي ينبغي أن يكون هدفه الرئيسي هو ترسيخ الديمقراطية في السودان.
وحول مصير القوانين السابقة، يُشير أمين عام مجلس الصحافة والمطبوعات إلى أنّ ثمّة تسريبات تنبئ بتغييرات كبيرة في هيكلة الإعلام وقوانينه، ومن بينها إلغاء وزارة الإعلام على أن تؤول مهام الإشراف إلى وسائل الإعلام كجسم مستقل تماماً عن الحكومة.
أما حسن فاروق، القيادي بشبكة الصحافيين السودانيين، وهو من الأجسام التي ألفها صحافيون كجسم مواز لاتحاد الصحافيين، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ الصحافة يمكن تقسيمها إلى قاعدة صحافية وقيادات هي التي ظلّت مرتبطة بالنظام القديم ولا تزال تحتفظ بمواقعها، لذا تلكّأت في إنتاج صحافة حقيقية مرتبطة بالثورة وقضايا الناس. ويُشدد على أنّ الواجب يحتم التشديد في المرحلة المقبلة على الكشف عن أموال وأصول الصحف القديمة لأنّ هناك شكّا كبيرا بارتبط معظمها بحزب المعزول عمر البشير، ويعد بعض رؤساء التحرير وناشرون والسياسات التحريرية مجرد امتداد لذلك النظام.
ويرى أنّ القاعدة الصحافية كانت وستظل رأس الرمح في العملية الصحافية، وكان كذلك لها دورها المشهود حتى قبل الثورة حين قاومت من أجل استقلال وحرية الصحافة، ونجحت مراراً في الإفلات من القبضة الأمنية ونشرت ما يجب أن تنشره الصحافة الحقيقية بكل تجرد ومهنية، وقد دفعت الثمن نتيجة كل ذلك، حسب تقديره.
ويُشكك فاروق في رغبة المجلس العسكري والمكوّن العسكري الذي يتضمّنه المجلس السيادي في ترسيخ الحرية الصحافية، مستشهداً بمحاولات المجلس السابقة أثناء محاولته اختطاف الثورة الشعبية، ما شكّل نكسة كبيرة كادت أن تؤدي لوقوع الصحافة في أحضان العسكر. ويتوقّع ظهور رأسمال جديد غير مرتبط بالنظام السابق ودخوله في الاستثمار الصحافي، ما يفتح الطريق أمام بروز صحف جديدة تكون أكثر استقلالية في مهامها ما يخلق منافسة حقيقية تعود بالفائدة لصالح المواطن وقضاياه الملحّة والضرورية.
من جانبه، يرى رئيس قسم الإعلام الجديد في صحيفة "السوداني"، حمدي صلاح الدين، أنّ مستقبلاً باهراً ينتظر الإعلام الجديد ووسائط التواصل الاجتماعي في ظلّ النظام الديمقراطي الجديد الذي يضمن الحريات ويسعى لسنّ القوانين الخاصة بالنشر الإلكتروني، بعد أن ظلّت مقيدة في العهد السابق الذي كان يتفنّن في وضع الخطوط الحمراء.
ويُضيف صلاح الدين لـ"العربي الجديد" أنّ الإعلام الجديد بات واحداً من صناع الرأي العام، وبالتالي يصير من الضرورة تطويره والعمل على تسهيل مهمته من خلال توسيع شبكة الإنترنت في السودان، خصوصاً أنّ الذين يستخدمون الإنترنت في البلاد لا يتعدون 13 مليوناً فقط، بوجود 21 مليوناً خارج رقعة الإنترنت. ويُشير إلى أنّ العقلية الأمنية في النظام السابق كانت تبطئ عمدًا سرعة الإنترنت وأن المطلوب المعالجة لضمان سرعة تدفق المعلومة. ويُراهن على دور أكبر للإعلام الجديد بعد تشكيل الحكومة المدنية، وذلك بضمان الحريات، مبيناً أن الحالة الراهنة تحتاج إلى مسؤولية أخلاقية ومواثيق شرف صحافي وتأهيل وتدريب لتلافي كلّ السلبيات التي قد تنتج من النشر الإلكتروني.