من جديد، عاد مهرّبو البشر في ليبيا إلى نشاطهم، على الرغم من تفشّي فيروس كورونا الجديد في البلاد، وعلى الرغم من أنّ الجائحة خلّفت آلاف الضحايا في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وهي الدول التي تُعَدّ المقصد الأوّل للمهاجرين. وفي الثاني من يوليو/ تموز الجاري، طالبت منظمة "إس أو إس ميدتيرانيه" إيطاليا ومالطا بضرورة تخصيص ميناء آمن لنزول المهاجرين المنطلقين من شواطئ ليبيا، لكنّها لم تتلقَّ أيّ ردّ بعد، بحسب ما أفادت وكالة "فرانس برس". أضافت أنّ سفن المنظمة أنقذت عشرات المهاجرين في عرض البحر بعد انطلاقهم من نقاط تهريب على الشواطئ الليبية، تزامناً مع إعلان المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا في أواخر مايو/ أيار الماضي عن إنقاذها 93 مهاجراً في البحر الأبيض المتوسط، من بينهم امرأة أنجبت طفلها على متن قارب مطاطي، في حين لقي ستّة مهاجرين حتفهم قبل عملية الإنقاذ قبالة السواحل الليبية.
وعلى الرغم من الإجراءات المشدّدة التي تفرضها السلطات الليبية في داخل المدن لمواجهة كورونا، فإنّها لم تلتفت إلى خطر الحركة بين المدن والمناطق، وهو ما سهّل عمليات تنقّل المهربين من جنوب البلاد، وصولاً إلى شواطئ ليبيا الشمالية الغربية التي تنشط فيها مراكز التهريب.
يقول عضو جمعية التيسير الأهلية حسن بركان لـ"العربي الجديد" إنّ "ظروف التهاء السلطات بالحرب في خلال الأشهر الماضية حدّ من قدرتها على متابعة خطوط الهجرة من الجنوب إلى الشمال، لكنّها ما زالت تشدّد الرقابة على مراكز الهجرة في المناطق الشمالية النشطة". ويشير بركان إلى أنّ الجميعة وفي أثناء نشاطها في إغاثة النازحين، اكتشفت طرقاً جديدة يستخدمها المهرّبون للتحايل على إجراءات الرقابة، وهي استخدامهم المصايف على الشواطئ كنقاط لتجميع المهاجرين"، مضيفاً أنّه "تحايل جديد يهدف إلى استمرار تدفّق موجات المهاجرين والتربّح منها". ويشرح أنّ "ناشطي الجمعية التي كانت تقدّم خدمات للنازحين المقيمين في قرى سياحية حكومية شهدوا هذا التحايل الجديد من قبل المهرّبين في أكثر من موقع، وقد أبلغنا الجهات الرسمية بذلك، لكنّ السلطات منشغلة بالحروب والمواجهات السياسية".
ويؤكد عبد الله بريني، وهو مواطن من منطقة القربولي الساحلية (شمال غرب)، الأمر. فهو كان شاهد عيان على وجود مهاجرين أفارقة في أحد مصايف المنطقة. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المهرّبين يستغلون في ما يبدو الازدحام في القرى السياحية والمصايف الخاصة على طول الشاطئ للتعمية على تهريبهم المهاجرين". يضيف أنّ "علاقة الأهالي بالمهرّبين في القرى السياحية والمصايف تسهّل لهؤلاء نشاطهم بعيداً عن الرقابة الرسمية". وتُعَدّ القربولي المحاذية للعاصمة طرابلس شرقاً وصبراتة وزارة غرباً، من أنشط مراكز تهريب المهاجرين السريين، وهي من أكبر المناطق التي تضمّ قرى سياحية ومصايف.
من جهته، يقرّ زياد الزياني، وهو ضابط في خفر السواحل الليبي، بأنّ "المهرّبين يستغلون الأنشطة المتعلقة بالسياحة على الشواطئ، مستشهداً بقرية تليل السياحية في صبراته (أقصى غرب البلاد) التي كانت مركزاً نشطاً للتهريب"، لكنّه يشير إلى أنّها لم تتحوّل إلى قضية تلفت اهتمام السلطات". يضيف الزياني لـ"العربي الجديد": "لا أظنّ أنّنا نحتاج إلى مزيد من التصريحات التي تؤكّد تشجيع تلك المنظمات التي تدّعي القيام بدور إنساني في تنشيط الهجرة السرية وتشجيع المهاجرين عليها"، لافتاً إلى أنّ "وقف ذلك يجب أن يكون وفق تعاون إقليمي ودولي". ويؤكد الزياني أنّ "دور فرق خفر السواحل ما زال كبيراً في متابعة هذا النشاط غير القانوني على الرغم من قلّة الإمكانيات، علماً أنّ مجموعات مسلحة تحمي المهرّبين".
تجدر الإشارة إلى أنّ تقديرات جهاز الهجرة غير الشرعية تلفت إلى تأثير جائحة كورونا في تراجع أعداد المهاجرين السريين، إلا أنّ الزياني يؤكّد أنّ "ثمّة عودة ملحوظة لنشاط المهرّبين رُصدت في الآونة الأخيرة". وقد أحبطت ليبيا في خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي عمليات تهريب عدّة قبل انطلاقها في البحر، ونقلت المهاجرين إلى مراكز إيواء في طرابلس وفي مناطق قريبة منها.