يحلّ عيد الفطر المبارك على المصريين في جو مختلف عما اعتادوا عليه، وسط أزمات اقتصادية خانقة، وأسعار مشتعلة، تختفي معها الكثير من المظاهر والطقوس الخاصة بالأعياد في مصر.
وظل العيد متنفسا للمصريين طوال سنوات عمرهم، حيث يُعدّون له العدة قبيل أيام من قدومه، وتعلن حالة الطوارئ في المنازل، ليشارك الجميع في الاحتفالية، التي تبعث على البهجة والأمل، لمدة أيام قليلة في العام.
أما هذا العام، فيحل عيد الفطر مغلفا بمشاعر مختلفة، تتخللها الإحباطات اليومية، والظروف المعيشية الصعبة، وأيضا الأحزان، التي عاشها كثيرٌ من المصريين على مدار عام كامل.
كانت زيارات العيد في السابق أمراً لا غنى عنه، تبدأ صبيحة يوم العيد، وتمتد حتى آخر الليل؛ أما الآن، فأصبحت الزيارات قليلة، وتقتصر على الأهل، بسبب اختلاف طبيعة الحياة الاجتماعية؛ حيث اختصر المصريون كثيرا من علاقاتهم، وأصبحت تقتصر على الأقرباء من الدرجة الأولى فقط.
يقول المهندس صبحي محمد: أصبح هناك نوع من التباعد وضاع التراحم بين الناس، الذي هو أسمى ما نادى به الدين الإسلامي، لهذا لم يعد العيد عيدا، لأن الفرحة تأتي مع الاختلاط بالناس، وقد حث الإسلام على خروج المسلمين، بمن فيهم النساء والصغار، لأداء صلاة العيد للتلاقي والشعور بفرحة.
وأضاف صبحي: الخلافات السياسية كانت عاملا رئيسيا في انقسام العائلات، فأصبح هنالك داخل كل أسرة مؤيد ومعارض، ولا يجتمعون إلا وحدثت مشاجرة حادة، وربما تنتهي بقطيعة.
فيما ترى الباحثة الاجتماعية، مي الحسيني، أن من أهم أسباب عدم الشعور بالعيد، عدم تطبيق سُنة صلة الرحم، ربما بسبب اللهاث وراء المادة، مما جعل الترابط الأسري يتفكك تدريجيا، حتى أصبح السعي إلى التواصل واجباً، وليس عن حب وتوادد حقيقيين، حسب قولها.
وتقول منى محب، ربة منزل: على الرغم من أن عيدي الفطر والأضحى هما العيدان الأساسيان بالنسبة إلى المسلمين، إلا أن فرحتهما ضاعت وسط زحمة وأعباء الحياة والعمل، وغياب صلة الرحم؛ فاختفت كثير من مظاهر العيد الجميلة، التي كنا نشعر بها في الماضي، ولا يشعر بها أطفالنا هذه الأيام.
وللمرة الأولى، يأتي العيد بعد ثورةٍ نادت بالحرية والكرامة الإنسانية، بينما تضم السجون آلافاً من المعتقلين، والمئات من الأسر تضم ثكالى وأرامل وأيتام، بعد عدة أحداث دموية أهدرت فيها الكثير من دماء المصريين.
ففي الأيام السابقة للعيد، لا تنام العاصمة القاهرة، حيث تواصل المحال التجارية والأسواق، وتحديدا المتخصصة في بيع الملابس، فتح أبوابها أمام المواطنين حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الأول للعيد.
ملابس العيد
وبعد إفطار الأيام الأخيرة من شهر رمضان، تجد شوارع القاهرة وقد امتلأت عن آخرها بالمواطنين، من مختلف الفئات والأعمار، وأضاءت المحلات أنوارها استعدادا لاستقبال الزبائن، الذين خرجوا لشراء ملابس العيد، ويخيل إليك مع ازدحام الشوارع وتكدسها بالبشر أن حركة البيع والشراء مزدهرة، إلا أن الواقع خلاف ذلك، فملابس العيد هذا العام لـ"الفرجة" فقط، على حد قول أحمد عبد السلام، صاحب محل ملابس في وسط القاهرة، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "السوق نايم والناس بتتفرج ولا تشتري، والقوة الشرائية ضعيفة جدا بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم صرف مرتبات الموظفين حتى الآن".
ويقول علاء، بائع في محل ملابس: إن الهموم تبدو على وجوه الناس، خاصة أن هناك زيادة في الأسعار هذا العام بنسبة تصل إلى 35 في المائة عن العام الماضي"، مستدركا أن هناك إقبالا كبيرا على شراء ملابس الأطفال، فيما سوق الملابس الرجالي والحريمي متوقفة.
وتقول أم هند، ربة منزل: لدي أربعة أطفال، ولم أتمكن حتى الآن من شراء ملابس العيد لهم، بسبب ارتفاع الأسعار، خصوصاً أن دخل زوجي محدود، مشيرة إلى أنها عندما نزلت إلى الأسواق وجدت الأسعار مرتفعة، مما دفعها إلى عدم شراء ملابس العيد لأطفالها، وفي الأغلب ستتوجه إلى "سوق الوكالة" لشراء الملابس المستعملة، رغم ارتفاع سعرها عن العام الماضي.
أما هشام، موظف، فأشار إلى أن الأسعار هذا العام مرتفعة ومبالغ فيها، كما أن البضاعة المعروضة في المحلات قليلة وغير متنوعة وتشبه بعضها بعضاً، مضيفا أنه في نهاية الأمر اضطر إلى الذهاب إلى محلات "المستعمل"، لأن أسعارها تكاد تكون مناسبة لدخله.
كعك العيد
كعك العيد، أو "الكحك"، كما يطلق عليه المصريون، عادة قديمة تعد أحد أهم مظاهر الاحتفال بالأعياد عامة، وبعيد الفطر على وجه الخصوص، في مصر. وتزدحم جميع المخابز قبل العيد بسبب الكعك، وتتفنن النساء في صنعه مع الفطائر الأخرى والمعجنات والحلويات، التي تقدم للضيوف، وتنبعث خلال الأيام الأخيرة من الشهر في البيوت المصرية رائحة الكعك، وتفرغ محلات الحلويات من الأنواع الأخرى، ويحتلها الكعك بأنواعه، ويتهافت المواطنون على شرائه.
لكن هذا العام توجد طفرة في أسعار الكعك، على حد قول سعيد، العامل في محل حلويات شهير في وسط البلد، الذي يقول إن أسعار الكعك هذا العام ارتفعت بنسبة تتعدى 8 في المائة، بسبب غلاء جميع مكونات تصنيعه، وفي مقدمتها الدقيق والسكر والسمن وغيرها، مما أضعف حركة الشراء.
الجديد هذا العام هو تحضير كعك العيد للذهاب به إلى المعتقلات، كما قالت "نهال"، ربة منزل، وهي زوجة أحد المعتقلين سياسيا، والتي توضح أنها تحاول إدخال السرور على قلوب المعتقلين، وإشعارهم ببهجة العيد.
وفي الأيام الأخيرة من رمضان، يتوجه تجار التجزئة إلى شراء لعب الأطفال من تجار الجملة، في حي الموسكي، ولكن الملاحظ أن أسعار الجملة لم تسلم من الارتفاع، حيث زادت الأسعار بنسبة تصل إلى 15 في المائة.
ويقول حمادة جمعة، بائع تجزئة، إنه سيضطر إلى تقليل كمية مشترياته، لأن الأسعار زادت، وبالتالي سيلجأ إلى البيع بزيادة في سعر القطعة بنحو 17 في المائة، موضحا أن المتضرر في النهاية هم الأطفال أو أولياء أمورهم.
نزهة في الهواء الطلق
وعند منطقة ماسبيرو، أمام مبنى التلفزيون المصري، يطمئن أصحاب المراكب الراسية على شاطئ نهر النيل على سلامة مراكبهم، استعدادا لرحلات العيد إلى القناطر الخيرية، والنزهات النيلية القصيرة. ويقول إسماعيل العسيلي، صاحب مركب، إن الصورة غير واضحة، خصوصاً أنهم تعودوا على إعلان رحلات العيد قبل فترة من قدومه، لكن "هذا العام ننتظر، فلا نعرف كيف ستكون الظروف".
فيما يقول طه العليمي، صاحب مركب آخر، إنه متفائل، ويتوقع أن يكون الإقبال كبيرا من الشباب، إلا أنه يوضح أنهم مضطرون إلى رفع قيمة تذكرة الرحلة بنسبة 25 في المائة.
وكالعادة، صدرت التعليمات من محافظي القاهرة والجيزة إلى رؤساء الأحياء، وإدارات المرافق العامة، لتهيئة الحدائق العامة لاستقبال العائلات أيام العيد، وسط تخوفات لدى البعض من الخروج تحسباً لأية أعمال قد تفسد فرحة العيد.
كما استعدت حديقة الحيوان في الجيزة لاستقبال الزوار، الا أن مسؤولا في الحديقة قال إن معظم الحيوانات لن يشاهدها الجمهور، حتى لا تحدث احتكاكات قد تؤدي إلى حالة هياج بعض الحيوانات، في ظل هذا الطقس الحار، وهو ما يعني أن رواد الحديقة سيتمتعون بالجلوس على الحشائش دون تحقيق آمالهم في أن يشاهد أطفالهم الحيوانات، وخصوصاً الأسود والنمور والدببة.
مظاهر روحانية
أما المساجد فتنطلق منها التكبيرات والتواشيح الدينية، كما تتزين في العيد بالأنوار والزينة استعدادا لصلاة العيد، إلى جانب تأدية الصلاة في الساحات المفتوحة، والتي أعلنت عنها وزارة الأوقاف، في ما يشبه الإنذار، بأن هذه الأماكن فقط هي المسموح فيها بصلاة العيد فيها.
والبعض لا ينتظر انتهاء اليوم الأول، حتى يتوجه إلى المقابر لزيارة من فقد وجوده في العيد، فلا يكتمل احتفالهم بالعيد إلا بوجودهم قرب الراحلين من أحبابهم، وآخرون يذهبون إلى السجون لمعايدة أقاربهم المسجونين، والمعتقلين خلف الأسوار.
فرحة الأطفال تكون كبيرة وهم يتسلمون العيدية من الكبار، فالعيدية إحدى السمات الأساسية للاحتفال بالعيد، وهي عادة حميدة، ورسالة حب وود تدل على التكافل الاجتماعي والشعور بالآخرين، وإسعادهم، وينتظرها الأطفال من أول أيام العيد، من الأبوين والأقارب، ليتباهوا ويتفاخروا فيما بينهم بما حصلوا عليه من نقود.