03 مارس 2022
عُرس بغل في الجزائر
في رواية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" للكاتب الجزائري الراحل الطاهر وطار، يتسلم "العابد بن مسعود الشاوي" رسالةً من مكتب بريد القرية، ويُخبره موظف البريد أنها من ابنه الشهيد، وقد أرسلها إليه من مكانٍ بعيد. يتزامن وصول الرسالة مع رؤية الشيخ العابد في منامه، أن ابنه الشهيد (مصطفى) والشهداء الذين معه سيعودون خلال أيام. يبدأ الشيخ بكشف رؤيته لأهل القرية، مُعزّزاً ذلك بالرسالة التي وصلت إليه من الشهيد "مصطفى"، مبشّراً الجميع أن الشهداء سيعودون هذا الأسبوع، إلا أنه لا يجد من يتحمّس للرؤية، بل يستشعر هلعاً في عيني كل من سمع عن الرؤية، أو علم بوصول الرسالة، خصوصاً من كوادر الحزب الحاكم ممن تمتعوا بامتيازات خاصة بعد الاستقلال، وقد أخذ هؤلاء بالاستهزاء من الشيخ وتخاريفه، ساخرين من خرافة عودة الشهداء إلى الحياة من جديد.
على وقع ما يجري في الجزائر من حراكٍ شعبي شجاع، يقابله إصرار دولةٍ عميقةٍ على ترشيح بقايا رجلٍ لمنصب الرئيس للمرة الخامسة على التوالي، تتجدّد الأسئلة في بلاد المليون ونصف المليون شهيد: ماذا لو عاد الشهداء هذا الأسبوع، ليشاهدوا ما يجري في بلادهم. ماذا لو عاد الشهداء ليجدوا بعضاً ممن خلفهم يقدّمون آيات الولاء والطاعة لصورة رئيسٍ يرقد على فراش الموت منذ سنوات. ماذا لو عاد الشهداء ليجدوا أحفادهم ممن حلموا لهم بالكرامة وبالعيش الكريم وقد صاروا طوابير من العاطلين من العمل، وطوابير أخرى من الهاربين على متن قوارب الموت نحو الضفة الأخرى من المتوسط؟ وكيف سيشعر الشهداء وهم يرون ثلةً من أصحاب الرتب والمراتب يستأثرون بخير البلاد وخيراتها، يجثُمون على صدور أهاليهم من الفقراء، وينهبون خيرات بلدٍ كرّمه الله بالوفير من الثروات الطبيعية والبشرية؟ هل كان الشهداء الذين آثروا الموت ليحيا الوطن، ليقبلوا بما وصلت إليه الجزائر، أم سيندم الشهداء على تضحياتهم التي صرَّفها بعضهم أرصدة في بنوك الغرب، أو علّقها نياشين على صدورٍ لم تواجه يوماً مستعمرا؟
في رواية الطاهر وطار، رفض شيخ القرية ومدير مدرستها، ومنسّق القسمة، ورئيس وحدة الدرك، ورئيس القباضة، ومسؤول الفرع النقابي، وإمام المسجد، وغيرهم من كوادر الحزب، ما يهذي به والد الشهيد، مستبعدين أو مستنكرين فكرة عودة الشهداء. ولكن الناظر إلى ما تشهده الجزائر راهناً يرى شهداء ثورة التحرير وكأنهم عادوا، بأرواحهم، يسيرون في الشوارع والساحات نساء ورجالاً، عاقدين العزم أن تحيا الجزائر، كما أرادوها، لا كما يريدُها أصحاب "عرس بغل".
وفي حكاية ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدةٍ خامسة، بينما هو يرقد على سرير المرض في جنيف، ما يشبه "عرس بغل" في رواية أخرى للكاتب الطاهر وطار. في التراث الجزائري، "عرس بغل" يعني حفل زفافٍ زائف تقيمه امرأة لا أبناء لها، ربما لِعَيبٍ فيها، أو لعِوار في بعلها، تدعو إليه جميع النساء اللواتي قدّمت لهن هدايا بمناسبة زفافٍ أو ختان أحد أبنائهن، وذلك لاسترداد بعض "التاوسة" (النقوط) التي سبق وقدّمتها لهن. وفي حفلٍ صاخبٍ من النفاق والكذب يحتفل الحضور، يتبادلون التهاني، ويقدّمون الهدايا لأهل العريس الوهمي. وفي "عرس بغل" الانتخابي الجارية فبركته في جزائر اليوم، تنظّم بطانة العريس، ساسة وعسكرا، عرساً انتخابياً وهمياً، لا عريس فيه، لجمع (النقوط) من الشعب "المعزوم" لمبايعة العريس المزعوم.
ما تشهده الجزائر يُنبئ بأن الشعب، المخلص لشهدائه الأحياء عند ربهم، لن يُبارك "عرس بغل" الوهمي، ولن يتواطأ بمجاملة أهل العريس الغائب، في حفلة كذبٍ ونفاق. ما بين قرع طبول "عرس البغل" في القصور، وأصوات الشهداء العائدين من القبور، تظل الخشية أن تهوي الجزائر في عشريةٍ سوداء جديدة، ترميها إلى مصير مجهول، يشبه مصير "العابد بن مسعود" الذي وجدت جثته على سكة القطار، وقد قضى غدراً على يد الخائفين من عودة الشهداء، أو قهراً من القرية الظالم أهلها.
على وقع ما يجري في الجزائر من حراكٍ شعبي شجاع، يقابله إصرار دولةٍ عميقةٍ على ترشيح بقايا رجلٍ لمنصب الرئيس للمرة الخامسة على التوالي، تتجدّد الأسئلة في بلاد المليون ونصف المليون شهيد: ماذا لو عاد الشهداء هذا الأسبوع، ليشاهدوا ما يجري في بلادهم. ماذا لو عاد الشهداء ليجدوا بعضاً ممن خلفهم يقدّمون آيات الولاء والطاعة لصورة رئيسٍ يرقد على فراش الموت منذ سنوات. ماذا لو عاد الشهداء ليجدوا أحفادهم ممن حلموا لهم بالكرامة وبالعيش الكريم وقد صاروا طوابير من العاطلين من العمل، وطوابير أخرى من الهاربين على متن قوارب الموت نحو الضفة الأخرى من المتوسط؟ وكيف سيشعر الشهداء وهم يرون ثلةً من أصحاب الرتب والمراتب يستأثرون بخير البلاد وخيراتها، يجثُمون على صدور أهاليهم من الفقراء، وينهبون خيرات بلدٍ كرّمه الله بالوفير من الثروات الطبيعية والبشرية؟ هل كان الشهداء الذين آثروا الموت ليحيا الوطن، ليقبلوا بما وصلت إليه الجزائر، أم سيندم الشهداء على تضحياتهم التي صرَّفها بعضهم أرصدة في بنوك الغرب، أو علّقها نياشين على صدورٍ لم تواجه يوماً مستعمرا؟
في رواية الطاهر وطار، رفض شيخ القرية ومدير مدرستها، ومنسّق القسمة، ورئيس وحدة الدرك، ورئيس القباضة، ومسؤول الفرع النقابي، وإمام المسجد، وغيرهم من كوادر الحزب، ما يهذي به والد الشهيد، مستبعدين أو مستنكرين فكرة عودة الشهداء. ولكن الناظر إلى ما تشهده الجزائر راهناً يرى شهداء ثورة التحرير وكأنهم عادوا، بأرواحهم، يسيرون في الشوارع والساحات نساء ورجالاً، عاقدين العزم أن تحيا الجزائر، كما أرادوها، لا كما يريدُها أصحاب "عرس بغل".
وفي حكاية ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدةٍ خامسة، بينما هو يرقد على سرير المرض في جنيف، ما يشبه "عرس بغل" في رواية أخرى للكاتب الطاهر وطار. في التراث الجزائري، "عرس بغل" يعني حفل زفافٍ زائف تقيمه امرأة لا أبناء لها، ربما لِعَيبٍ فيها، أو لعِوار في بعلها، تدعو إليه جميع النساء اللواتي قدّمت لهن هدايا بمناسبة زفافٍ أو ختان أحد أبنائهن، وذلك لاسترداد بعض "التاوسة" (النقوط) التي سبق وقدّمتها لهن. وفي حفلٍ صاخبٍ من النفاق والكذب يحتفل الحضور، يتبادلون التهاني، ويقدّمون الهدايا لأهل العريس الوهمي. وفي "عرس بغل" الانتخابي الجارية فبركته في جزائر اليوم، تنظّم بطانة العريس، ساسة وعسكرا، عرساً انتخابياً وهمياً، لا عريس فيه، لجمع (النقوط) من الشعب "المعزوم" لمبايعة العريس المزعوم.
ما تشهده الجزائر يُنبئ بأن الشعب، المخلص لشهدائه الأحياء عند ربهم، لن يُبارك "عرس بغل" الوهمي، ولن يتواطأ بمجاملة أهل العريس الغائب، في حفلة كذبٍ ونفاق. ما بين قرع طبول "عرس البغل" في القصور، وأصوات الشهداء العائدين من القبور، تظل الخشية أن تهوي الجزائر في عشريةٍ سوداء جديدة، ترميها إلى مصير مجهول، يشبه مصير "العابد بن مسعود" الذي وجدت جثته على سكة القطار، وقد قضى غدراً على يد الخائفين من عودة الشهداء، أو قهراً من القرية الظالم أهلها.