أزمة جديدة تندلع في مصر، من أرض النوبة، "بلاد الدهب" كما يسميها أهلها، مع القبض على 24 من شباب النوبة في مسيرة سلمية نظموها مساء الأحد الماضي، بمدينة أسوان ضد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالتعامل مع جزء كبير من الأراضي النوبية كأراضٍ حدودية. يتعلق الأمر بالقرار رقم "444" الذي يقضي بترسيم 17 قرية في النوبة، من العلاقي شمالاً إلى أدندان جنوباً، كحدود عسكرية يحرم التنقل والسكن فيها. قرار اقتطع 125 كيلومتراً من أراضي النوبة التاريخية وعيّنها حدوداً عسكرية، مما يناقض بعض مواد الدستور المصري مثل المادة 236 التي تلزم الدولة بمساعدة النوبيين على تنمية الأراضي الخاصة بهم في أراضيهم الأصلية. وتنص هذه المادة على التالي: "تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها في (مشاريع) التنمية وفي أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي".
وحاصرت سيارات من الأمن المركزي، الميدان الذي تواجد به المحتجون في ثالث أيام عيد الأضحى. واعتدت قوات الأمن على الفتيات اللواتي شاركن في الوقفة الاحتجاجية، وتم إبعادهن عن الميدان قبل القبض على الشبان الذين كانوا يحملون بعض اللافتات في تظاهرة سلمية. وانتقل فريق من النيابة العامة بأسوان إلى مكان اعتقال 24 شخصاً من الناشطين، بمعسكر الأمن المركزي بمنطقة الشلال جنوبي أسوان. وقال محامون بأسوان منهم مدير "مركز هشام مبارك" للاستشارات القانونية، مصطفى الحسن، الذي انتقل إلى موقع حبس النوبيين، للدفاع عنهم، إن "الجهات الأمنية رفضت السماح لهم بالوصول إلى موقع احتجاز المعتقلين النوبيين، فيما سمحت فقط لفريق النيابة لمباشرة التحقيقات". ووجهت أجهزة الأمن للنوبيين الذين ألقي القبض عليهم، تهم "التظاهر وحمل لافتات من دون الحصول على تصريح من الأمن بالمخالفة لقانون التظاهر". وفي السياق، وُجّهت يوم الاثنين عدة دعوات للتظاهر داخل محافظة أسوان، خاصةً في مناطق وقرى مركز نصر النوبة، احتجاجاً على حملة الاعتقال، وهو الأمر الذي فجر الغضب لدى أبناء النوبة، مما دفع الشرطة إلى تعزيز قواتها بكافة مناطق القرى النوبية بأسوان، تحسباً لأية ردود فعل غاضبة من أبناء النوبة.
وتؤكد الناشطة فاطمة إمام، أن "المادة 236 من الدستور المصري هي السند الدستوري الذي يرتكز عليه النوبيون للمطالبة بحق العودة". وتضيف أنه "على الرغم من اعتراف المادة بحق عودة النوبيين إلى أراضيهم التاريخية حول بحيرة ناصر، إلا أن هناك تباطؤاً حكومياً في تنفيذ هذا الحق، وإخلالاً بمضمون هذه المادة من خلال سلسلة قرارات جمهورية تتعارض مع حق النوبيين الدستوري". وتتابع أن "القرار 444 القاضي بترسيم 17 قرية نوبية كحدود عسكرية يتناقض جملةً وتفصيلاً مع نص المادة 236"، معتبرةً أنه "يدعو للسخرية لأن الحدود المصرية مع إسرائيل التي أقرتها اتفاقية كامب ديفيد لا تتجاوز 5 كيلومترات بينما حدود مصر الجنوبية تزيد عن 100 كيلومتر"، وفق تعبيره. وتشير إلى أن "النوبيين اتبعوا طريق مقاضاة الدولة رفضاً للقرار 444 وأوصت هيئة مفوضي الدولة برفض القرار"، وفق تأكيدها. وترى أنه "على الرغم من أن رأي الهيئة يعتبر استرشادياً، إلا أنه يعد مؤشراً قوياً على حق النوبيين".
وتقول الناشطة، إمام، إن "إلحاق القرار الجمهوري بقرارات أخرى رسخ إيماناً لدى النوبيين بأن الحكومة تستكمل نهج الحكومات المصرية في انتهاك حقوق النوبيين العادلة ومنها القرار 355 الذي قضى بضم أراضي توشكي وفرقوندي إلى مشروع المليون ونصف المليون فدان الذي تروج له الحكومة". وتبيّن أن "ذلك قوبل برفض عارم وغضب من جموع النوبيين، إذ تبلور الرفض في تشكيل قافلة النوبة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، التي اعتصم فيها النوبيون في أرضهم التاريخية لمدة خمسة أيام، وأجبروا الدولة على شطب أراضي توشكي وفرقوندي من كراسة شروط المشروع"، وفق تأكيدها. وبحسب الناشطة النوبية، فإن معارك الحكومات المصرية المتعاقبة مع النوبيين لا تنتهي، ذاكرةً أن هناك "سعياً حثيثاً من الحكومة للسيطرة على أراضي النوبة".
في هذا السياق، صدر عن مجموعة تطلق على نفسها "شباب النوبة" بيان يشير إلى "دعوة الحكومة لتفعيل المادة 236 من الدستور عن طريق تشكيل لجنة برئاسة وزارة العدالة الانتقالية وضمت هذه اللجنة ممثلين من أبناء النوبة والوزارات المختلفة والأجهزة الأمنية والسيادية والتي انتهت إلى إعلان مشروع قانون لإعادة التوطين وتنمية وتعمير بلاد النوبة الأصلية، والتي توافق عليها جميع النوبيين، وتم تسليم صورة منها إلى رئاسة الجمهورية، ورئيس الوزراء، ومجلس النواب". ويضيف البيان أن النوبيين انتظروا إصدار هذا القانون رسمياً، "لكنه أصبح حبيس الأدراج حتى الآن". وتؤكد هذه المجموعة في بيانها أن النوبيين فوجئوا "بإصدار رئيس الجمهورية القرار 444 بالتعدي على 110 كيلومترات من مناطق توطين النوبيين، باعتبارها مناطق عسكرية والذي يتعارض مع الحقوق الدستورية والتاريخية للنوبة. وهذا ما أكدته لجنة مفوضية مجلس الدولة في تقريرها الأخير"، وفق البيان. وانطلاقاً من ذلك، تطالب مجموعة "شباب النوبة"، القيادة السياسية في مصر، المتمثلة برئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان، بـ"وضع حلول جذرية فورية تجاه الحقوق والمطالب النوبية العادلة".
ويرفض أهالي النوبة انتهاك حقوقهم، بتأكيدهم على استمرارهم في التحرك الاحتجاجي الرافض للقرار 444 الذي أصدره السيسي. وفي إطار مواصلة ما يسميه سكان النوبة وشبابها بـ"الوقفة السلمية" الهادفة إلى الدفاع عن حقوقهم، تحذر مجموعة "شباب النوبة" السلطات من أنه في حال حدوث "أية تعديات أو ملاحقات أمنية لأبناء النوبة سترفع رايات الحداد فوق كل منزل نوبي وسوف يقومون باللجوء لمنظمات حقوق الإنسان بدول العالم لحمايتهم من الاضطهاد وللمطالبة بحقوقهم المشروعة". ويحمّل البيان "القيادة السياسية ممثلةً برئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، المسؤولية كاملة لأمن وسلامة النوبيين في وقفتهم"، وفق ما ورد في البيان. يشار إلى أن أجهزة الأمن في مصر، ووسائل الإعلام التابعة لها، غالباً ما تتهم أبناء النوبة بالعمالة والاستقواء بالخارج ضد الدولة المصرية، وأنهم يخططون للانفصال عن مصر، وهي التهم التي ينفيها أبناء النوبة باستمرار.