حين أقال دونالد ترامب وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، في مارس/آذار الماضي، احتفى البعض بالخطوة، باعتبار أن ما قام به ترامب بمعية صهره، جاريد كوشنير، دليل نفوذ "سعودي -إماراتي". وكعادة المحتفين وهماً بالمراهنة على كل تصريح وتلميح أميركي، إن بشأن إيران، أو الانقسام الخليجي، يغيب عنهم التعليق على مجموعة متتالية من الإهانات الترامبية لسيادة دولهم، بلوحات استعراضية تارة عن عمق ابتزازهم لدفع الأموال أو معاملتهم كمحميات أميركية لا أكثر. فطابع التنمر، الذي يطاول دولاً وشعوباً، بانتقائية التنفيس، يبدو متطابقاً عند الأنظمة السياسية، التي تدفع، كلما تدعو الحاجة، بأجهزة استشعارها لتحسس وجهة الغرب، رغم استعلائيته وابتزازه المالي والسياسي.
تعاسة مشهد البحث عن شرعية خارجية، ونيل الإعجاب، لم يوفّر هامشاً لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لاستكمال استعراضية "السيادة أفعال وليست أقوالا"، وفي ذلك بؤس آخر لحالة عربية منقلبة على فرصها التاريخية، للإمساك فعلاً وقولاً بسيادة شعوبها.
أيضاً، رغم مقايضة ترامب فوبيا قطر بـ" فوبيا إيران"، بقيت الدوحة الهدف المصوّب عليه، في تكرار ممل وسطحي لساسة ومعلقين يبلعون الإهانة مكررة، ويسوقون وصف "محميات" كفضيلة أخرى، أشبه بفضائل تقبيل حليف الرياض البحريني لوزير خارجية الحليف الأوثق لطهران، السوري وليد المعلم. ففي المشهد دلالات على أخريات سابقات، من مثل دبلوماسية "بتشوف"؛ إن في العراق أو اليمن وفلسطين ولبنان ومصر، بارتباك بوصلة الفوبيا، لتبرير غير مسبوق باعتبار الاحتلال الصهيوني "حليفاً".
سبق أن بشر ترامب، قبل تغزله أخيراً بالرئيس الإيراني حسن روحاني، بقمة مع الإيرانيين، شبيهة بقمته مع الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون، وتلك أيضاً مرّت بلا رعشة جفن، لا من الذباب ولا أكاديميات التغريد بسيوف خشبية.
إن خطورة احتقار ترامب سيادة الدول والشعوب لا تخص الرياض فحسب. فمن المخجل والمخيف دفع الشعوب إلى تطبيع مع حالة عربية جديدة، توغل ارتداداً عن سيادتها، قولاً وفعلاً. فالرد الذاهب نحو مزيد من سحق للمواطنين، والنخب السياسية والفكرية، وتعميق الشرخ في الصف العربي، لن يجلب سوى مزيد من "الحلب". وفيما طهران، التي باسمها يجري الحلب، تحيل سيادة أشقاء لهم في الاستبداد إلى ارتهان آخر، بتعاون مع موسكو، فلا معنى إطلاقاً لكل عنتريات مدّعي "السيادة"، التي تطاول عدواها منطقتنا، "تقدمية" و"رجعية".