28 ديسمبر 2021
فرصة فلسطينية نادرة
آن للفلسطينيين، في استخلاص سريع من دروس حرب 2014 الحالية ضد قطاع غزة، أن يستثمروا كفاحات أبناء وبنات شعبهم البطولية في غزة والضفة الغربية والقدس، وفي كل التجمعات الفلسطينية في الشتات، استثماراً سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وعلى كل أصعدة تصليب عود الموقف الفلسطيني الواحد، في مواجهة جبهة عريضة من الأعداء المباشرين وغير المباشرين؛ والذين أظهرت الحرب الحالية ضد قطاع غزة أنهم يسعون إلى مزيدٍ من إحداث الشقوق في الموقف الوطني الفلسطيني، بالنظر إلى المسألة، وكأنها خصيصة طرف فئوي. لا إن غزة جزء من الأرض الفلسطينية، ومواطنوها جزء من الشعب الفلسطيني، وبالتالي، لا يمكن النظر إلى ما يجري هناك كنوع من التشفي بجماعة الإخوان المسلمين، على ما يذهب النظام المصري ومكونات "دولته العميقة"، ورؤيتهم العدمية، أو هكذا بدت وتبدو الآن، "فالإخوان"، وحماس جزء منهم، جزء من مكونات الشعب والأحزاب والقوى والتيارات الفلسطينية، وليسوا هم كل المسألة، تماماً كما هم الإخوان في مصر، جزء ومكون من مكونات الشعب المصري، وليسوا هم كل المسألة كذلك، كما يرد الآن في هواجس الذين لا يريدون التخلص من عقد السلطة، الأكثر تعقيدًا وتقعيداً، اليوم، بفضل استبداد معتق، يراد له أن يتواصل، ويواصل حربه المجنونة ضد الدولة الوطنية، ومكوناتها المواطنية والدستورية.
تؤدي الحرب الإجرامية الإسرائيلية في غزة دور المطهّر والقنطرة التي ينبغي بلوغها وتجاوزها، نحو بناء موقف فلسطيني واحد، موحد على هدفٍ، أو أهداف الكفاح التحرري والوطني، تلك التي لعبت بها أهواء الانحيازات والتحيزات الإقليمية، والسياسات التابعة للمحاور العربية والإقليمية والدولية، حتى استحال الموقف الفلسطيني أشتاتاً ومزقاً، لم يكن الانقسام السياسي والجغرافي سوى رأس جبل الجليد الذي اعتلته المواقف الإسرائيلية، لبلوغ أهدافها في فرض تنسيق أمني مجحف، بحق مناضلي الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية؛ وها هي حرب 2014 ضد قطاع غزة تعيد ملامح الوحدة الوطنية، ليس على الصعيد السياسي والميداني العسكري هناك، بل وعلى صعيد الوحدة الكفاحية الميدانية على قاعدة الانتفاض والكفاح الشعبي بأبعاده السياسية والعنيفة؛ ما يعني، وبشكل ملح وراهن، ضرورة تبلور قيادة ميدانية تقود فعاليات الكفاح الراهن في الضفة والقدس، على ما كان حال الانتفاضتين، الأولى والثانية.
في كل الأحوال هي فرصة نادرة، تتاح، اليوم، أمام الفلسطينيين لتوحيد قواهم وجهودهم، من أجل رسم مستقبل زاهر لكفاحهم الوطني، بعيداً من تأثيرات المحاور ومحاولات ثنيهم عن الإقدام على إنتاج حالة كفاحية وتأسيسها، كفيلة بأن تفيدهم في تصليب موقف وطني موحد، في مواجهة كيان الاستعمار الاستيطاني العنصري الفاشي، ومجموعة تحالفاته القريبة والبعيدة، تلك التحالفات التي لم تعد تقيم أي وزن لأي أقنومٍ، ينتمي إلى عالم السياسة أو عالم الإنسان، وحقوقه الدستورية والقانونية، حيث صارت العلاقات الدولية بلا قيم أو مبادئ أو أخلاق، إنما هي محكومة للعلاقات الآنية القائمة على المصالح الأنانية، ولعالم من تجارة غير عادلة بالمطلق؛ البيع والشراء فيها هو الأهم و"الأربح"، على حساب السياسة، وما يفترض أنها أخلاقيات تعاملها المبدئية.
وهنا، أيضا، تشكل حالة الاستعجال في استثمار حالة الصمود البطولي في غزة، وإيقاف فعاليات الانتفاض والمقاومة الشعبية في الضفة والقدس، بالقمع أو بالعودة إلى تفعيل حال التنسيق الأمني مع أجهزة العدو الأمنية والاستخبارية، بقرار، أو من دون قرار جديد، محاولة إجهاض جديدة للانتفاضة، وطعنة للمقاومة وصمودها البطولي، وتضحيات أهلنا في القطاع؛ وهذا ما لا ينبغي أن تقدم عليه القيادة الفلسطينية، بضغوط أو بتأثيرات إقليمية أو دولية، يتمنى أصحابها ألا يجري الاستثمار السياسي الجاد والحقيقي بالشكل الصحيح، وبما يتوافق والأهداف والتطلعات العليا للشعب الفلسطيني.
مرة أخرى، نحن في مواجهة امتحان جديد، ينبغي استثماره، والعمل على استثمار نتائجه، بما يصب في بوتقة الأهداف التحررية للكفاح الوطني الفلسطيني، وحتى لا تبقى تضحيات الشعب الفلسطيني تذهب هدراً وهباءً منثوراً لغير صالحه، وإنما لصالح من لا يريدون سوى استغلال القضية الوطنية الفلسطينية، والمتاجرة بها، واستثمارها استثماراً فاشلاً، لا يراكم سوى الآلام والمعاناة والتضحيات التي تتحول رصيداً فقط، في حسابات أصحاب المصالح والغايات غير النبيلة وغير الشريفة. ولهذا، وحدها المقاومة الباسلة، والانتفاضة الشعبية والمقاومة، وابتداعها طرائق وأساليب كفاحها الراهنة، وقياداتها الميدانية من يرسم طريق المستقبل المشرق لكفاح وطني، شهد في مراحل عديدة مسبباتٍ كثيرة تعويقه وتعطيله ومنعه من بلوغ أهدافه، بفعل أسبابٍ موضوعية عديدة، ولكن، بالأساس هناك عوامل ذاتية، لا ينبغي تجاهلها، وتجاهل تأثيراتها المدمرة على حال الكفاح الوطني التحرري للشعب الفلسطيني.