بالنسبة للمسؤولين الفرنسيين، يكمن الجواب المباشر في أن الهدف محاربة "متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة ومنعهم من التحرك بحرية وسهولة"، في ما أسمته صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية "الطريق السيار للارهاب"، أو "منطقة العبور في منطقة الساحل والصحراء من جنوب لييبا وحتى موريتانيا".
وان كان هذا الطريق السيار يشمل أشياء كثيرة من الارهاب الى التهريب على أنواعه (بشر ومخدرات ودخان)، كعناوين أساسية، إلا أن الشياطين تكمن في التفاصيل.
فقد اعُتبر انشاء القاعدة الفرنسية في النيجر، من ضمن تواصل المسعى الفرنسي للتصدّي لخطر الجماعات الاسلامية المسلّحة في المنطقة، والذي بدأ العام الماضي بالتدخّل في مالي، المستعمرة السابقة، بدعوى أن "المتشددين الذين سيطروا على شمال مالي كانوا على بعد ساعة فقط من الزحف على العاصمة باماكو".
وعلى الرغم أن فرنسا قُدّمت على أنها نجحت في طرد المسلحين الاسلاميين والقضاء على خطرهم، وقامت بتسليم الجزء الأكبر من السيطرة الأمنية في شمال مالي، الى قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، المكّونة أساساً من قوات افريقية، فإن الوضع ما زال مضطرباً، بعد تزايد الهجمات المنسوبة الى تنظيمات اسلامية على القوات الأجنبية في مالي، بما في ذلك مقتل عشرة جنود تشاديين في سبتمبر/أيلول الماضي.
واشتكى قائد عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة ايرفيه لادسو، أخيراً بأنه مع مغادرة الكثير من القوات الفرنسية، شمال مالي، يجري استهداف قوات الأمم المتحدة التي تجد صعوبة في الردّ بسبب الافتقار للطائرات المروحية والقوات الخاصة.
واعترف مصدر في وزارة الدفاع الفرنسية، بوجود مشكلة، ونقلت وكالة "رويترز" عنه قوله إنه "يجري حلّها، ونريد أن تكون قوات الأمم المتحدة في أفضل حال، كي يمكننا التركيز على مهمتنا الأولى، وهي التخلّص من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي".
واللافت أن فرنسا أطلقت اسم "سرفال" أي البج أو القط الأنمر، على عمليتها في مالي، وحمل اختيار هذا الاسم دلالة واضحة على مغزى وأهداف فرنسا، على اعتبار أن هذا الحيوان معروف بأنه "قد يتبوّل يوميا 30 مرة من أجل رسم حدود ما يعتقد أنها أراضيه".
وفُسّر اختيار الاسم وكأن فرنسا تحاكي القط الأنمر وتريد أن تبعث رسالة بأنها ترسم حدود مناطق نفوذها في مستعمرتها السابقة في مالي، وافريقيا جنوب الصحراء، ليس فقط بسبب ما تعتبره باريس تهديدات أمنية، بل أيضاً بسبب التهديدات الاقتصادية، مع تنامي النفوذ الاقتصادي الصيني في القارة السمراء.
وتعزّز هذا التفسير باعلان فرنسا في يوليو/ تموز الماضي، توسيع وجودها العسكري في منطقة الساحل، واعلان انتهاء عملية "سرفال" واطلاق عملية جديدة أسمتها "باراخان"، وهي نوع من الكثبان الرملية على شكل هلال. وبموجب العملية الجديدة، ومقرّها في العاصمة التشادية، نجامينا، أعادت باريس نشر قواتها في المنطقة، والتي تضمّ حوالي ثلاثة آلاف جندي فرنسي انطلاقاً من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وهي دول تمتد عبر حزام الساحل الصحراوي القاحل المترامي الأطراف.
ويقدّم ألف جندي آخر الدعم في مجال الامداد والتموين في الغابون والسنغال. ويؤكد المسؤولون الفرنسيون أن الهدف من العملية هو دحر المسلحين الاسلاميين في كل أرجاء المنطقة. ويشدّدون على أن للقاعدة العسكرية في النيجر أهمية بالغة في المسعى الفرنسي.
وفي هذا السياق نقلت "رويترز" عن دبلوماسي فرنسي قوله إن "انشاء قاعدة في شمال النيجر يأخذ بعين الاعتبار الصداع المزعج في ليبيا".
وعبّر مسؤولون فرنسيون مراراً على مدى شهور عن قلقهم من الأحداث في ليبيا، وحذّروا من أن الفراغ السياسي في شمال البلاد يخلق ظروفاً مواتية للجماعات الاسلامية لإعادة تجميع نفسها في الجنوب الصحراوي القاحل.
وتقدّر مصادر دبلوماسية أن حوالي 300 مقاتل مرتبطين بتنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" يتحركون في المنطقة، بينهم جماعة منشقة عن التنظيم، شكّلها أحد المقاتلين القدامى في أفغانستان، مختار بلمختار الملقّب بـ"الأعور"، وأسماها كتيبة "الموقعون بالدم".
واللافت هنا أنه وضمن عملية "باراخان" أيضاً، أقامت فرنسا موقعاً عسكرياً في شمال تشاد على مسافة حوالي 200 كيلومتر من الحدود الليبية.
وبعد ثلاث سنوات من تنفيذ فرنسا وقوى غربية أخرى لضربات جوية للمساعدة في الاطاحة بمعمر القذافي، يثير الموقف الفرنسي التساؤلات، مع ما تردّد أخيراً عن سعي فرنسي لحشد الدعم الجزائري من أجل التدخل العسكري في ليبيا، وأن قائد أركان الجيش الفرنسي، زار الجزائر في سبتمبر/ أيلول الماضي، لهذا الغرض، لكن الرفض الجزائري كبح الحماس الفرنسي فيما يبدو.
وتردّد في الصحافة الجزائرية أن الجزائر ترى أن التدخّل الأجنبي في الجارة ليبيا، قد يزيد من زعزعة الأوضاع في المنطقة وأنها ترى أن الحل هو في تحاور القوى المتصارعة الليبية، وهي تسعى لعقد لقاء مصالحة لها في الجزائر.
ووضعت باريس نفسها في مقدّمة المقاتلين ضد الإرهاب، في الساحل الافريقي وفي العراق. وقال المتحدث باسم الجيش الفرنسي جيل جارون، إن "مسعى محاربة الارهاب عالمي".
وأضاف "نحن على خط الجبهة في منطقة الساحل والصحراء، ونقدم الدعم في العراق". وتعتزم فرنسا مواصلة محاربة الإرهاب، لا بل ازدادت اصراراً بعد قطع رأس المواطن الفرنسي ايرفيه بيار غورديل في الجزائر، على يد أعضاء سابقين في تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، بايعوا تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) وأطلقوا على أنفسهم تسمية "جند الخلافة".
وقال جارون إنه "يجري وضع اللمسات النهائية على القاعدة العسكرية الفرنسية في النيجر، حيث تعمل طائرات فرنسية وأميركية بدون طيار بالفعل، لكن طاقتها ستصل الى 200 جندي مع دعم جوي". وأضاف "الهدف هو ربط المناطق التي تهمنا. نقاط العبور التي من المرجح أن يستخدمها الارهابيون".
لكن موقع "نيجر اكسبريس" يرى أن الذريعة الفرنسية لانشاء قاعدة في النيجر بغرض محاربة المسلحين الاسلاميين، ليست الا مغالطة، وأن القاعدة العسكرية حلم فرنسي قديم تحقق، بعدما شاركت في الاطاحة بالرئيس تانجا مامادو في 2010 بانقلاب عسكري، وكان وقتها أول طلب فرنسي للطغمة العسكرية الحاكمة هو اقامة قاعدة عسكرية فرنسية في النيجر بعد اختطاف سبعة من موظفي شركة أريفا الفرنسية الاستراتيجية".
ويرى كثر أن حماية شركة الطاقة النووية الفرنسية العملاقة، التي تملك الحكومة الفرنسية حصة قدرها 87 في المائة فيها، ومناجم اليورانيوم، في النيجر، السبب الرئيسي للتدخل الفرنسي في مالي والمنطقة. وتقوم الشركة الفرنسية باستغلال مناجم اليورانيوم في النيجر، وتعتمد باريس في 20 في المائة من حاجاتها على الطاقة النووية.