قصة نجاح يسطرها حارس مبنى سكني في إيران، وهي خوض مجال التأليف، ونشر كتابه الأول، الذي نفد سريعاً من الأسواق. هو الشاب فرهاد سارباني
لم يوفر فرهاد سارباني جهداً في محاولة تحقيق حلمه في التأليف، فقد أحبّ القراءة والكتابة منذ صغره، بالرغم من أنّه مجرد شخص بسيط، ومن بيئة بسيطة كما يصف نفسه. ولعلّ ذلك هو السبب الرئيس الذي دفعه إلى إنتاج عمل مميز، فبات مؤلفاً لكتاب نال شهرة واسعة في إيران.
يبلغ سارباني من العمر تسعة وعشرين عاماً. ولد في قرية تربت جام، بمحافظة خراسان رضوي، شمالي شرق إيران. يعمل حارساً لأحد المباني السكنية، ويتباهى بأنّه يكتب في أوقات فراغه، وكانت النتيجة كتاباً بعنوان: "كتابات يدوية بخط حارس" أهداه لزوجته وابنته، وهو ما لم يكن يتوقع تحقيقه أبداً.
يقول سارباني لـ"العربي الجديد" إنّه درس في أحد المعاهد المهنية لعامين بعد إنهائه دراسته الثانوية، وهو التحصيل العلمي الوحيد لديه. بعدها ذهب إلى الخدمة العسكرية الإلزامية وتزوج في الفترة نفسها. وبعدما أنهى خدمته، قرر مغادرة القرية إلى مدينة مشهد، حاله كحال أغلب الشباب الإيرانيين ممن لا يجدون عملاً في القرى والأرياف، فيجدون في المدن الكبرى ملاذاً وفرصة للعمل.
عمل سارباني في البناء بداية، وبعدها أصبح حارساً. انشغاله بعمله جعله يبتعد عن قراءة الكتب فترة، لكنّه أجبر نفسه على العودة للمطالعة، فعثر على مكتبة عامة قريبة وبات يتردد عليها كلما سنحت له الفرصة ليستعير كتباً ويعيدها بعد أن يفرغ من قراءتها. يقول سارباني إنّ الوقت كان ضيقاً للغاية، ومع ذلك اعتمد على قاعدة أنّ قراءة بعض الصفحات أفضل من الانقطاع عن الكتب بالكامل. وبعد فترة اضطر لتغيير مكان عمله فابتعد عن المكتبة العامة، لكنّه ظل يتردد عليها، بين فترة وأخرى، إذ يشعر بانتمائه إلى ذلك المكان.
في الفترة الليلية من عمله، في غرفته الصغيرة أسفل المبنى، بدأ في تدوين مذكراته. وكتب سارباني أولى قصصه القصيرة بعد فترة وجيزة، وفيها بالإضافة إلى الأحداث المتخيلة، كثير من واقع حياته اليومية. حملت القصة عنوان "رمل وأسمنت"، ويقول إنّها منحته سعادة عارمة، وانطلق من بعدها في التأليف، فزاد عدد قصصه القصيرة التي تضمنت وقائع من حياته الشخصية، وخلطها مع مذكراته اليومية.
كان يكتب على أوراق ودفاتر متفرقة مبعثرة، فامتلأت غرفته بالقصاصات كما يصف، وقرر بعد مدة أن يجمع الأوراق كلها في كتاب، وخطر في باله سؤال: "ما الذي ينقصني لأتحول إلى كاتب وأنقل تجربتي إلى الآخرين؟". تعرّف سارباني بعدها على إحدى دور النشر، وأبلغ مديرها أنّه مجرد عامل بسيط، وبأنّه راغب بأن يطلعه على ما يكتب، وأكد للرجل عدم قدرته على تكبد التكاليف المالية للطباعة والنشر.
يعترف الحارس أنّه لم يكن يتوقع أن يوافق مدير الدار على طلبه، ولم يكن يتوقع أساساً أن يقرأ قصاصاته، لكنّ المدير قرر أن يطبعها على حسابه، شريطة أن يسدد له سارباني التكاليف من الأرباح التي سيحققها من المبيعات، فقد كان على ثقة بأن تلك القصص الممزوجة بمذكرات يومية لشخصية بسيطة والمكتوبة بأسلوب سلس ستشد القرّاء وستحقق النجاح.
الأمور لم تكن سهلة في البداية، صحيح أنّ الحارس حصل على كتابه أخيراً، لكنّه اضطر لتوزيعه وبيعه بنفسه، وجاء أخوه لمساعدته في المبنى، وصارا يتقاسمان الأعمال في ما بينهما. يقول سارباني إنّه كان يذهب لبيع كتابه مشياً من الخامسة عصراً ولمدة ثماني ساعات، فعرضه على جميع المكتبات التي يعرفها، وعلى كثير من المارة، وهنا كانت المفاجأة، ففي أقل من أسبوعين طلب الطبعة الثانية لكتابه، بالرغم من أنّه باع غالبية نسخه بنفسه لا عن طريق أيّ من دور النشر.
يتحدث سارباني عن بعض الناس ممن مر بهم وعرض عليهم كتابه، فيقول إنّ التعليقات لفتته كثيراً، فكثيرون من جيل الشباب واجهوه بجملة أن لا وقت لديهم للقراءة، بينما أقبل من هم أكبر سنّاً على شراء كتابه، وهذا ما أثار لديه شعوراً بالامتعاض، فمقابل الأشخاص الذين بدا عليهم النهم للقراءة، هناك من لا يرغبون بتصفح الكتاب أصلاً.
أشاد كثيرون ممن اشتروا الكتاب بتجربة سارباني، واشترى بعضهم الكتاب حين عرف أنّه حارس في مبنى سكني وأنّه يكتب مذكراته وقصصاً من واقع الحياة التي يعيشها.
يؤكد سارباني أنّ الكتابة جعلته يشعر بأمل أكبر في الحياة، فأصبح مصرّاً الآن على إكمال دراسته الجامعية، هو الذي يحصل على راتب يومي لا يتجاوز خمسة دولارات أميركية، لكنّه يريد تحسين ظروفه، حالماً بأن يصبح كاتباً مشهوراً، بعد النجاح الذي حققه كتابه الأول. واستضافت سارباني بعض القنوات التلفزيونية، كما أجرى لقاءات مع صحف ومطبوعات محلية، لكنّه ما زال يبدي تواضعاً شديداً.