فشل إيقاف هجمات الكاتيوشا: المليشيات تعرقل التحقيقات العراقية

03 اغسطس 2020
69 هجوماً استهدف مصالح أميركية هذا العام (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد كل هجوم صاروخي يستهدف المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية ومطار بغداد، أو المعسكرات والقواعد التي تستضيف القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي في العراق، تتعهد السلطات العراقية بالتحقيق وملاحقة المتورطين في الهجمات، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في ضبط المهاجمين بواسطة صواريخ كاتيوشا. والإنجاز الوحيد الذي حققته كان نهاية يونيو/حزيران الماضي، عندما نفّذت قوة عراقية خاصة تتبع جهاز مكافحة الإرهاب عملية أمنية استهدفت مقراً لمليشيا "كتائب حزب الله"، في حي الدورة جنوبي بغداد، وأعلنت أنها تمكنت من إحباط عملية هجوم صاروخي ضد مطار بغداد، وصادرت منصتي إطلاق صواريخ وأسلحة واعتقلت 14 عنصراً، لتطلق سراح 13 منهم، إثر تفجّر أزمة بين الحكومة والفصائل الموالية لإيران، طوّقت على إثرها الأخيرة مبنى جهاز مكافحة الإرهاب، قبل أن تمنح مهلة لحكومة مصطفى الكاظمي لإطلاق سراحهم. بينما تدور شبهات حول إطلاق سراح المتهم الأخير، الرابع عشر، ضمن صفقة إطلاق سراح المواطنة الألمانية هيلا ميفيس التي تم اختطافها قبل أسبوعين في بغداد. فيما أعلنت قيادة عمليات بغداد، في 11 يوليو/تموز الماضي، إحباط هجوم بواسطة صواريخ كاتيوشا كان سيستهدف المنطقة الخضراء وسط بغداد.
ومنذ مطلع العام الحالي، تشير أرقام وزارة الداخلية العراقية إلى تنفيذ 69 هجوماً صاروخياً على مصالح وأهداف أميركية، وفقاً لمسؤول عراقي رفيع، قال في حديث لـ"العربي الجديد" إنه حتى المجموعة المتهمة بقصف موقع البرجسية في البصرة، والذي استهدف شركة نفط أميركية في إبريل/نيسان الماضي، وعددهم ثلاثة، تم إطلاق سراحهم وفك حجز السيارة التي نقلت منصة الصواريخ أيضاً. ولفت المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن أياً من لجان التحقيق التي شُكّلت لم تنتهِ إلى نتائج، وأبرزها تسع لجان برئاسة ألوية وعمداء في الجيش باتت شبه ميتة، منها لجان تحقيق في الهجوم على معسكر التاجي في 11 مارس/آذار الماضي، وهجوم على قاعدة "كيوان" في كركوك، وهجوم على السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء مطلع يونيو/حزيران الماضي، وهجوم مطار بغداد، وهجوم قاعدة بلد شمالي بغداد.

مسؤول عراقي: المهاجمون منتسبون بصورة نظامية لهيئة الحشد الشعبي، ويستخدمون الهويات الصادرة عن رئاسة الوزراء
 


وحول سبب ذلك، أكد المسؤول أن "المهاجمين منتسبون بصورة نظامية لهيئة الحشد الشعبي، ويستخدمون الهويات الصادرة عن رئاسة الوزراء العراقية، إضافة إلى استعمالهم سيارات حكومية لا تخضع للتفتيش في النقاط الأمنية المنتشرة، سواء في بغداد أو المحافظات الأخرى"، مبيناً أن "رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي يوعز بشكل متواصل إلى التشكيلات الأمنية بعدم التردد في اعتقال من يثبت تورطه أو المشتبه بهم، ولكن القوات العراقية لا تتوصل إلى أي نتيجة وذلك لصعوبة التعرف على المنفذين طالما أنهم منسجمون مع القوات النظامية"، في إشارة إلى "الحشد الشعبي".
ولفت إلى أن "المتهم بضرب القواعد العسكرية والمعسكرات التي تستضيف القوات الأميركية، هو الفصائل المسلحة التي تُعرف بـ"الولائية" وتمتلك صفة داخل الحشد، وأبرزها كتائب حزب الله والنجباء والعصائب والإمام علي وكتائب سيد الشهداء، وبعض هذه الفصائل أسست فصائل جديدة مجهولة العناصر والمقرات، خرجت من ثوب الفصائل القديمة، في سبيل مواصلة الهجمات على الأميركيين، وقادة الفصائل المعروفون لا يتعاونون مع الحكومة العراقية في الكشف عن معلومات، ويكتفون بالتأكيد زوراً أنهم لا يعرفون أي شيء عن الفصائل الجديدة".

إلا أن "الحشد الشعبي" يدفع التهم التي تلاحقه بالقول إنه "جزء من الدولة"، بحسب المتحدث الرسمي باسم حركة "أنصار الله الأوفياء" التابعة لـ"الحشد"، عادل الكرعاوي، الذي أشار، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحشد الشعبي كمؤسسة عسكرية خاضعة للقانون العراقي لا علاقة له بالهجمات على الأميركيين سواء في المنطقة الخضراء أو المعسكرات". وتابع أن "وجود القوات الأميركية مرفوض على المستوى السيادي والسياسي والعسكري، وهناك شرائح كبيرة من المجتمع العراقي تؤمن بمقاومة المحتلين، وبالتالي قد تكون الجماعات التي تقصف الأميركيين تنطلق من رحم الانتفاضة الجماهيرية ضد الاحتلال".
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، كاطع الركابي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة العراقية لا تُشرك اللجان البرلمانية في لجان التحقيق الخاصة باستهداف القوات الأميركية، لأنها من اختصاص الجهات التنفيذية وليس التشريعية. ولكن بطبيعة الحال نحن نرى أن اللجان التي تشكلها الحكومة غير شفافة ولا تلتزم بالضوابط القانونية لجهة العمل ومدة البحث والاستقصاء وعرض النتائج حتى وإن كانت سلبية". ولفت إلى أن "هذه اللجان يجب عليها إعلان النتائج التي تصل إليها، حتى وإن كانت تتضمن تقصيراً من قِبل القوات الأمنية العراقية، وذلك من منطلق مسؤوليتها، كما أن ما يعيب هذه اللجان أنها تتضمّن في أحيان كثيرة شخصيات غير مهنية وليست مختصة بالجانب الأمني والبحثي، إضافة إلى أن الحكومة والمسؤولين عن هذه اللجان لا يستمرون في متابعة مجريات البحث، وبالتالي ينتهي الملف ويُنسى من دون أن يعرف الشعب العراقي ما تتوصل إليه هذه اللجان".

عضو بلجنة الأمن البرلمانية: لجان التحقيق التي تشكلها الحكومة غير شفافة ولا تلتزم بالضوابط القانونية لجهة العمل
 


أما الباحث والمحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي فرأى أن "الخلل ليس في اللجان التي تشكلها الحكومة، إنما في الجهات التي تقف وراء منفذي الهجمات على الأميركيين والمعسكرات العراقية، كونهم تابعين للأحزاب وأجنحتها المسلحة التي تمتلك كل جوانب القوة والاستمكان عسكرياً وسياسياً"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الدولة العراقية عاجزة أمام هذه الأحزاب القوية، ولن تتمكن من اعتقال أي عنصر من عناصر هذه الجماعات".
من جهته، رأى الخبير القانوني العراقي طارق حرب، أن "لجان التحقيق التي يتم تشكيلها، سواء من الحكومة أو البرلمان، من أساسيات عملها وضع جدول زمني لتحقيق هدفها، لذلك فإن عملها هو سباق مع الزمن من أجل التوصل إلى الجناة، أياً كانت مناصبهم أو أشكالهم أو دوافعهم، وهذا الأمر هو أبرز ما تفشل فيه لجان التحقيق في العراق، كما أنها تفشل في إعلان النتائج التي ينتظرها الشعب"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "غالبية اللجان التحقيقية في العراق لم تحقق شيئاً، لأنها محكومة بالتأثيرات السياسية".