أخذ الأفراد على عاتقهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تحديث الشعارات التقليدية، بما يتناسب مع التطلُّع تلقائياً إلى صياغة عالم جديد، موجز وسريع، وهو تطلُّع مشروع، لكنه شبه مستحيل، فالشعارات بطل زمانها، مع هذا أعظم المشاريع بدأ بخطوة على طريق طويل جداً... حسناً جاء زمان "الهاشتاغ".
تنبهّت حكومات الأنظمة الشمولية وغير الشمولية إلى هذا الطموح، ونشطت في الهيمنة عليه، ضمن خطّة لا تدع البراءة للبراءة، ولا التواصل للتواصل، فالبشر إذا تحرّروا من القيود، لا يؤمن لهم؛ الاحتجاجات تنغل في الأرض، وقد تتحوّل إلى انتفاضات، فلم يستعص عليها الفضاء، بعدما أصبح مباحاً. أثبتت في الربيع العربي، أنها كانت أداة مساعدة لعبت دورها بكفاءة، وما زالت. لذلك نشأت الحاجة إلى السيطرة على عالم الافتراض، لئلا يفلت من الرقابة.
لا تأتي الأنظمة متأخّرة إلى هذا الحقل الملغوم بالحريات، فالأنظمة القمعية أوّل من يحس بالخطر، ما دفعها إلى تجهيز غرف عمليات، مهمّتها التشويش والدعاية، وبذر الشكوك وترويج الأكاذيب، والإساءة إلى المطالبين بالحرية، وكانت إحدى مهمّاتها العاجلة تسخيف الربيع العربي، والترويج لكل ما هو ملعون في عرف البشر؛ فالحكومات لا تدع الشعوب تبسط أفكارها وأمزجتها حتى افتراضياً، فجهّزت "جيوشها" الإلكترونية، وأسندت إلى الذباب الإلكتروني المهام القذرة.
دخول الأنظمة إلى الفضاء، كان على أمل نشر ما يمثّل سياسة الدولة على أساس أنها تطلُّعات الشعب. المشكلة التي واجهتها أن الدعاية لن تزيد عن "هاشتاغ" من بضع كلمات، لا يعمّر أكثر من ساعات، مهما توفّر له من ذباب الكتروني يُسوّق آلاف التغريدات، ويحصد مثلها من الإعجاب المفبرك. هذا ما اضطرها إلى التأقلم مع هذا التغيير، وكان في تقزيم الشعار إلى "هاشتاغ"، إدراكٌ لتقلّبات عصر سريع التحوُّلات، والأخذ بالاعتبار قرّاء لا يقرؤون، يحلو لهم التسكّع على صفحات الفيسبوك والتويتر والإنستغرام... يلمّون بالسياسة والثقافة والمنوّعات، من خلال عناوين من بضع كلمات، بالتالي لا يعيش الشعار أكثر من يوم أو يومين، ثم يتبخّر في الفضاء الافتراضي.
أخذ الشعار شكل "الهاشتاغ"، من دون مضمونه العابث، إنه موجه، فالأنظمة تعتني بالإملاءات، ويتميز بالتركيز، متوخياً عدم تشتيت انتباه الشعب عن المهام الا التي يراد السير عليها؛ قومية او وطنية، اقتصادية، روحية، وربما عاطفية، تحققت الأخيرة على الرغم من غرابتها، بالتركيز على محبة الرئيس. الأغرب، أنها كانت تجربة لم يبتدعها الفضاء الالكتروني، وإنما الفضاء الواقعي، وظهر تأثيرها الملموس على الأرض.
أما الشعار فهو: "منحبك"، الذي نجح في ما أخفقت فيه الشعارات القومية والوطنية، بسبب طبيعته، الأشبه ببوح عاطفي بين اثنين الشعب والرئيس، ظهر على اللافتات كشعار شعبي، جرت صياغته كـ"هاشتاغ"، قبل انتشاره، تميز عنه، فكان نوعياً، موجزاً بكلمة واحدة، لم تكن "أحبوني" بل "منحبك" وهذا اقصى ما وصلت إليه بلاغة الشعارات، أما الابتكار الفارق، فالزعم بأن تعميمه كان من الأفراد، لأن المخابرات عملت حساباتها، وصممته على أساس أنه طالع من تحت، وليس نازلاً من فوق.
ما سبق من فذلكة، لا تخلو من سخرية مرة، نابعة من قسوة أقدارنا السياسية، فالتزلف للرئاسة بهذا الشعار، لا يخلو من خدعة، من ناحية اعتقاد الرئيس أنه محبوب فعلاً، والموالون يكرسونها بعواطفهم الجياشة، بينما هي صناعة مخابراتية. وإذا كان الرئيس يربح من عدة نواحي، فالأجهزة تقوم بعملها، والشعب يعتقد أن مردود الحب سيفيض عليه، بينما الموالون يزدادون عمى، ففي الشوارع عند التعبير عن مشاعرها، لا يمكن التمييز بين الانتصارات والهزائم، طالما أن حلقات الدبكة تعقد للاحتفاء بالنصر والهزيمة على السواء.