من كارلوس غصن إلى هيروتو سايكاوا، دخلت شركة "نيسان"، واحدة من كبريات شركات إنتاج السيارات حول العالم، في عالم الفضائح المالية الدسمة. ملفات تلاحق الإدارة المركزية للشركة منذ نهاية العام الماضي، محاكمات قضائية واحتجاز في قضايا تبدأ باستغلال المنصب، وتصل إلى حد الاختلاس.
ما الذي يدور في كواليس الشركة اليابانية؟ وكيف تؤثر الملفات المالية على أرباح "نيسان"؟
نبدأ من آخر فضائح نيسان. هيروتو سايكاوا. اسم تردد خلال الأشهر الماضية باعتباره رمزاً للانقلاب على كارلوس غصن وفضح ملفات تتهمه بالفساد. وهو اسم أصبح اليوم على كل لسان.
سايكاوا متهم بارتكاب مخالفات مالية ستطيح به من موقع المدير التنفيذي لمجموعة نيسان، في اجتماع لمجلس إدارة الشركة سيُعقد الإثنين المقبل. وسيخلفه في المنصب ذاته، رئيس العمليات الحالي ياسوشيرو ياماوشي.
تقول وسائل الإعلام اليابانية أن سايكاوا مشتبه بإضافة مبلغ 47 مليون ين (440 ألف دولار) لمكافأته من خلال تغيير شروط المكافأة.
وقال عضو آخر في المجلس وهو موتو ناغاي إن ما فعله سايكاوا "ليس أمرا غير قانوني"، ولكن "كان يجب ألا يحول أجزاء من مكافأته إلى مدير تنفيذي آخر". وأضاف: "في نهاية المطاف فإن العملية التي كان يجب أن ينفذها المدير التنفيذي أوكلت لآخرين وهو ما يمثل انتهاكاً للقوانين".
وكان سايكاوا استبق الأمور واعترف علنا الأسبوع الماضي بأنه استفاد في السابق من مكافأة تتجاوز المبالغ التي يحق له الحصول عليها، عبر هذه الإجراءات التحفيزية. وقد اعتذر
باقتضاب "على الاضطراب الذي سببه" وأكد أنه ينوي إعادة المبالغ التي تلقاها بدون حق.
حاول سايكاوا تبرير حصوله على هذه المكافأة، بإلقاء اللوم على "النظام الذي أقيم في إدارة غصن" واستفاد منه رغما عنه، على حد تعبيره.
لكن غريغ كيلي المساعد السابق لغصن قال إن سايكاوا تعمد تأجيل موعد تنفيذ نظام "حقوق تقييم الأسهم" في أيار/مايو 2013، مما سمح له بتضخيم مكافأته مع زيادة أسعار أسهم نيسان بنسبة عشرة في المائة.
ويواجه سايكاوا (65 عاماً) وضعاً صعباً منذ أشهر. فالمساهمون في "نيسان" يطالبون برحيله بسبب ارتباطه الوثيق بغصن الذي تمتع بحمايته لفترة طويلة، ويدين له بتعيينه مديراً عاماً للمجموعة في 2017. وكان قد وعد في حزيران/يونيو بالاستعداد لمغادرة منصبه في أسرع وقت ممكن.
إلى قضية أخرى، ترتبط هذه المرة وفق ما ذكرت وكالة الأنباء المالية بلومبرغ الجمعة، بكريستيان موراي، المسؤولة في المجموعة عن قسم "احترام القواعد الأخلاقية والتحقيقات الداخلية"، التي تواجه اتهامات لم يتم الإفصاح عنها حتى الآن. وردا على سؤال لفرانس برس رفضت "نيسان" الإدلاء بأي تعليق. ومن المتوقع أن تستقيل موراي خلال الفترة المقبلة أيضاً.
ماذا عن قضية كارلوس غصن؟
تأتي هذه القضايا، بعدما تفجّرت في نهاية العام الماضي فضيحة كارلوس غصن. واكتسب غصن البالغ من العمر 64 عاماً شهرة بعد إعادة هيكلته مجموعتي "رينو" و"نيسان" منذ نهاية التسعينيات، عندما هبّت "رينو" لنجدة مصنع السيارات الياباني عام 1999 وكلفت غصن خفض التكلفة والوظائف في عملية ضخمة لإعادة هيكلة الشركة.
وكان غصن يتولّى منصب رئيس مجلس إدارة "نيسان" والرئيس التنفيذي لشركة "رينو"، كما كان يقود التحالف بين "نيسان" و"رينو" و"ميتسوبيشي".
ويواجه غصن العديد من الاتهامات بحسب وسائل إعلام يابانية، أولها أنه قلّل بيانات دخله بنحو 71 مليون دولار. كما يشتبه أيضاً بأن غصن لم يبلغ عن تحقيق أرباح بقيمة 4 مليارات ين من خلال حقوق ارتفاع قيمة الأسهم، وهي طريقة تمنح الشركات مكافأة على الأرباح القوية.
وكذا، ذكرت صحيفة ماينشيني شيمبون أن غصن استخدم أموالا لنيسان لدفع تبرع لجامعة ابنته، كما أجرى رحلات عائلية من أموال الشركة.
كما أفادت صحيفة "أساهي شيمبون" اليابانية بأن غصن حَمّل خسائر استثمارات شخصية تكبدها إبان الأزمة المالية في 2008 لشركة صناعة السيارات، كي لا يمنى هو نفسه بخسائر بحوالي 15 مليون دولار.
وأيضاً، أعلن التلفزيون الياباني الرسمي "إن إتش كي" أن نيسان دفعت "أموالا هائلة" لتزويد غصن بمنازل فخمة في ريو دي جانيرو وبيروت وباريس وأمستردام بدون "وجود أي مبرر مشروع يتعلق بالأعمال".
وأشارت صحيفة "نيكاي" الاقتصادية عن مصادر يابانية إلى أن كارلوس غصن دفع لاثنين آخرين من معارفه في لبنان وسلطنة عمان 48 مليون دولار من أموال شركة "نيسان".
وأعلنت "فرانس برس" أيضاً، أنها تمتلك وثائق تؤكد أن مديرة تنفيذية لدى شركة "رينو" الفرنسية كانت مقربة من كارلوس غصن، حصلت على دفعات بلغ مجموعها قرابة 500 ألف يورو (580 ألف دولار)، إضافة إلى راتبها على مدى سنوات من أموال "نيسان".
كذا، اتهمت مجموعة "نيسان" اليابانية غصن بتلقي نحو 8 ملايين يورو كـ"دفعات مخالفة للأصول"، من شركة مقرها هولندا، مهددة بملاحقات لاستعادة الأموال.
وتم احتجاز غصن من 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 حتى مارس/ آذار 2019، وخرج من سجنه بعدما دفع كفالة بقيمة 8.9 ملايين دولار. ليعود ويدخل بقرارات قضائية، وصولاً إلى أبريل/ نيسان الماضي، حين خرج بعد دفعه كفالة مالية ثانية تبلغ 500 مليون ين (4.4 ملايين دولار)، مع إرجاء محاكمته من أيلول/سبتمبر، إلى العام 2020.
كيف أثرت الفضائح على إيرادات "نيسان"؟
عكست نتائج "نيسان" المالية أزماتها وفضائحها. فقد شهدت تراجعاً كبيراً في أرباحها خلال الفصل الأول من العام الحالي بنحو 90 في المائة، وهو أحد أسوأ الفصول أداءً للشركة منذ عشر سنوات.
وبدأت عملية إعادة هيكلة عميقة لأداتها الصناعية تشمل إلغاء 12 ألفا و500 وظيفة في العالم حتى العام 2023. وتسعى "رينو" و"نيسان" أيضا إلى إعادة تعزيز التحالف بينهما الذي اهتز منذ إقالة كارلوس غصن الذي كان عماده.
وتملك رينو التي يعود 15 في المائة من رأسمالها إلى الدولة الفرنسية، 43 بالمئة من "نيسان"، بينما تملك المجموعة اليابانية 15 في المائة من حليفتها الفرنسية.
ويمكن أن تسمح إعادة ترتيب هذا التحالف بإحياء مشروع اندماج بين "رينو" و"فيات كريسلر" الذي أحبط في بداية حزيران/يونيو، بسبب تحفظات "نيسان" والدولة الفرنسية الحريصتين على إعادة بناء العلاقات مع اليابانيين أولا.
وشهدت أرباح شركة "رينو" تراجعًا خلال الأشهر الستة الأولى من 2019، وذلك بعد تضررها من تراجع إيرادات حصتها في "نيسان". وبلغ صافي الربح 2.28 مليار دولار حتى حزيران/ يونيو الماضي.