09 نوفمبر 2024
فعلها ترامب
أعاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تركيز دور بلاده في العالم، في سعيه إلى "أميركا عظيمة". 59 صاروخاً من نوع "توماهوك" على مطار الشعيرات، شرقي حمص السورية، كانت كفيلة بتأييد أغلبية دول الكوكب الإدارة الأميركية الجديدة. أعلن ترامب عن وجوده بهذه الضربات، معيداً "الهيبة" الأميركية إلى الساحة الدولية، الهيبة التي سقطت بفعل تردّد سلفه باراك أوباما.
قبل إتمام المائة يوم الأولى في عهده، كشف ترامب عن نياته السورية. يريد التفاوض هناك مع الروس، لا مع غيرهم. ضرب مطار الشعيرات يُمكن وصفه بأنه خطوة شبيهة بقصف بارجة نيوجيرسي الأميركية مواقع في لبنان، في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990). مع فارق أن الضربة التي حصلت عام 1983 لم تؤدِّ إلى فعل عسكري محدّد، بل أفسحت المجال أمام قيام محاولات سياسية لإنهاء الحرب في البلاد. لم ينسّق الأميركيون في حينه مع أحد، ما أجّج نيران الحرب اللبنانية، أما أمس، فإن غارات ترامب من المفترض أن تفضي إلى تسريع الجهود السياسية في سورية.
وفقاً لكرونولوجيا الضربات الأميركية، فإن ترامب أبلغ الروس والإسرائيليين ومعظم دول الغرب بالضربة. لا الروس حرّكوا منظومة "إس 300"، ولا ترامب قصف أماكن وجود القوات الروسية في الشعيرات. كل شيء بدا "مرسوماً" بين الفريقين، فالرئيس الأميركي سبق له أن أكد "عدم نيته مواجهة روسيا، بل التعاون معها". كما أن الردّ الفعل الروسي تجلّى في عبارة للكرملين سبقت الضربات، جاء فيها إن "دعم موسكو بشار الأسد ليس غير مشروط".
بهذه الضربات، أفهم الأميركيون الجميع، خصوصاً إيران ودول الجوار السوري، أن "القرار في سورية يعود للأميركيين وللروس". بالتالي، ستتخذ المفاوضات السياسية منحىً أكثر ليونةً من كل الأطراف السورية، في سبيل الوصول إلى حلّ سياسي، بحسب النظرة الأميركية ـ الروسية المشتركة سورياً. ما سيؤدي إلى تراجع ميداني مفترض، لكل القوى العسكرية غير المحسوبة على الروس أو الأميركيين، ويقطع الطريق على نوايا "الحشد الشعبي" العراقي مواصلة الطريق إلى سورية، حسبما أعلن مسؤولوه في وقتٍ سابق، بعد "تحرير الموصل العراقية من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". ومن المفترض أن يلي تلك الضربات تنسيق ميداني بين الروس والأميركيين في معركة الرقة المرتقبة.
ثنائية أميركا ـ روسيا في سورية ستكون أساس التعاون المشترك عالمياً، من سورية إلى كوريا الشمالية وبحر الصين الجنوبي وأوكرانيا وأفغانستان وإيران واليمن وغيرها. استعاد البلدان لغة الثنائية القطبية، في ظلّ تضعضع الهيكل الأوروبي، ومنعاً لبروز قوى أخرى كالصين مثلاً. أما العتب المتبادل فليس سوى أداة أساسية في رفع سقف الشروط بين واشنطن وموسكو، لا يتجاوز سقفها التفاهم غير المعلن بينهما.
الأساس في سورية أن الضربات لا تهدف لا إلى دعم المعارضة السورية، ولا إلى إسقاط النظام السوري، بل إلى ترسيخ النفوذ الأميركي، تماماً كما حصل في العام 2015 حين قصف الجيش الروسي من بحر قزوين 24 صاروخاً في سورية، معلناً أنه "سيد المنطقة الممتدة من بحر قزوين إلى البحر المتوسط"، شاملاً إيران وتركيا والعراق وسورية ولبنان. ترامب فعل الأمر نفسه، للقول إن في سورية سيدين لا ثالث لهما: هو وفلاديمير بوتين.
ليست الصواريخ الـ59 مجرد أدوات لقصفٍ محدود في سورية فقط، بل رسالة تفيد بأن أميركا ـ باراك أوباما انتهت إلى لا رجعة، وأن أميركا ـ دونالد ترامب تعمل وفقاً لشعار "أميركا أولاً". ترامب رجل أعمال أولاً وأخيراً، لا يهمه ما يحصل خارج الولايات المتحدة إلا في سياق انعكاسه على الداخل، وعلى المنظومة الاقتصادية التي يعمل على تغييرها. كما كسب معركته الخاصة في الكونغرس وداخل حزبه الجمهوري. هو ليس ملاكاً مرسلاً، فمرسوم الهجرة ضد ست دول إسلامية ما زال "صامداً".
قبل إتمام المائة يوم الأولى في عهده، كشف ترامب عن نياته السورية. يريد التفاوض هناك مع الروس، لا مع غيرهم. ضرب مطار الشعيرات يُمكن وصفه بأنه خطوة شبيهة بقصف بارجة نيوجيرسي الأميركية مواقع في لبنان، في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990). مع فارق أن الضربة التي حصلت عام 1983 لم تؤدِّ إلى فعل عسكري محدّد، بل أفسحت المجال أمام قيام محاولات سياسية لإنهاء الحرب في البلاد. لم ينسّق الأميركيون في حينه مع أحد، ما أجّج نيران الحرب اللبنانية، أما أمس، فإن غارات ترامب من المفترض أن تفضي إلى تسريع الجهود السياسية في سورية.
وفقاً لكرونولوجيا الضربات الأميركية، فإن ترامب أبلغ الروس والإسرائيليين ومعظم دول الغرب بالضربة. لا الروس حرّكوا منظومة "إس 300"، ولا ترامب قصف أماكن وجود القوات الروسية في الشعيرات. كل شيء بدا "مرسوماً" بين الفريقين، فالرئيس الأميركي سبق له أن أكد "عدم نيته مواجهة روسيا، بل التعاون معها". كما أن الردّ الفعل الروسي تجلّى في عبارة للكرملين سبقت الضربات، جاء فيها إن "دعم موسكو بشار الأسد ليس غير مشروط".
بهذه الضربات، أفهم الأميركيون الجميع، خصوصاً إيران ودول الجوار السوري، أن "القرار في سورية يعود للأميركيين وللروس". بالتالي، ستتخذ المفاوضات السياسية منحىً أكثر ليونةً من كل الأطراف السورية، في سبيل الوصول إلى حلّ سياسي، بحسب النظرة الأميركية ـ الروسية المشتركة سورياً. ما سيؤدي إلى تراجع ميداني مفترض، لكل القوى العسكرية غير المحسوبة على الروس أو الأميركيين، ويقطع الطريق على نوايا "الحشد الشعبي" العراقي مواصلة الطريق إلى سورية، حسبما أعلن مسؤولوه في وقتٍ سابق، بعد "تحرير الموصل العراقية من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". ومن المفترض أن يلي تلك الضربات تنسيق ميداني بين الروس والأميركيين في معركة الرقة المرتقبة.
ثنائية أميركا ـ روسيا في سورية ستكون أساس التعاون المشترك عالمياً، من سورية إلى كوريا الشمالية وبحر الصين الجنوبي وأوكرانيا وأفغانستان وإيران واليمن وغيرها. استعاد البلدان لغة الثنائية القطبية، في ظلّ تضعضع الهيكل الأوروبي، ومنعاً لبروز قوى أخرى كالصين مثلاً. أما العتب المتبادل فليس سوى أداة أساسية في رفع سقف الشروط بين واشنطن وموسكو، لا يتجاوز سقفها التفاهم غير المعلن بينهما.
الأساس في سورية أن الضربات لا تهدف لا إلى دعم المعارضة السورية، ولا إلى إسقاط النظام السوري، بل إلى ترسيخ النفوذ الأميركي، تماماً كما حصل في العام 2015 حين قصف الجيش الروسي من بحر قزوين 24 صاروخاً في سورية، معلناً أنه "سيد المنطقة الممتدة من بحر قزوين إلى البحر المتوسط"، شاملاً إيران وتركيا والعراق وسورية ولبنان. ترامب فعل الأمر نفسه، للقول إن في سورية سيدين لا ثالث لهما: هو وفلاديمير بوتين.
ليست الصواريخ الـ59 مجرد أدوات لقصفٍ محدود في سورية فقط، بل رسالة تفيد بأن أميركا ـ باراك أوباما انتهت إلى لا رجعة، وأن أميركا ـ دونالد ترامب تعمل وفقاً لشعار "أميركا أولاً". ترامب رجل أعمال أولاً وأخيراً، لا يهمه ما يحصل خارج الولايات المتحدة إلا في سياق انعكاسه على الداخل، وعلى المنظومة الاقتصادية التي يعمل على تغييرها. كما كسب معركته الخاصة في الكونغرس وداخل حزبه الجمهوري. هو ليس ملاكاً مرسلاً، فمرسوم الهجرة ضد ست دول إسلامية ما زال "صامداً".