بعيونٍ أثقلها النُعاس، نصفها مُغمض، تراهم ينطلقون مع ساعات الفجر الأولى، بثيابٍ رثّة، وأيدٍ غضّة، تقبض على زوّادة طعام، تعينهم على عمل يوم شاقّ ينتظرهم، في ظل جوّ بالغ الحرارة.
هكذا يبدو المشهد لجيش من الأطفال الفلسطينيين، أعمارهم دون السابعة عشرة، بعضهم ترك مقاعد المدرسة منذ زمن، بحثاً عن أجر يُعيل عائلته، وبعضهم يستغل العطلة الصيفية للمدارس، يحشرون أنفسهم كسمكِ السردين، في حافلات تحمل ضعف حمولتها، ليُلقى بهم في مزارع المستوطنات الإسرائيلية، التي أقيمت على أرض الأغوار الفلسطينية، من البحر الميت جنوباً حتى بيسان شمالاً.
ومن مدينة جنين شمالاً في الضفة الفلسطينية المحتلة، إلى الخليل جنوباً، مروراً بطوباس ونابلس ورام الله والقدس وبيت لحم، يلتحق هؤلاء الأطفال الطلبة بسوق العمل، بصورة مخالفة لكل القوانين، وبأجرٍ زهيد يسرقه المقاول العربي، الذي يسلّمهم لقمةً سائغة للمُشغّل الإسرائيلي. بل وقد وصل الأمر بالإسرائيليين إلى انتظار الطلاب على أبواب مدارسهم لاصطحابهم للعمل بعد الظهر.
ظاهرة خطيرة
باتت تشكل هذه القضية ظاهرة خطيرة، فيما المؤسسة الرسمية الفلسطينية صامتة على هذه الجريمة التي تودي بأبنائها إلى التهلكة، وتعرّضهم للوقوع النفسي والمعنوي في المصيدة الإسرائيلية.
ويعمل الأطفال بأجر زهيد يتراوح بين 50 و75 شيقلاً في اليوم، (نحو 20 دولاراً) في ظل ظروف صعبة، وتحت درجة حرارة تتجاوز الأربعين درجة مئوية خلال فصل الصيف.
ويشير المرشد التربوي عادل عودة لـ"العربي الجديد"، إلى أن هؤلاء الأطفال دفعتهم الحاجة إلى أن يكونوا عُمّالاً في ظروف قاسية جداً، دون رقابة أو اهتمام من الجهات المعنية والمختصة، ودونما وجود خطّة وطنية لإنقاذهم من هذا المستنقع، حيث يبقى جزء كبير منهم يعمل طمعاً في المال، وبذلك يتسرّبون من المدرسة، ناهيك عن الخراب المعنوي والاجتماعي الذي يصيب نفسية الطفل والمجتمع بشكل عام، من انعكاس واقع القساوة التي يتعرض لها في سن مبكّرة، عدا عن محاولات عديدة ومتكرّرة من قبل مخابرات الاحتلال، لإسقاطهم وإيقاعهم في شباك الجوسسة والتخابر، والاتجاه إلى شرب الخمور، وتعاطي المخدّرات، بصورة تقود إلى التهلكة.
ويؤكد أن هذه المخاطر، تستدعي التدخّل من قبل الجهات الحكومية والأهلية، وكذلك مؤسسات حقوق الإنسان، ومؤسسات الأمم المتحدة، للاهتمام بهذه المشكلة، وإيجاد الحلول التي تحمي أطفالنا من الاستغلال، وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
اقــرأ أيضاً
الانخراط في أعمال خطرة
منظمة "هيومن رايتس ووتش" أوضحت، في تقرير أصدرته في 12 نيسان/أبريل 2015، أن هؤلاء الأطفال يعملون في المنتجات الزراعية التي تُصدّر للخارج، ابتداءً من الزراعة والحصاد والتغليف، مقابل أجور منخفضة، وظروف عمل خطيرة، مخالفة للمعايير الدولية، في أجواء شديدة الحرارة، ويحملون أوزاناً ثقيلةً، ويتعرّضون للمبيدات الزراعية الخطرة، ذات الآثار السمّيّة.
وقالت مديرة المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سارة ليه ويستون، "إن المستوطنات الإسرائيلية تجني الأرباح على حساب انتهاك حقوق الأطفال الفلسطينيين"، مبينةً أن الأطفال يأتون من المناطق الفقيرة، نتيجة سياسات (إسرائيل) العنصرية والاستيطانية، التي عملت على إفقار سكان تلك المناطق، الأمر الذي لا يترك للأطفال خيارات سوى ترك مدارسهم والانخراط في أعمال خطرة.
وحسب وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، فإن حجم التسرب يتفاوت في المدارس الفلسطينية من سنة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، لكن الاتجاه العام لهذه الظاهرة في تناقص؛ حيث بلغ عدد المتسربين الإجمالي 15148 طالباً وطالبة في عام 1999-2000 وانخفض إلى 9395 طالباً وطالبة في عام 2003-2004 بمعدل انخفاض 38%. بشكل عام، انخفضت معدلات التسرب من المدارس الفلسطينية من 1.8% من مجموع عدد الطلبة في عام 1999-2000 إلى 0.9% في عام 2003-2004.
اقــرأ أيضاً
نسبة التسرب
يبدو للوهلة الأولى أن معدلات التسرب في المدارس الفلسطينية منخفضة، لكن يظهر حجم المشكلة إذا نظرنا إليها من ناحية تراكمية، حيث نجد أن عدد الطلبة المتسربين قد بلغ 158 ألف طالب وطالبة خلال الفترة ما بين 1994-2004. الغالبية العظمى من الطلبة قد تسربوامن المرحلة الأساسية العليا، وبالتحديد من الصف العاشر، وتبلغ نسبة التسرب من الصف العاشر حوالي 3% من مجموع الطلبة.
وأشارت الوزارة، في صفحتها الرسمية (مسيرة التربية)، إلى أنها قامت بدعم من منظمة
اليونسيف، بتنفيذ دراسة للاطلاع على الأسباب الحقيقية لظاهرة التسرب ولتحديد الإجراءات الوقائية والعلاجية للحد من هذه الظاهرة، من خلال استطلاع رأي المتسربين أنفسهم وأولياء أمورهم. شملت العينة جميع المناطق الفلسطينية وجميع المدارس التابعة للحكومة والتابعة لوكالة غوث والتابعة للقطاع الخاص، وشملت أيضاً مدارس الذكور والإناث والمختلطة وجنس المتسربين. بلغ عدد المتسربين الذكور في العينة 902 متسرب، والإناث 908 متسربات.
ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، أن ظاهرة التسرب من النظام التعليمي لها أسباب متعددة ومتشعّبة تختلط فيها الأسباب التربوية مع الأسرية مع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.. وغيرها.
فظاهرة التسرب هي نتاج لمجموعة من الأسباب تتفاعل وتتراكم مع بعضها تصاعدياً لتدفع الطالب، وبقبول من أسرته إما برضاها أو كأمر واقع، إلى خروج الطالب من النظام التعليمي قبل الانتهاء من المرحلة التعليمية التي ابتدأ فيها.
اقــرأ أيضاً
التوقيع على مستندات
ويشير تقرير مطبوع أعدّه الباحث ماجد صبيح، وأصدره مركز الديمقراطية وحقوق العاملين في فلسطين، "إلى أن حوالي 8% من العمال بأجر في المستوطنات، تم إجبارهم على التوقيع على مستندات باللغة العبرية لا يفهم العمال محتواها. كما أن حوالي 3% من العمال أُجبرواعلى التوقيع على مستندات للتنازل عن حقوقهم أثناء عملهم في المستوطنات. وهذه الأمور قد تقود الأطفال إلى التوقيع على أمور وقضايا خطيرة، تتعلّق بالأرض ومقاومة الاحتلال".
وقال العامل (ح. ب)، 16 عاماً، الذي رفض الكشف عن اسمه: أنا ضعيف التحصيل في المدرسة وعلاماتي متدنية، وأسرتي بحاجة إلى الإعالة نظراً لأن والدي مريض ولا يقوى على الحركة، لذا تركت المدرسة لأعيل أمي وأبي وإخوتي وأخواتي. وأضاف: نحن معرّضون لأشعة الشمس في أماكن عمل مكشوفة في الحقول وكروم العنب، ونصاب بحساسية نتيجة المواد الكيماوية والمبيدات الحشرية، ونتعرّض بشكل مستمر لمخاطر مواد كيماوية قابلة للاشتعال، ومخاطر الانزلاقات، والآلات الدوّارة، والصعقات الكهربائية.
اقــرأ أيضاً
هكذا يبدو المشهد لجيش من الأطفال الفلسطينيين، أعمارهم دون السابعة عشرة، بعضهم ترك مقاعد المدرسة منذ زمن، بحثاً عن أجر يُعيل عائلته، وبعضهم يستغل العطلة الصيفية للمدارس، يحشرون أنفسهم كسمكِ السردين، في حافلات تحمل ضعف حمولتها، ليُلقى بهم في مزارع المستوطنات الإسرائيلية، التي أقيمت على أرض الأغوار الفلسطينية، من البحر الميت جنوباً حتى بيسان شمالاً.
ومن مدينة جنين شمالاً في الضفة الفلسطينية المحتلة، إلى الخليل جنوباً، مروراً بطوباس ونابلس ورام الله والقدس وبيت لحم، يلتحق هؤلاء الأطفال الطلبة بسوق العمل، بصورة مخالفة لكل القوانين، وبأجرٍ زهيد يسرقه المقاول العربي، الذي يسلّمهم لقمةً سائغة للمُشغّل الإسرائيلي. بل وقد وصل الأمر بالإسرائيليين إلى انتظار الطلاب على أبواب مدارسهم لاصطحابهم للعمل بعد الظهر.
ظاهرة خطيرة
باتت تشكل هذه القضية ظاهرة خطيرة، فيما المؤسسة الرسمية الفلسطينية صامتة على هذه الجريمة التي تودي بأبنائها إلى التهلكة، وتعرّضهم للوقوع النفسي والمعنوي في المصيدة الإسرائيلية.
ويعمل الأطفال بأجر زهيد يتراوح بين 50 و75 شيقلاً في اليوم، (نحو 20 دولاراً) في ظل ظروف صعبة، وتحت درجة حرارة تتجاوز الأربعين درجة مئوية خلال فصل الصيف.
ويشير المرشد التربوي عادل عودة لـ"العربي الجديد"، إلى أن هؤلاء الأطفال دفعتهم الحاجة إلى أن يكونوا عُمّالاً في ظروف قاسية جداً، دون رقابة أو اهتمام من الجهات المعنية والمختصة، ودونما وجود خطّة وطنية لإنقاذهم من هذا المستنقع، حيث يبقى جزء كبير منهم يعمل طمعاً في المال، وبذلك يتسرّبون من المدرسة، ناهيك عن الخراب المعنوي والاجتماعي الذي يصيب نفسية الطفل والمجتمع بشكل عام، من انعكاس واقع القساوة التي يتعرض لها في سن مبكّرة، عدا عن محاولات عديدة ومتكرّرة من قبل مخابرات الاحتلال، لإسقاطهم وإيقاعهم في شباك الجوسسة والتخابر، والاتجاه إلى شرب الخمور، وتعاطي المخدّرات، بصورة تقود إلى التهلكة.
ويؤكد أن هذه المخاطر، تستدعي التدخّل من قبل الجهات الحكومية والأهلية، وكذلك مؤسسات حقوق الإنسان، ومؤسسات الأمم المتحدة، للاهتمام بهذه المشكلة، وإيجاد الحلول التي تحمي أطفالنا من الاستغلال، وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
الانخراط في أعمال خطرة
منظمة "هيومن رايتس ووتش" أوضحت، في تقرير أصدرته في 12 نيسان/أبريل 2015، أن هؤلاء الأطفال يعملون في المنتجات الزراعية التي تُصدّر للخارج، ابتداءً من الزراعة والحصاد والتغليف، مقابل أجور منخفضة، وظروف عمل خطيرة، مخالفة للمعايير الدولية، في أجواء شديدة الحرارة، ويحملون أوزاناً ثقيلةً، ويتعرّضون للمبيدات الزراعية الخطرة، ذات الآثار السمّيّة.
وقالت مديرة المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سارة ليه ويستون، "إن المستوطنات الإسرائيلية تجني الأرباح على حساب انتهاك حقوق الأطفال الفلسطينيين"، مبينةً أن الأطفال يأتون من المناطق الفقيرة، نتيجة سياسات (إسرائيل) العنصرية والاستيطانية، التي عملت على إفقار سكان تلك المناطق، الأمر الذي لا يترك للأطفال خيارات سوى ترك مدارسهم والانخراط في أعمال خطرة.
وحسب وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، فإن حجم التسرب يتفاوت في المدارس الفلسطينية من سنة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، لكن الاتجاه العام لهذه الظاهرة في تناقص؛ حيث بلغ عدد المتسربين الإجمالي 15148 طالباً وطالبة في عام 1999-2000 وانخفض إلى 9395 طالباً وطالبة في عام 2003-2004 بمعدل انخفاض 38%. بشكل عام، انخفضت معدلات التسرب من المدارس الفلسطينية من 1.8% من مجموع عدد الطلبة في عام 1999-2000 إلى 0.9% في عام 2003-2004.
نسبة التسرب
يبدو للوهلة الأولى أن معدلات التسرب في المدارس الفلسطينية منخفضة، لكن يظهر حجم المشكلة إذا نظرنا إليها من ناحية تراكمية، حيث نجد أن عدد الطلبة المتسربين قد بلغ 158 ألف طالب وطالبة خلال الفترة ما بين 1994-2004. الغالبية العظمى من الطلبة قد تسربوامن المرحلة الأساسية العليا، وبالتحديد من الصف العاشر، وتبلغ نسبة التسرب من الصف العاشر حوالي 3% من مجموع الطلبة.
وأشارت الوزارة، في صفحتها الرسمية (مسيرة التربية)، إلى أنها قامت بدعم من منظمة
ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، أن ظاهرة التسرب من النظام التعليمي لها أسباب متعددة ومتشعّبة تختلط فيها الأسباب التربوية مع الأسرية مع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.. وغيرها.
فظاهرة التسرب هي نتاج لمجموعة من الأسباب تتفاعل وتتراكم مع بعضها تصاعدياً لتدفع الطالب، وبقبول من أسرته إما برضاها أو كأمر واقع، إلى خروج الطالب من النظام التعليمي قبل الانتهاء من المرحلة التعليمية التي ابتدأ فيها.
التوقيع على مستندات
ويشير تقرير مطبوع أعدّه الباحث ماجد صبيح، وأصدره مركز الديمقراطية وحقوق العاملين في فلسطين، "إلى أن حوالي 8% من العمال بأجر في المستوطنات، تم إجبارهم على التوقيع على مستندات باللغة العبرية لا يفهم العمال محتواها. كما أن حوالي 3% من العمال أُجبرواعلى التوقيع على مستندات للتنازل عن حقوقهم أثناء عملهم في المستوطنات. وهذه الأمور قد تقود الأطفال إلى التوقيع على أمور وقضايا خطيرة، تتعلّق بالأرض ومقاومة الاحتلال".
وقال العامل (ح. ب)، 16 عاماً، الذي رفض الكشف عن اسمه: أنا ضعيف التحصيل في المدرسة وعلاماتي متدنية، وأسرتي بحاجة إلى الإعالة نظراً لأن والدي مريض ولا يقوى على الحركة، لذا تركت المدرسة لأعيل أمي وأبي وإخوتي وأخواتي. وأضاف: نحن معرّضون لأشعة الشمس في أماكن عمل مكشوفة في الحقول وكروم العنب، ونصاب بحساسية نتيجة المواد الكيماوية والمبيدات الحشرية، ونتعرّض بشكل مستمر لمخاطر مواد كيماوية قابلة للاشتعال، ومخاطر الانزلاقات، والآلات الدوّارة، والصعقات الكهربائية.