الحصول على براءة اختراع لمشروع تخرجه، هو الحلم الذي يرنو إليه عنان دار عيسى بجهوده الفردية، إلا أنه لم يلق حتى الآن إلا أبواب موصدة، وهو ما يلقاه عادة المخترعون الناشئون في فلسطين.
عنان قدم في مشروع تخرجه من جامعة بيرزيت اختراع "زراع آلي" يقوم بعدة وظائف خلال خطوة واحدة، تبدأ بالحراثة ثم تسوية التربة، حفرها، ثم رشها البذور حتى دفنها، لتصبح عملية زراعة دونم من الأرض تستغرق 40 دقيقة فقط بدلاً من 24 ساعة متواصلة.
اختراع "الزراع الآلي" جاء بعد دراسة حاجة قطاع الزراعي الذي بات يهجره الشبان؛ حيث يبلغ متوسط عمر من يعمل بالزراعة في فلسطين 53 عاماً. فيقول عنان إن ما يميز اختراعه أنه يمكن تغير قوالب البذور فيه والتحكم بالمسافة بين البذور وعمقها، وهو غير موجود في الآلات الأخرى.
بعد عام من العمل المتواصل على "الزراع الآلي" يسعى عنان للوصول إلى جهة تتبنى اختراعه وتساعده في تطويره وإدخاله إلى السوق حتى يتمكن فيما بعد من تسجيله كبراءة اختراع. يعلق: "لم أتلق أي اتصال حتى الآن، الاختراع مهمش ولم يهتم به أحد كما يجب رغم أهميته؛ حيث إنه يعتبر مصنعاً صغيراً، يمكن أن يعود بدخل عال إذا تم استغلاله".
وخلافاً لعنان، فقد نال أحمد سجدية اهتماماً من وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، لما تضمنه مشروع تخرجه من تطبيق ليد اصطناعية عوضاً عن يده التي فقدها إثر إصابته برصاص الاحتلال، إلا أنه يعتبر ما حصل عليه من اهتمام إعلامي "نفخ في قربة مثقوبة".
يبين أحمد أن الاستمرار في تطوير مشروعه بحاجة لطاقم وجهة تتبناه وترعاه، حيث إنه بحاجة لتعديل على شكله الخارجي ليصبح متناسباً مع الجسد، وذلك بزراعة أنسجة جلدية تغطيه.
ويتمنى أن ينال فرصة تدريب في أحد معامل الأطراف الصناعية في العالم، ويعود وينشئ معملاً خاصاً يوفر أطرافاً صناعية بأسعار مقبولة وجودة منافسة. إلا أنه يعلق: "أشعر اليوم بالإحباط واليأس كما تدمرت معنوياتي بعد أن تم تهميش مشروعي. سأسعى الآن للبحث عن فرصة عمل في إحدى الشركات وربما أستطيع العودة للمشروع وتطويره يوما ما".
وفي اختراع آخر، يعمل على تدوير الورق وتحويله إلى كراتين لحفظ البيض، شارك مهند العاروري وزميله علاء بزور في معرض لدول العربية في الأردن، ليكون مشروعهم من المشاريع المنافسة والمميزة، إلا أنه تم إقصاؤه بذريعة عدم قدرة الشركات العربية الاستثمار في فلسطين.
أما محلياً، فيؤكد مهند، أنه المشروع لم يلق أي اهتمام، فيما لم يتلق وزميله أي اتصال تشجيعي، رغم حاجة السوق الفلسطيني لهذا الاختراع، خصوصاً أنه يتم استيراد كراتين حفظ البيض من "إسرائيل".
لم يفقد مهند الأمل بتطوير اختراعه الذي يعتبر الأول في فلسطين، وتحويله إلى مشروع استثماري: "سنعتمد على أنفسنا ونقوم بتطويره وتشغيله كخط إنتاج وإدخاله إلى السوق، وما إن نحقق ذلك سنبدأ بإضافة خطوط إنتاج إضافية"، مؤكداً على أنه لن يتخلى عن مشروعه وسيحققه على أرض الواقع.
الدكتور سامح أبو عواد من دائرة الهندسة الميكانيكية والميكاترونكس في جامعة بيرزيت، يبين أن خريجي الدائرة ينتجون سنوياً 15 مشروعاً يكون بالعادة تطبيقات علمية مميزة، وأخرى يسجل لها براءة اختراع.
رغم الكم الهائل الذي ينتجه الطلبة سنوياً من اختراعات وتطبيقات علمية، إلا أنها لم تضف شيئاً حتى الآن للمجتمع الفلسطيني، فيما بدأت الجامعات بخطوات متأخرة بالتنسيق مع الشركات، وقد نجح الطلبة بإيجاد حلول لبعض الشركات. ويبين سامح أن التوجه الحالي يتمحور حول إيجاد حلول للمشاكل التقنية التي تواجه تلك الشركات، إلا أن ذلك يتطلب دعماً وثقة أكبر بالطلبة، خصوصاً أن العائد المادي للطلبة حالياً يغطي تكاليف مواد.
ويقول سامح: "عندما يكون تشجيع للطلبة ومدرسيهم، يصبح هناك حافز أكبر للعمل، خاصة أن كل مشروع يستنزف من وقت الطلاب والمشرفين وجهودهم وأفكارهم"، مبيناً أن مشاريع الطلبة تشارك سنوياً في معارض ومؤتمرات تتميز فيها، تحصد العديد من الجوائز والدعم المعنوي، فيما انعدام الدعم المادي هو العائق الرئيس.
وما إن يتخرج الطالب حتى يقف وحيداً بمشروع تخرجه في ظل عدم تقبله في السوق المحلي، فيما تقف الجامعة مكتوفة الأيدي لا تقدم شيئاً. فيؤكد سامح أن مشاريع التخرج تقف مكانها دون أن يتم تطويرها: "يجب أن يعاد طرح المشاريع في الأعوام القادمة بحيث يتم إكمال المشروع من النقطة التي انتهى عندها صاحبها".
ويحمل سامح الطلبة مسؤولية التمسك بمشاريعهم بتطويرها وإقناع السوق فيها: "عادةً، ينضم الطلبة لسوق العمل وينسون مشاريع تخرجهم، رغم أن هذه المشاريع يجب أن تكون شغفاً للطالب يتمسك به حتى بعد تخرجه، يرجع إليها يطورها ويحسنها ويستغلها كاستثمار".
في ظل ما يعانيه المخترعون الناشئون في فلسطين من تهميش وإقصاء، ارتفع عدد طلبة الهندسة الميكانيكية والميكاترونكس المهاجرين أكثر من 60٪، حيث يستقطبهم السوق الخليجي بالعادة، فيما 20٪ منهم يتوجهون للدول الغربية لإتمام الدراسات العليا، أما فلسطين فتحظى بـ 20٪ منهم فقط، يحصلون على وظائف عادية في الشركات المحلية.