تتكاتف جهود عدد من المثقّفين وعلماء الآثار المصريين، في محاولات جادة لإعادة إحياء فنار الإسكندرية القديم، أحد عجائب الدنيا السبع في نفس موقعه الأصلي بالمدينة، بعد اندثاره، وسط تزايد المخاوف من تعرض فنار المكس الأثري هو الآخر للعديد من مظاهر الإهمال والتعديات والعشوائيات التي تهدد باختفائه. وأطلق مجموعة من الشباب والنشطاء، حملةً على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تدعو الجهات المعنية لإعادة بناء الفنار القديم على نفس شاكلته القديمة. ونشر الوعي حول أهميته الأثرية والحضارية والاهتمام بالمنارة العتيقة بمنطفة المكس، باعتبارهما رمزاً للمدينة وملكاً وتراثاً للإنسانية، وليست للمصريين فقط.
وأُنشِئ فنار الإسكندرية القديم في العام 280 قبل الميلاد، في عصر بطليموس الثاني، وبناه المعماري الإغريقي، سوستراتوس، وبلغ طوله أكثر من مائة وثلاثين متراً، قبل أن يُدمَّر بفعل زلزال قوي في عام 1303، إذ ضرب الزلزال شرق البحر المتوسط، ودمر حصون الإسكندرية وأسوارها ومنارتها، وفي عام 1477، عندما زار السلطان، الأشرف قايتباي، الإسكندرية، أمر ببناء برج جديد مكان الفنار، وهو ما عُرف فيما بعد بقلعة قايتباي، القائمة حتى الآن.
بينما أنشِئ فنار المكس في عهد أسرة محمد علي، وتمَّ تجديده أكثر من مرة بهدف استخدامه في نهضة ملاحيّة كبيرة، وبخاصةً أنّه يتميّز على بقية فنارات العالم، من حيث الموقع والبناء.
مُنَسِّق الحركة المصريّة للحفاظ على التراث، الدكتور، محمد سراج، أكَّد تزايد مطالب المثقّفين وعلماء الآثار بالاهتمام بآثار وتراث محافظة الإسكندرية، وبخاصة فناري الإسكندرية والمكس، وإحياءَهما وإعادة تشغيلهما، لما لهما من أهميّة تاريخيّة وتراثية للإنسانية، وليست للمصريين فقط، مطالباً بالإعلان عن مناقصة عالمية للاستفادة من الفنارين سياحياً، خاصة أنهما يتمتّعان بموقعين سياحيين عالميين.
وأكَّد أنّ الاهتمام ببناء وإحياء فناري الإسكندرية مرة أخرى، سيؤدِّي إلى تنشيط السياحة، وجلب المزيد من الزائرين إلى المحافظة، في وقتٍ تتزايد فيه حاجة مصر إلى دعم وتشجيع السياحة بعد الأزمات التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، وما تبعها من تعثُّرات وأزمات اقتصادية لم تتمكّن من التغلب عليها حتى الآن.
وقال الباحث وكبير المرشدين السياحيين، منصور عزام، إنه تم تدشين حملة لإلقاء الضوء على الآثار المهمة التي تعرضت للهدم أو للاندثار، وتبنّي مشروع قومي مصري لإعادة فنار الإسكندرية في نفس موقعه الأصلي بالمدينة، أسوة بما حدث في إعادة إحياء مكتبة الإسكندرية على أنقاض المكتبة القديمة منذ سنوات.
وأشار إلى أن الحملة تبنّت اهتماماً خاصاً بهذا المشروع لعدة أسباب، أهمها تميزه عن بقية الآثار المندثرة، مثل كونه واحداً من عجائب الدنيا السبع، مما يجعل إعادة بنائه خطوة مهمة لتعود مصر لامتلاك اثنين من عجائب الدنيا على أرضها، مما يضفى على المشروع أهميّة سياحيّة كبيرة. بالإضافة، إلى أن الفنار هو العجيبة الوحيدة بين عجائب الدنيا السبع الذي كان له صبغة علمية، واستخدم لخدمة البشر بإرشاده للمراكب التجارية والحربية والقوارب ذات الأحجام المختلفة. كذلك، لعِبَ دوراً اقتصاديّاً، في إنعاش المنطقة والعالم المتحضّر.
وأوضحَ مُستشار المجلس الأعلى للآثار، وعضو اللجنة الدائمة لحماية الآثار، الأثري، أحمد عبدالفتاح، أن الفنارين تم إنشاؤهما في عصر أسرتين أجنبيتين. الأول، وهو الفنار القديم، أنشئ في عهد أسرة البطالمة، والذين ينتمون إلى مقدونيا بلاد اليونان "ألبانيا". والثاني، هو فنار المكس الذي أنشئ في عهد أسرة محمد علي. والغريب أنه من نفس موطن أسرة البطالمة والإسكندر الأكبر.
وأشار إلى أن فنار الإسكندرية القديم واحد من عجائب الدنيا السبع، كان أول ناطحة سحاب في العالم بارتفاع 136 مترًا، قبل أن يبتلعه البحر ويتهدّم بفعل الزلازل.
ولفت إلى أنه على الرغم من هذه التعديات ومظاهر الإهمال التي يعاني منها على مدار سنوات عديدة مضت، إلا أنه لا يزال يحتفظ بكيانه ورونقه وجماله باعتباره من أقدم فنارات العالم.
وعن أهمية فنار المكس من الناحية التاريخية، قال مستشار المجلس الأعلى للآثار، إنه عاصر كل الملوك، وشهد فعاليات خروج الملك فاروق من مصر والخديوي إسماعيل وتوفيق وعباس حلمي الثاني، وكذلك كل الأحداث التاريخية التي مرت بها مصر، ومن من أبرزها دخول الإنجليز إلى البلاد.
وأكدت الأستاذ بكلية السياحة بجامعة الإسكندرية، الدكتورة، دلال عبدالهادي، على ضرورة سرعة تفعيل مشروع إعادة بناء فنار الإسكندرية القديم بشكل عصري، على هيئة أدوار متكررة، أحدها يكون مزاراً سياحياً بما يحتوي على آثار تاريخية وفرعونية ومقبرة ومتحف على غرار القرية الفرعونية.
وأكدت عبدالهادي، ضرورة احتوائه على مكتبة تجمع الثقافات المصرية المتعددة، من البيئة البدوية والريفية، ومسارح لعرض الفنون الشعبية والعادات والتقاليد المختلفة، وأن ينشأ دور للآثار ودور للفنون. ويكون الدور الأخير فندقاً لاستقبال السائحين، وللاستفادة من المشهد الرائع على البحر.
وقال مدير عام آثار منطقة إسكندرية وغرب الدلتا، الدكتور، مصطفى رشدي، إن فكرة إعادة إحياء فنار الإسكندرية، إحدى عجائب الدنيا السبع، كانت ولا تزال أحد آمال وطموحات أهل المدينة الساحلية، وليس المتخصّصين فقط، خاصة بعد نجاح مشروع مكتبة الإسكندرية.
وأكَّد رشدي على وجود مشروع تمَّ وضعه من عدة سنوات لإعادة ترميم فنار الإسكندرية القديم، وشارك فيه العديد من الخبراء وأساتذة الجامعات، بمشاركة عدد من الجهات المعنية سواء الأمنية أو وزارة السياحة والآثار. كما تلقّى ديوان عام محافظة الإسكندرية، عَرْضاً من دولة الصين، لإعادة بناء وإحياء الفنار القديم عن طريق بناء محلات ومولات لاستغلاله تجارياً، إلا أنه تعثّر رغم تقديمه بشكل رسمي إلى الجهات الثلاث: مجلس الوزراء ووزارة التعاون الدولي والثقافة. وفي حال الموافقة على المشروع واستغلاله تجارياً، سيتم بحث الاستقرار على موقع إنشاء الفنار، والذي سيتم تنفيذه في إحدى منطقتي قلعة قايتباي، أو خليج المكس غرب الإسكندرية، وذلك لجذب السياح، واستخدام الليزر لجعل الفنار معلماً سياحياً مهماً، يمكن مشاهدته من عدة أميال من داخل البحر أمام القادمين للإسكندرية.