وأعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلّة للانتخابات، كورناي نانغا، مساء الأربعاء، أنّ تشيسيكيدي، السياسي المخضرم، حصل على سبعة ملايين و51 ألفا و13 صوتاً صحيحاً، أي 38.57 في المائة من أصوات المقترعين. وجاء في المرتبة الثانية مارتن فايولو، الذي دخل معترك السياسة أخيراً، والذي حصل على 34.8 في المائة من الأصوات، ثمّ مرشّح السلطة وزير الداخلية السابق إيمانويل رمضاني شاداري الذي حلّ في المرتبة الثالثة بـ23.8 في المائة من الأصوات.
ودان فايولو في مقابلة مع إذاعة "فرنسا الدولية"، يوم الخميس، نتائج الانتخابات، معتبراً أنها "انقلاب انتخابي". وقال "هذه النتائج لا علاقة لها بحقيقة صناديق الاقتراع"، مضيفاً "إنه انقلاب انتخابي وهذا أمر غير مفهوم". وتابع "إنه احتيال خبيث من قبل نانغا ومعسكره السياسي"، مؤكداً أنه "تمت سرقة انتصار الشعب الكونغولي". ودعا "كل الذين راقبوا الانتخابات" إلى "قول الحقيقة ونشر النتائج". وقال "لا يمكن السكوت، إنه تزوير ونكتة لا يمكن تقبلها اليوم". وتساءل فايولو عما قال إنه اتفاق أبرم لإعلان تشيسيكيدي الفائز.
كذلك، لم تقنع هذه النتائج مختلف الأطراف، ولا سيما بلجيكا، المستعمِرة السابقة للكونغو، وفرنسا التي رأت أنّ النتائج "لا تتطابق" مع التوقعات، مؤكدة أن فايولو هو "من حيث المبدأ" من فاز في الاقتراع. وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، لشبكة "سي نيوز"، إنه "يبدو أن النتائج المعلنة، لا تتطابق مع النتائج التي سجلت هنا أو هناك". وأضاف أن "المجمع الأسقفي في الكونغو الذي قام بعمليات تدقيق أعلن عن نتائج مختلفة تماماً".
والكنيسة الكاثوليكية التي تعتبر أكثر مؤسسات الكونغو تأثيراً، والتي نشرت أكثر من 40 ألف مراقب للإشراف على الانتخابات، قالت في الرابع من يناير/كانون الثاني الماضي، إنّها تعرف الفائز بدون أن تكشف اسمه. وأكد عدد من الدبلوماسيين لوكالة "أسوشييتد برس"، أنّ الأرقام التي جمعتها الكنيسة الكاثوليكية أظهرت أن فايولو فاز بأغلبية مطلقة في الأصوات، مما قد يهيّئ الساحة لأزمة محتملة بين الحكومة الكونغولية والكنيسة التي حذّرت مراراً من وجود مخالفات. كذلك، قال دبلوماسيان إن جميع بعثات المراقبة الرئيسية، بما في ذلك من الاتحاد الأفريقي وجماعة التنمية للجنوب الأفريقي، أظهرت نتائج مماثلة مع فايولو الفائز.
لكن الكنيسة ومختلف منظمات المجتمع المدني في الكونغو دعت إلى تجنب التورط في العنف، وهو ما قد يشكّل اعترافاً بالأخطار التي قد تنطوي عليها أي احتجاجات على النتائج، بمواجهة قوات الأمن ذات السمعة السيئة. كذلك، دعا لودريان إلى "المحافظة على الهدوء ونتجنب المواجهات وأن تتوضح النتائج التي جاءت مخالفة لما كنا نتصوره ولما طرح". وتابع أن "الأمور قد لا تسير في الطريق الصحيح لأن فايولو هو من حيث المبدأ الزعيم الذي فاز في هذه الانتخابات". وأوضح لودريان أن "فرنسا عرضت القضية على مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي لتكون النتائج المسجلة مطابقة للنتائج الفعلية". وأضاف أن باريس "تأمل في أن يتحرك رؤساء الدول الإفريقية والمنظمات الإفريقية لتكون النتائج هي النتائج الحقيقية للانتخابات".
وانضم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى لودريان والكنيسة الكاثوليكية، إذ دعا كل الأطراف في الكونغو إلى "الامتناع" عن أي أعمال عنف بعد إعلان النتائج. وقال ستيفان دوجاريتش، الناطق باسم غوتيريش، في بيان تلي أمام الصحافيين في نيويورك مساء الأربعاء "يدعو الأمين العام كل الأطراف المعنية إلى الامتناع عن القيام بأعمال عنف وتسوية كل الخلافات الانتخابية بآليات المؤسسات التي وضعت طبقا لدستور الكونغو الديموقراطية".
ومن المؤكد، أمام هذه الاتهامات، أن تثير النتيجة مزيداً من الشكوك في أن تشيسيكيدي، الذي أظهرت آخر استطلاعات للرأي قبل الانتخابات تأخره بفارق كبير عن فايولو، أبرم اتفاقاً لتقاسم السلطة مع كابيلا. وأقر معسكر تشيسيكيدي بوجود اتصالات مع ممثلي كابيلا، لكنه نفى أن يكون هناك اتفاق من أي نوع.
وجاءت إشادة تشيسيكيدي بعد فوزه، بالرئيس المنتهية ولايته جوزف كابيلا ووصفه بأنه "شريك في التناوب الديموقراطي"، لتدعم هذه الشكوك. وقال تشيسيكيدي أمام حشد من أنصاره في مقر حزبه "اتحاد الديموقراطية والتقدم الاجتماعي" بعد إعلان فوزه، "أشيد بالرئيس جوزف كابيلا". وأضاف "اليوم يجب ألا نعتبره خصماً، بل شريكاً في التناوب الديموقراطي في بلدنا".
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، ينظر الكثيرون إلى تشيسيكيدي على أنه مرشح المعارضة الأقل معارضةً لكابيلا، وربما عدم اعتراض الأخير وحزبه على النتائج يفسّر ذلك. لا بل إنّ بارنابي كيكايا بن كاروبي، أحد كبار مستشاري كابيلا، سارع أمس للإقرار بهزيمة مرشّح الحزب الحاكم. وقال "بالطبع لسنا سعداء لأن مرشحنا قد خسر، لكن شعب الكونغو اختار والديمقراطية انتصرت".
وسيحلّ تشيسيكيدي محلّ كابيلا الذي يحكم البلاد منذ اغتيال والده في 2001. ولم تعرف الدولة الغنية بالمعادن انتقالاً سلمياً للسلطة منذ استقلالها عن بلجيكا في 1960. وكان من المفترض أن يتنحى كابيلا قبل عامين، لكنه تشبث بالسلطة مثيراً احتجاجات واسعة تم قمعها بوحشية وأسفرت عن عشرات القتلى. والانتخابات الأخيرة التي جرت في 2006 و2011، والتي فاز في كليهما كابيلا، شهدتا إراقة دماء، في بلد اعتاد على النزاعات والحروب الأهلية، فقد شهدت الكونغو بين 1996 و2003 حربين أسفرتا عن مقتل الملايين.
وبالنظر إلى طبيعة السياسة المستقطبة بشدة في الكونغو، فإنّ النتيجة ستترك آثاراً مقلقة، بحسب رئيس تحرير "بي بي سي" في أفريقيا، فيرغال كيني. وسواء كان لتشيسيكيدي، النية أو القدرة على تحدي القبضة القوية التي يتمتع بها كابيلا على الجيش، فإنّ أجهزة الأمن والوزارات الرئيسية ستحدّد ما إذا كانت البلاد قد دخلت حقًا في حقبة جديدة، لا سيما أنّ الأخير تحدّث بالفعل عن العمل مع كابيلا لضمان نجاح الديمقراطية". وحقق تشيسيكيدي، نجل المعارض الراحل إيتين الذي لم يكن معروفاً على نطاق واسع، ما سعى إليه والده الذي توفي عام 2017، على مدى عقود. وكان المرشّح الفائز الذي رفض الاتحاد مع المعارضة وتقديم مرشّح واحد عنها، وعد بجعل مكافحة الفقر أولوية له.