21 مارس 2018
فوضى خلّاقة في الخليج العربي
مريم الخاطر
كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.
كانت زيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لدولة قطر ضمن جولة خليجية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لنا جميعا، زيارة تاريخية بعد الأزمة الخليجية الأولى في العام 2014، توحّد فيها شمل الخليج كله على كلمة واحدة، وتسابق فيها الإخوة على حفاوة ضيافة الملك، تيمّنا بحكمة الأخ الأكبر وحاكم يستحق، حيث شهدت الدول التي زارها عرسا خليجيا أقيم في كل منها بعروض عسكرية وفنية، وامتلأ الإعلام بخطاباتٍ ومقالات جعلتنا نأمل في أن يخرج الخليج إلى قوة بعد ضعف، وما علمنا أنها مقدمة ليعود الخليج إلى ضعف بعد قوة.
استعرضت مقالاتٍ لكتاب سعوديين بمناسبة زيارة الملك قطر التي وصفناها جميعنا بالتاريخية، لما حمله مضمونها، بحسبهم "من توحيد للصف الخليجي، لمواجهة التحديات الإقليمية السياسية والاقتصادية، كون المملكة وقطر محورا إستراتيجيا وقويا للأمن الخليجي والعربي، لثقلهما الإقليمي والعالمي في مكافحة الإرهاب".
.. نعم، هكذا كان الخطاب الإعلامي السعودي الذي شرح في حينه كيفية وقوف كل من المملكة وقطر على قلب رجل واحد.
حسب وصفهم أيضا: بـ "محاربة الإرهاب، وبإضعاف التأثير السلبي للدول والجماعات التي تهدد أمن الدول الخليجية والعربية". ثمّ تغنى الكتاب السعوديون بالقواسم المشتركة في ذلك في السياسة الدولية، من التصدي لإرهاب "داعش" والجماعات المتطرفة، ودعم الشرعية اليمنية والموقف الموحد بخصوص رحيل الأسد عن سورية، وتقديم الدعم المالي والمعنوي للشعب السوري المظلوم المشرد بفعل الأسد، وشركائه من روسيا وإيران وعصاباتها وحشودها الشعبية الإرهابية بما فيها داعش.
ولكن ما الذي حدث؟ يبدو أنه بين تلك الزيارة التاريخية وقطع العلاقات مع قطر توقف التاريخ وتحدثت الجغرافيا، ما بين 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016 و5 يونيو/ حزيران 2017.. ستّة أشهر، لم نكن فيها أمام مدة زمنية يعتدّ بها في الدبلوماسية والسياسة، لتكون جديرة بإحداث تغيّرات مفاجئة في السياسات الخارجية للمملكة وشركائها السياسيين من الإخوة الجيران، ولم نكن أمام أحداث خليجية - خليجية مستجدة، عدائية أو حربية، حدثت لتعكّر صفو العلاقات الخليجية فجأة، إلا ما يمكن أن يوصف بأنه أمر دبر بليل، بتسييس رباعي مخطط سلفاً.
ستّة أشهر فقط بعد العشم الجميل والعرس الخليجي الذي خرج أيضا بمدونات فنية وأوبريت وملاحم شعرية تغنّت في سلمان محبّة صادقة، حمل فيها الخليجيون الحلم الواعد الذي تتمناه الشعوب، وحمل فيها الملك في زيارته من قطر أغلى هديّة لتهدى من حاكمٍ، وكانت من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهي "سيف المؤسّس"، الهديّة القيّمة في عمق معناها السياسي، والتي لا تُهدى من حاكم إلى حاكم إلا لمن يثق به المُهدي، أبا وأخا وقائدا لحمل أمانة الدفاع عن الأمة.. فما بالنا بالأب الحبيب والأخ الشقيق.
لا تُهدى السيوف عند العرب إلا بقدر المحبّة وحجم الثقة، ولا تقدم عند مظنّة الخيانة أبدا، ولم ولن تظن قطر وشعبها إلى اليوم بالملك سلمان إلا الخير. ولكن للأسف، من سرق السيف، وقلب المظنة، حتّى جاء الطّعن ظهرا من مكمن الثقة؟ وبالإهداء ذاته وأداته، السيف رمزا، السيف غدرا، خصوصا بعدما تكشّفت النوايا الغادرة، كما كشف عنه تصريح الوسيط الخليجي، الأب القدير، أمير الكويت الشيخ صباح، أخيرا، عن نجاح وساطته في بواكيرها في إيقاف نوايا "غزو عسكري" مبيّت لدول الحصار ضد الشقيقة قطر.
لم تكن صدمة ليلة الخامس من يونيو/ حزيران الماضي في القطيعة الأخوية لقطر من دون جُرم يذكر بعد عرس الأشهر الستة، إلا نكوصا عن عُرفين: السياسة الدولية بقوانينها الحالية والعرب الخلّص. وعلى إثرها، بعد أن تحوّل العرف السياسي فجأة، وبنية مبيتة في ليلة غادرة
بفعل فاعل على قطر، ارتد سعوديون كانوا قد تغنّوا بقطر وبالموقف المشترك للبلدين عن كتاباتهم، وحولوا المقولات في التهمة نفسها (الإرهاب) إلى خناجر لطعن قطر بها. فقط بعد ستة أشهر، وكأن المبادئ عاطفة أو نفاق... أو ارتزاق.
وبات التحليل السياسي يعاني الفصام أو الذاكرة الوقتية وغياب عمق التشخيص الاستراتيجي لما يراد بالمملكة، وهي عمق الخليج وقوته، قبل قطر، وذلك من مخطّطين غادرين ومدسوسين. لقد أدرك الكتاب السعوديون قبل اليوم ذلك، حينما ركزوا في الزيارة التاريخية للملك سلمان لقطر، حسب ما كتبوا في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016، على "أهمية التحالف الإستراتيجي القطري- السعودي الفاعل دون غيره لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وحماية مصالح الشعوب الخليجية من الفوضى الخلاّقة".
من الذي غيّب ذاكرتهم بعد ستة أشهر، وجاء بما خشوه، الفوضى الخلاقة في عقر الخليج؟ لن نطلب من الكتاب الوقوف مع قطر، لكنّنا نعّول عليهم استحضار الوعي العام لحماية أمن الخليج من دعاوى دخيلة مدمرة. وقد أدرك أمير الكويت، بحكمته السياسية وخبرته، هول الصدمة الخليجية، واستقرأ مستقبلا مظلما، تورّط فيه متآمرون، لا ضد قطر فحسب، بل ضد المملكة قبلها، والتي لا يريد للأخوة الوقوع فيها، بعد صدمة غزو صدام حسين للكويت في 1990، وما آل اليه الوضع من غدر بالكويت، وجريمة الاحتلال التي توجب حتما المعاقبة الدولية للفاعل، ثم ما آل اليه الوضع من انقسام عربي في لحمتنا وتقسيم للعراق، بل واحتلال له، وقتل ودمار وتشريد لشعبه ونهب لخيراته ومقدراته. الفرق أن المؤامرة تلك اليوم تأتي على الخليج برمّته، للمواجهة نفسها التي أراد بها المخططون المتصهينون الإيقاع بـ"الفاعل" قبل "المفعول به"، وإلا لماذا جعلوا المملكة في واجهة الأزمة مع قطر، وتخفوا بطاقية سياسية.
لا يعيش الخليج الآمن الوادع أزمة، بل مؤامرة دنيئة، هي "الفوضى الخلاقة" بعينها، كتلك "التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا".
Twitter: @medad_alqalam
استعرضت مقالاتٍ لكتاب سعوديين بمناسبة زيارة الملك قطر التي وصفناها جميعنا بالتاريخية، لما حمله مضمونها، بحسبهم "من توحيد للصف الخليجي، لمواجهة التحديات الإقليمية السياسية والاقتصادية، كون المملكة وقطر محورا إستراتيجيا وقويا للأمن الخليجي والعربي، لثقلهما الإقليمي والعالمي في مكافحة الإرهاب".
.. نعم، هكذا كان الخطاب الإعلامي السعودي الذي شرح في حينه كيفية وقوف كل من المملكة وقطر على قلب رجل واحد.
حسب وصفهم أيضا: بـ "محاربة الإرهاب، وبإضعاف التأثير السلبي للدول والجماعات التي تهدد أمن الدول الخليجية والعربية". ثمّ تغنى الكتاب السعوديون بالقواسم المشتركة في ذلك في السياسة الدولية، من التصدي لإرهاب "داعش" والجماعات المتطرفة، ودعم الشرعية اليمنية والموقف الموحد بخصوص رحيل الأسد عن سورية، وتقديم الدعم المالي والمعنوي للشعب السوري المظلوم المشرد بفعل الأسد، وشركائه من روسيا وإيران وعصاباتها وحشودها الشعبية الإرهابية بما فيها داعش.
ولكن ما الذي حدث؟ يبدو أنه بين تلك الزيارة التاريخية وقطع العلاقات مع قطر توقف التاريخ وتحدثت الجغرافيا، ما بين 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016 و5 يونيو/ حزيران 2017.. ستّة أشهر، لم نكن فيها أمام مدة زمنية يعتدّ بها في الدبلوماسية والسياسة، لتكون جديرة بإحداث تغيّرات مفاجئة في السياسات الخارجية للمملكة وشركائها السياسيين من الإخوة الجيران، ولم نكن أمام أحداث خليجية - خليجية مستجدة، عدائية أو حربية، حدثت لتعكّر صفو العلاقات الخليجية فجأة، إلا ما يمكن أن يوصف بأنه أمر دبر بليل، بتسييس رباعي مخطط سلفاً.
ستّة أشهر فقط بعد العشم الجميل والعرس الخليجي الذي خرج أيضا بمدونات فنية وأوبريت وملاحم شعرية تغنّت في سلمان محبّة صادقة، حمل فيها الخليجيون الحلم الواعد الذي تتمناه الشعوب، وحمل فيها الملك في زيارته من قطر أغلى هديّة لتهدى من حاكمٍ، وكانت من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهي "سيف المؤسّس"، الهديّة القيّمة في عمق معناها السياسي، والتي لا تُهدى من حاكم إلى حاكم إلا لمن يثق به المُهدي، أبا وأخا وقائدا لحمل أمانة الدفاع عن الأمة.. فما بالنا بالأب الحبيب والأخ الشقيق.
لا تُهدى السيوف عند العرب إلا بقدر المحبّة وحجم الثقة، ولا تقدم عند مظنّة الخيانة أبدا، ولم ولن تظن قطر وشعبها إلى اليوم بالملك سلمان إلا الخير. ولكن للأسف، من سرق السيف، وقلب المظنة، حتّى جاء الطّعن ظهرا من مكمن الثقة؟ وبالإهداء ذاته وأداته، السيف رمزا، السيف غدرا، خصوصا بعدما تكشّفت النوايا الغادرة، كما كشف عنه تصريح الوسيط الخليجي، الأب القدير، أمير الكويت الشيخ صباح، أخيرا، عن نجاح وساطته في بواكيرها في إيقاف نوايا "غزو عسكري" مبيّت لدول الحصار ضد الشقيقة قطر.
لم تكن صدمة ليلة الخامس من يونيو/ حزيران الماضي في القطيعة الأخوية لقطر من دون جُرم يذكر بعد عرس الأشهر الستة، إلا نكوصا عن عُرفين: السياسة الدولية بقوانينها الحالية والعرب الخلّص. وعلى إثرها، بعد أن تحوّل العرف السياسي فجأة، وبنية مبيتة في ليلة غادرة
وبات التحليل السياسي يعاني الفصام أو الذاكرة الوقتية وغياب عمق التشخيص الاستراتيجي لما يراد بالمملكة، وهي عمق الخليج وقوته، قبل قطر، وذلك من مخطّطين غادرين ومدسوسين. لقد أدرك الكتاب السعوديون قبل اليوم ذلك، حينما ركزوا في الزيارة التاريخية للملك سلمان لقطر، حسب ما كتبوا في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016، على "أهمية التحالف الإستراتيجي القطري- السعودي الفاعل دون غيره لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وحماية مصالح الشعوب الخليجية من الفوضى الخلاّقة".
من الذي غيّب ذاكرتهم بعد ستة أشهر، وجاء بما خشوه، الفوضى الخلاقة في عقر الخليج؟ لن نطلب من الكتاب الوقوف مع قطر، لكنّنا نعّول عليهم استحضار الوعي العام لحماية أمن الخليج من دعاوى دخيلة مدمرة. وقد أدرك أمير الكويت، بحكمته السياسية وخبرته، هول الصدمة الخليجية، واستقرأ مستقبلا مظلما، تورّط فيه متآمرون، لا ضد قطر فحسب، بل ضد المملكة قبلها، والتي لا يريد للأخوة الوقوع فيها، بعد صدمة غزو صدام حسين للكويت في 1990، وما آل اليه الوضع من غدر بالكويت، وجريمة الاحتلال التي توجب حتما المعاقبة الدولية للفاعل، ثم ما آل اليه الوضع من انقسام عربي في لحمتنا وتقسيم للعراق، بل واحتلال له، وقتل ودمار وتشريد لشعبه ونهب لخيراته ومقدراته. الفرق أن المؤامرة تلك اليوم تأتي على الخليج برمّته، للمواجهة نفسها التي أراد بها المخططون المتصهينون الإيقاع بـ"الفاعل" قبل "المفعول به"، وإلا لماذا جعلوا المملكة في واجهة الأزمة مع قطر، وتخفوا بطاقية سياسية.
لا يعيش الخليج الآمن الوادع أزمة، بل مؤامرة دنيئة، هي "الفوضى الخلاقة" بعينها، كتلك "التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا".
Twitter: @medad_alqalam
مريم الخاطر
كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.
مريم الخاطر