10 نوفمبر 2024
فيتو النقابيين في تونس
كنا أطفالاً، وكانت تستهوينا قصص المغامرات التي تدور أحداثها حول بطل صغير، عادة ما يكون فقيراً، لكنه يتعلق بتحقيق حلمٍ يبدو أن من المستحيل تحقيقه. وكلما تخطى البطل حاجزاً صعباً واجهته صعوبةٌ أشد، فالأميرة التي يريدها محبوسةً في قصرٍ محروس بالتماسيح، ومفتاح غرفتها موجود في جحر الأفعى، وهكذا ...
تذكّرت ذلك، وأنا أتابع الحيرة التي يتخبط فيها رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، وهو يحاول أن يعثر على الحل الذي يخرجه، ويخرج البلاد، من المأزق الذي تتخبط فيه منذ سنوات، فالخبراء الذين اختارهم نصحوه بسلسلةٍ من الإجراءات، ضمن ما سماه "قانون الطوارئ الاقتصادية". لكن هذه الإجراءات لا يمكن أن تمرّ من دون موافقة النقابيين ورجال الأعمال. ولكي يقنعهم، لجأ إلى تذكيرهم بخطورة الأوضاع في البلاد، ودعاهم إلى التعاون من أجل تجنيب تونس الوقوع في المستنقع نفسه الذي سبق أن وقعت فيه اليونان. وقدّم لهم اقتراحاً اعتبره يشكل معادلةً متوازنةً، يتقاسم فيها الطرفان الأعباء والتضحيات. من جهةٍ، يصبر العمال على عدم التمتع بالزيادة في أجورهم سنتين، أي خلال كل من 2017 و2018، على أن يحصلوا على جميع حقوقهم في 2019. وفي المقابل، يتعهد رجال الأعمال بتقديم ضريبةٍ إضافية إلى الدولة. وفي ضوء ذلك، ستحاول الحكومة اتخاذ إجراءاتٍ مصاحبةٍ تهدف إلى تنشيط الاستثمار الداخلي والخارجي، إلى جانب تحريك عجلة الإنتاج، وتوفير أقصى ما يمكن من فرص العمل، والقيام بإجراءاتٍ ذات طابع اجتماعي.
ما أن نطق الرجل بما اعتبره الحل الأخير، حتى ارتفعت أصواتٌ نقابية تعلن رفضها القطعي لوصفة يوسف الشاهد. وفي مقدمة هذه الأصوات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، الذي أكّد أن "مقاربة المنظمة الشغيلة للأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد تختلف عن مقاربة رئيس الحكومة". وطالب النقابيون الشاهد بمد الاتحاد بالمعطيات والأرقام الدقيقة عن الحالة الاقتصادية في البلاد، وأن يبدأ أولاً بمحاربة المتهربين من دفع الضرائب، ومواجهة السوق الموازية، وبعدها يمكن الحديث عن التضحيات التي يمكن أن يقدّمها العمال.
خلافاً لذلك، أعلن اتحاد الصناعة والتجارة استعداده لدراسة اقتراح رئيس الحكومة إقرار مساهمةٍ استثنائيةٍ من المؤسسات الاقتصادية، إيماناً منه بأن "تجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد، يوجب تقاسم التضحيات والتحلي بروح المسؤولية من جميع الأطراف".
هكذا يجد الشاهد نفسه اليوم أمام تحدٍّ، ليس من السهل تجاوزه، فإقناع النقابيين بتحمل سنتين بدون زيادات في الأجور مهمةٌ عسيرة جداً، فالغلاء يكاد يسحق الطبقة الوسطى، وما بالك بالفئات الاجتماعية التي تعيش تحت سقف الفقر. وفي هذه الأجواء، تصاعد الحديث، مرة أخرى، عن الفوارق الطبقية، وعن " أصحاب البطون الضخمة"، وهو خطاب يرفضه رجال الأعمال في تونس، ويرون فيه تشكيكاً في دورهم في التنمية، واتهاما لهم بالسرقة والاستغلال وعدم الوطنية.
لا مفرّ من ضرورة التوصل إلى هدنةٍ اجتماعية، لكن ما يرفضه النقابيون أن تتحمّل الطبقة الشغيلة الكلفة الرئيسية لذلك. وبدون انخراطهم الفعلي في هذه الهدنة، لن تتوفر شروط النجاح، أي شروط الاستقرار والاندفاع نحو الزيادة في الإنتاج. وهذا يعني أن تونس ستبقى رهينة الدوران في حلقةٍ مفرغة بدون أفق، على الرغم من أنها تستعد لعقد مؤتمر دولي ضخم، ستحاول الحكومة من خلاله إقناع مئات الشركات بضرورة الاستثمار في تونس. ويبحث هؤلاء المستثمرون الأجانب عن ضماناتٍ لتأمين الربح، ويخافون من كل بلد يفتقر للاستقرار، ويعتبر كثيرون منهم أن تونس أصبحت في مقدمة الدول الأكثر احتجاجاً في المجال الاجتماعي، خصوصاً أن شركاتٍ عديدة انتقلت من تونس إلى المغرب، بحثا عن الأمان في بلد أكثر إغراءً.
هل سينجح الشاهد في مغامرته، كما يحصل مع أبطال قصص الأطفال، أم أن أحكام الواقع مختلفة كلياً عن إبداعات الخيال؟
تذكّرت ذلك، وأنا أتابع الحيرة التي يتخبط فيها رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، وهو يحاول أن يعثر على الحل الذي يخرجه، ويخرج البلاد، من المأزق الذي تتخبط فيه منذ سنوات، فالخبراء الذين اختارهم نصحوه بسلسلةٍ من الإجراءات، ضمن ما سماه "قانون الطوارئ الاقتصادية". لكن هذه الإجراءات لا يمكن أن تمرّ من دون موافقة النقابيين ورجال الأعمال. ولكي يقنعهم، لجأ إلى تذكيرهم بخطورة الأوضاع في البلاد، ودعاهم إلى التعاون من أجل تجنيب تونس الوقوع في المستنقع نفسه الذي سبق أن وقعت فيه اليونان. وقدّم لهم اقتراحاً اعتبره يشكل معادلةً متوازنةً، يتقاسم فيها الطرفان الأعباء والتضحيات. من جهةٍ، يصبر العمال على عدم التمتع بالزيادة في أجورهم سنتين، أي خلال كل من 2017 و2018، على أن يحصلوا على جميع حقوقهم في 2019. وفي المقابل، يتعهد رجال الأعمال بتقديم ضريبةٍ إضافية إلى الدولة. وفي ضوء ذلك، ستحاول الحكومة اتخاذ إجراءاتٍ مصاحبةٍ تهدف إلى تنشيط الاستثمار الداخلي والخارجي، إلى جانب تحريك عجلة الإنتاج، وتوفير أقصى ما يمكن من فرص العمل، والقيام بإجراءاتٍ ذات طابع اجتماعي.
ما أن نطق الرجل بما اعتبره الحل الأخير، حتى ارتفعت أصواتٌ نقابية تعلن رفضها القطعي لوصفة يوسف الشاهد. وفي مقدمة هذه الأصوات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، الذي أكّد أن "مقاربة المنظمة الشغيلة للأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد تختلف عن مقاربة رئيس الحكومة". وطالب النقابيون الشاهد بمد الاتحاد بالمعطيات والأرقام الدقيقة عن الحالة الاقتصادية في البلاد، وأن يبدأ أولاً بمحاربة المتهربين من دفع الضرائب، ومواجهة السوق الموازية، وبعدها يمكن الحديث عن التضحيات التي يمكن أن يقدّمها العمال.
خلافاً لذلك، أعلن اتحاد الصناعة والتجارة استعداده لدراسة اقتراح رئيس الحكومة إقرار مساهمةٍ استثنائيةٍ من المؤسسات الاقتصادية، إيماناً منه بأن "تجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد، يوجب تقاسم التضحيات والتحلي بروح المسؤولية من جميع الأطراف".
هكذا يجد الشاهد نفسه اليوم أمام تحدٍّ، ليس من السهل تجاوزه، فإقناع النقابيين بتحمل سنتين بدون زيادات في الأجور مهمةٌ عسيرة جداً، فالغلاء يكاد يسحق الطبقة الوسطى، وما بالك بالفئات الاجتماعية التي تعيش تحت سقف الفقر. وفي هذه الأجواء، تصاعد الحديث، مرة أخرى، عن الفوارق الطبقية، وعن " أصحاب البطون الضخمة"، وهو خطاب يرفضه رجال الأعمال في تونس، ويرون فيه تشكيكاً في دورهم في التنمية، واتهاما لهم بالسرقة والاستغلال وعدم الوطنية.
لا مفرّ من ضرورة التوصل إلى هدنةٍ اجتماعية، لكن ما يرفضه النقابيون أن تتحمّل الطبقة الشغيلة الكلفة الرئيسية لذلك. وبدون انخراطهم الفعلي في هذه الهدنة، لن تتوفر شروط النجاح، أي شروط الاستقرار والاندفاع نحو الزيادة في الإنتاج. وهذا يعني أن تونس ستبقى رهينة الدوران في حلقةٍ مفرغة بدون أفق، على الرغم من أنها تستعد لعقد مؤتمر دولي ضخم، ستحاول الحكومة من خلاله إقناع مئات الشركات بضرورة الاستثمار في تونس. ويبحث هؤلاء المستثمرون الأجانب عن ضماناتٍ لتأمين الربح، ويخافون من كل بلد يفتقر للاستقرار، ويعتبر كثيرون منهم أن تونس أصبحت في مقدمة الدول الأكثر احتجاجاً في المجال الاجتماعي، خصوصاً أن شركاتٍ عديدة انتقلت من تونس إلى المغرب، بحثا عن الأمان في بلد أكثر إغراءً.
هل سينجح الشاهد في مغامرته، كما يحصل مع أبطال قصص الأطفال، أم أن أحكام الواقع مختلفة كلياً عن إبداعات الخيال؟