يمثّل الكاتب الأميركي فيليب روث (1933 – 2018) الذي رحل، أمس الثلاثاء، في نيويورك، أحد أبرز الروائيين في بلاده التي امتزجت أعماله بسيرته الروائية وحياته الشخصية، وطرح تساؤلات معمّقة وصادمة حول الهوية الأميركية وتحوّلاتها، إلى جانب مضامينها الفلسفية.
وُلد الراحل لأبوين يهودييْن في مدينة نيوجرسي، وبدأ الكتابة أثناء المدرسة، وكان يغلب عليها طابع السخرية، وقد أكمل دراساته العليا في الأدب الإنكليزي في "جامعة شيكاغو"، وعمل مدرّساً للأدب المقارن في عدد من الجامعات حتى تقاعده عام 1991.
توجّهت إليه الأوساط الأدبية منذ إصدار عمله الروائي "وداعاً كولومبوس" عام 1959، والذي تحوّل إلى فيلم سينمائي أخرجه لاري بيرس، ويتناول قصة شاب يهودي، يدعى نيل كلوغمان، يعمل في وظيفة بأجر متدنٍ في "مكتبة نيوارك العامة"، وهو يعيش مع عمته غاديس وعمه ماكس، في حي للطبقة العاملة، ويحاول روث من خلالها تفكيك حياة اليهود الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى ومفارقاتها بعد الحرب العالمية الثانية.
ثم عاد روايته الشهيرة "شكوى بورتنوي" (1969) التي تمثّل مونولوغاً داخلياً يعيشه بطلها المحامي اليهودي الذي ينتسب إلى عائلة متزمتة، حيث تشكّل جملة تساؤلاته حول الجنس والهوية واضطراباته الاجتماعية والنفسية التي تعبّر عن واقع طبقته ومكوّنه الاجتماعي، والتي اعتبرت إلى جانب أعمالٍ أخرى هجاء مكرّساً لليهود في أميركا.
تأثر بالتيار الواقعي في القرن التاسع عشر، خاصة روايات هنري جيمس وغوستاف فلوبير، لكن في السبعينيات اختبر صاحب رواية "الحيوان المحتضر" أشكالاً وأساليب متعدّدة تتضمّن الهجاء السياسي والاقتراب من عوالم كافكا، كما نجح في شخصية ناتان زاكرمان، التي اعتبرت بمثابة ذاتٍ أخرى يحاور عبرها المجتمع والعالم، وهكذا ظهر زكارمان في سلسلة من الروايات بين 1979 و1986.
كتب روث أكثر من ثلاثين عملاً روائياً؛ من بينها "الرعوية الأمريكية" أو "أمريكان باستورال"، والتي فاز بفضلها في 1998 بجائزة "بوليتزر"، و"مؤامرة ضد أميركا" (2006) وصولاً إلى آخر رواياته "نينميزي" (2010) وتتحدث عن انتشار وباء شلل الأطفال الذي ضرب نيوجيرسي عام 1944، ولكنه يصرّ على أنه وباء من صنع خياله المحض، حيث يقدّم خلاصة تأملاته في القدَر والموت والوجود.
في عام 2011، أعلن صاحب "حياتي كرجل" اعتزاله الكتابة وكذلك قراءة الأعمال الروائية، حيث يرى أنه لم يعد يجد منفعة في الرواية، كما كان الحال من قبل، ويعزو سبب ذلك في ردّه على أسئلة الصحافيين "لقد نضجتُ!".
وجّه انتقادات لاذعة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وسياساته العنصرية، العام الماضي، حيث اعتبر رأيه الملطّف أن "الكابوس الذي تعيشه أميركا اليوم يرجع إلى أنّ الرجل الّذي انتُخب رئيسًا يعاني من نرجسيّة مفرطة، وهو كاذب بالفطرة وجاهل ومتبجح وكائن حقير تحركه روح الانتقام وبات أيضاً خرفاً بعض الشيء".