صحيح أن الفكر العربي بات أكثر من أي وقت أقرب إلى مشاغل الراهن، ينظر إليها وجهاً لوجه بأدوات معرفية متمكنة، وكأن تلك العقود التي أمضيت في العودة للتراث والتقنيب فيه والجدل المطوّل حوله باتت مثل أرضية يقف عليها الباحثون اليوم ليبدأوا في تأسيس تفكير نظري أصيل، غير أن الحصيلة الملموسة لهذا الحراك تظل هزيلة ككل عام.
للأسف، لم تنعكس هذه الراهنية بالشكل الكافي بعد على مستوى النشر، لتظل الندوات والمؤتمرات الفضاء الرئيسي لتحرّك هذه الأفكار.
سنة الفكر تأثرت بواقع البلاد العربية ومحيطها. سنة كانت فيها صورة التطرّف والهزات السياسية مهيمنة على المشهد، وبالتالي حوّلت المقولات حول هذه الظواهر إلى الأكثر قابلية للنشر، مثل "متاهة الحاكمية" لـ هاني نسيرة، و"الخيال السياسي للإسلاميين" لـ هبة رؤوف عزت، و"سياسات الإسلام المعاصر" لـ رضوان السيد، و"الإسلام النقدي" لـ طاهر أمين.
على مستوى ثانٍ، هيمنت على المنشورات الفكرية في 2015 المؤلفات الجماعية، ذات النزعة الأكاديمية، والتي غالباً ما تكون برعاية مشتركة بين مجموعة دور نشر في بلدان عربية مختلفة. من بين هذه الأعمال كتاب "الفلسفة الفرنسية المعاصرة" و"فسلفة الفعل" و"مؤانسات في الجماليات" و"الفلسفة الأخلاقية و"الفلسفة العربية المعاصرة" و"فلسفة السرد"، ويمكن وضع كتب المؤتمرات في هذه الخانة، ومن أبرزها كتاب "التاريخ الشفوي".
على مستوى المؤلفات الفردية، يمكن القول، إن سنة 2015 كانت هزيلة إلى حد ما، اجتمع في النصف الأول منها معظم الأعمال البارزة مثل كتاب "التفكير مع كانط ضد كانط" للجزائري سمير بالكفيف وكتاب التونسي فتحي انغزو "قول الأصول" و"الإشكالية السياسية للحداثة" للعراقي علي عبود المحمداوي، كما يمكن أن نضيف إلى هذه القائمة كتاب اللسانيات "القرآن من بناء النص إلى بناء العالم" للسوري منذر عياشي أو كتاب "العثمنة الجديدة" للعراقي سيار الجميل في التاريخ.
عادة ما تكون الترجمة رافد الحياة الفكرية العربية، وعلى هذا الصعيد تبدو سنة 2015 سنة دسمة إلى حد ما، حيث شهدت وصول عدة كتب مرجعية إلى اللغة العربية مثل "أفكار ميتافيزيقية" لـ سبينوزا، و"الاقتصاد والمجتمع" لـ ماكس فيبر، و"الوضع البشري" لـ حنا أرنت، و"أخذ الحقوق على محمل الجد" لرونالد دووركين و"بؤس البنيوية" لـ ليونار جاكسون، و"المونادولوجيا" لـ لايبنتز، و"المجتمع الشبكي لـ دارن بارني، و"المتخيلات الاجتماعية الحديثة" لـ تشارلز تايلور.
هكذا نودّع سنة فكرية نشطة إلى حد ما، غير أن كل الجدل والنقاشات التي دارت فيها لن تعني شيئاً ما لم تتحوّل إلى أفكار مكتوبة بشكل نسقي ورصين.
اقرأ أيضاً: رجاة العتيري: وضع الموت بين قوسين