11 سبتمبر 2024
في أجواء الرئاسيات الجزائرية
بلغت مدة المناظرة التلفزيونية بين المترشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية ثلاث ساعات. وكانت كافيةً لاختبار اللياقة البدنية للرئيس الجزائري المقبل. ثلاث ساعات وقوفاً للرد على أسئلة الصحفيين الذين اختارتهم السلطة المستقلة للانتخابات من مختلف وسائل الإعلام، العامة والخاصة. مناظرة تلفزيونية، أو هكذا أريد لها أن تسمّى، وما كانت تحمل من المناظرة إلا الرسم، فالمناظرة، في عهد العارفين، تستدعي قيام الحجة، والحجة المقابلة، ومقارعة هذه بتلك والرد عنها، أو تفنيدها ودحرها، أو تأسيسها ودعمها. كان يُفترض أن تكون أشبه بالمبارزة الفكرية بين المرشحين، من أجل إبراز أحسن ما في برامجهم الانتخابية، وأجداه للمواطنين الذي سيتوجهون الخميس المقبل (12 ديسمبر/ كانون الأول) لاختيار واحد من خمسة مترشحين.
هكذا هو الأمر في عرف المناظرات التلفزيونية في الانتخابات الغربية، يتبارى المتنافسون في تقديم مشاريعهم الرئاسية، وبرامجهم الانتخابية. أما ما حدث في الجزائر فكان أقرب إلى مؤتمر صحفي منه إلى مناظرة، طرح فيها الصحفيون أسئلة، وكرّروها، على مسامع كل المترشحين، في لازمةٍ مملة، فأخذ كل واحد منهم يجلب من زاده أجوبة مكرّرة هي أيضاً، سمعها الجمهور كثيرا في البرامج التلفزيونية التي استُضيفوا في منابرها، وفي أثناء الحملة الانتخابية أيضاً. كانت أجوبتهم بحراً من الوعود، كثيرها يسبح في عمومياتٍ مفرطة، وقليل منها قابلٌ للدلالة والسند، وتوقّع ما ستسفر عنه النتائج في أيام المحكّ المقبلة. كان عزاء المشاهدين الوحيد أنها المرة الأولى التي تقام فيها مثل هذه "المناظرات" في الجزائر، ولكل بدايةٍ عثرات، قد تعالج
في الاستحقاقات المقبلة. بهذا الانطباع، استقبل الجمهور أول "مناظرة" تلفزيونية بثتها القنوات الجزائرية العامة منها والخاصة، في سهرةٍ حملت عنوان "الطريق إلى التّغيير" وجمعت المترشحين للانتخابات الرئاسية، عبد العزيز بلعيد، وعبد المجيد تبون، وعلي بن فليس، وعز الدين ميهوبي، وعبد القادر بن قرينة.
هي المرة الأولى أيضاً في تاريخ الجزائر المستقلة التي لا يعرف فيها اسم الرئيس مسبقاً وقبل يوم الانتخاب، فلقد تعوّد الجمهور العام، وجمهور السياسيين في الجزائر، على معرفة اسم الرئيس، يوم ترشيحه، منذ هواري بومدين الذي انتزع السلطة لنفسه من أحمد بن بلة بانقلاب أبيض، وجددها في موعد انتخابي واحد العام 1976، إلى من تلاه من الرؤساء: الشاذلي بن جديد، محمد بوضياف، علي كافي، ليامين زروال، وآخرهم عبد العزيز بوتفليقة الذي جاء إلى قصر المرادية عقب انسحاب ستة مترشحين في انتخابات 1999 بعد يقينهم بأن المؤسسة العسكرية قد حسمت أمرها لصالحه. لم تشذّ السلطة العسكرية عن قاعدة اختيارها لاسم الرئيس الجزائري مسبقا، فهل ستفعلها مؤسسة الجيش هذه المرّة؟ ليتحقق ما كان ضربا من المستحيل، وينتشي بذلك المبشّرون بحيادية العسكر هذه المرة، أم أن ما يبدو للعيان
هو عكس ما تضمره الأيام؟
لم يعدم المنذرون، من إشاراتٍ تدل على إعادة إنتاج منظومة الولاء والإملاء، حديث مقرّبين من بن فليس، وبن قرينة عن تقديمهما شكوى لرئيس سلطة مراقبة الانتخابات، مفادها أن بعض الولاة (المحافظين) أعطوا تعليمات للتزوير لصالح أحد المرشحين. قناة "النهار" المقرّبة من السلطة اجتهدت في تحريك رماد الفضائح تحت بساط المرشح عبد المجيد تبون، لصالح مرشح آخر. اعتبر الأمر استدارةً، لبوصلة الإشاعات والتوقعات التي كانت، في بداية الحملة الانتخابية، ترجح فوز تبون رئيساً مقبلاً للجزائر، للتراجع عن ذلك في منتصف الحملة، حيث تغيب مؤسسات سبر الأراء والترجيح العلمية. جمعية "الزوايا الأشراف"، وتضم معاهد دينية وطرقية، كان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قد أعطاها وزناً سياسياً زائداً، بتبنّيه نشاطها خلال فترة حكمه، فأصبحت في عهده ملاذاً آمناً للمسؤولين، ومرجعاً لمن أراد التوصية له، بفرصة عمل راقية، أو وزارة، أو مسؤولية. عاودت الجمعية هي أيضاً ضبط عقارب ساعاتها باتجاه المرشّح عز الدين ميهوبي، بعد أن كانت بداية، قد عاهدت، في بيانٍ مكتوب لها، المرشح عبدالمجيد تبون على النصرة والإعانة. أما حزب جبهة التحرير، كبير أحزاب الحكم سابقاً، الغائب عن رئاسيات هذا العام بمرشّح خالص له، فقد آثر، طوال الفترة الماضية، السكوت عن دعم أي مرشح للرئاسة، ولكنه في عجلةٍ من أمره، وقبل أيام قليلة من موعد
الخميس المقبل، اتخذت قيادته موقفها، سنداً وظهيراً للمرشح ميهوبي، وهو ما أحدث حالة انقسام، وبروز صراع أجنحة بين القيادة الجديدة للحزب، وفي مقدمتهم أمين عام الحزب بالإنابة علي صديقي، (خلف الأمين العام المسجون محمد جميعي، المتورّط في شبهات فساد)، والكوادر الأخرى التي ترى أن الحزب في حاجة إلى فترة "ابتعاد ظرفي" من أجل تطهير الحزب وإعادة تأهيله.
ليس تقلّب المواقف أمرا جديدا في أجندة العمل الحزبي والجمعوي، وإن اقتصر هذه المرّة على مرشحيْن، تبون وميهوبي. وليست قرارات التأييد والمساندة مزاجا سياسيا متروكا للأفراد أو الجمعيات، يقول العارفون بالوضع في الجزائر، فمهماز السياسة كان حاضراً في كل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، وغيابه أو حضوره اليوم لن يكون إلا بقدرة قادر، وإن غد الانتخابات لناظره قريب.
هي المرة الأولى أيضاً في تاريخ الجزائر المستقلة التي لا يعرف فيها اسم الرئيس مسبقاً وقبل يوم الانتخاب، فلقد تعوّد الجمهور العام، وجمهور السياسيين في الجزائر، على معرفة اسم الرئيس، يوم ترشيحه، منذ هواري بومدين الذي انتزع السلطة لنفسه من أحمد بن بلة بانقلاب أبيض، وجددها في موعد انتخابي واحد العام 1976، إلى من تلاه من الرؤساء: الشاذلي بن جديد، محمد بوضياف، علي كافي، ليامين زروال، وآخرهم عبد العزيز بوتفليقة الذي جاء إلى قصر المرادية عقب انسحاب ستة مترشحين في انتخابات 1999 بعد يقينهم بأن المؤسسة العسكرية قد حسمت أمرها لصالحه. لم تشذّ السلطة العسكرية عن قاعدة اختيارها لاسم الرئيس الجزائري مسبقا، فهل ستفعلها مؤسسة الجيش هذه المرّة؟ ليتحقق ما كان ضربا من المستحيل، وينتشي بذلك المبشّرون بحيادية العسكر هذه المرة، أم أن ما يبدو للعيان
لم يعدم المنذرون، من إشاراتٍ تدل على إعادة إنتاج منظومة الولاء والإملاء، حديث مقرّبين من بن فليس، وبن قرينة عن تقديمهما شكوى لرئيس سلطة مراقبة الانتخابات، مفادها أن بعض الولاة (المحافظين) أعطوا تعليمات للتزوير لصالح أحد المرشحين. قناة "النهار" المقرّبة من السلطة اجتهدت في تحريك رماد الفضائح تحت بساط المرشح عبد المجيد تبون، لصالح مرشح آخر. اعتبر الأمر استدارةً، لبوصلة الإشاعات والتوقعات التي كانت، في بداية الحملة الانتخابية، ترجح فوز تبون رئيساً مقبلاً للجزائر، للتراجع عن ذلك في منتصف الحملة، حيث تغيب مؤسسات سبر الأراء والترجيح العلمية. جمعية "الزوايا الأشراف"، وتضم معاهد دينية وطرقية، كان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قد أعطاها وزناً سياسياً زائداً، بتبنّيه نشاطها خلال فترة حكمه، فأصبحت في عهده ملاذاً آمناً للمسؤولين، ومرجعاً لمن أراد التوصية له، بفرصة عمل راقية، أو وزارة، أو مسؤولية. عاودت الجمعية هي أيضاً ضبط عقارب ساعاتها باتجاه المرشّح عز الدين ميهوبي، بعد أن كانت بداية، قد عاهدت، في بيانٍ مكتوب لها، المرشح عبدالمجيد تبون على النصرة والإعانة. أما حزب جبهة التحرير، كبير أحزاب الحكم سابقاً، الغائب عن رئاسيات هذا العام بمرشّح خالص له، فقد آثر، طوال الفترة الماضية، السكوت عن دعم أي مرشح للرئاسة، ولكنه في عجلةٍ من أمره، وقبل أيام قليلة من موعد
ليس تقلّب المواقف أمرا جديدا في أجندة العمل الحزبي والجمعوي، وإن اقتصر هذه المرّة على مرشحيْن، تبون وميهوبي. وليست قرارات التأييد والمساندة مزاجا سياسيا متروكا للأفراد أو الجمعيات، يقول العارفون بالوضع في الجزائر، فمهماز السياسة كان حاضراً في كل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، وغيابه أو حضوره اليوم لن يكون إلا بقدرة قادر، وإن غد الانتخابات لناظره قريب.