ولد محمد علي مكي عام 1951 لعائلة بقاعية وجدت نفسها في بيروت بحثاً عن لقمة العيش في المدينة الواسعة. جاء أبو علي من بلدة سحمر في البقاع الغربي (شرق لبنان) إلى العاصمة، وأكمل عقد العائلة بعشرة أخوة، كان محمد أكبرهم. ظل محمد الأخ الأكبر في أسرته إلى أن خُطف عام 1976 بعد معركة "تل الزعتر" شرقي بيروت.
دارت معركة إسقاط مخيم تل الزعتر في المنطقة الشرقية من بيروت لإخلاء المنطقة من وجود الفلسطينيين، فسقط المخيم بيد المليشيات المسيحية المتحالفة مع النظام السوري (في حينه) وهي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" بعد حصار استمر لـ52 يوماً، تعرّض خلالها المخيم لقصف عنيف، وطالت الإعدامات الميدانية عشرات اللاجئين الذين حاولوا الفرار.
دارت معركة إسقاط مخيم تل الزعتر في المنطقة الشرقية من بيروت لإخلاء المنطقة من وجود الفلسطينيين، فسقط المخيم بيد المليشيات المسيحية المتحالفة مع النظام السوري (في حينه) وهي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" بعد حصار استمر لـ52 يوماً، تعرّض خلالها المخيم لقصف عنيف، وطالت الإعدامات الميدانية عشرات اللاجئين الذين حاولوا الفرار.
أسفرت المعركة عن تهجير المسلمين من المنطقة، فلسطينيين ولبنانيين، أغلبهم من الطائفة الشيعية، إلى غرب بيروت، حيث الأغلبية المسلمة. تركت عشرات العائلات منازلها وأثاثها على أمل عودة قريبة، لكن سنوات الحرب الطويلة طوت إمكانية العودة، فاستقرت العائلات في منازل فارغة "احتلوها"، أو مراكز إيواء حزبية عاشت فيها العائلات المهجرة أصعب فترات المحنة.
تذكر لميا، شقيقة علي، يوم التهجير الذي "شكّل هجرة جماعية لأهل المنطقة من المسلمين، وهجرة خاصة لنا أفقدتنا علي".
في 11 أغسطس/آب من ذلك العام، جمع مسلّحو المليشيات سكان المنطقة المسلمين في ساحة الدكوانة، وفصلوا الشباب عن عائلاتهم بعد مصادرة الهويات. كان علي من ضمن المعتقلين، الذين حاولوا الهرب، لكنه فشل "وكان يبكي بشدّة أثناء اصطحابنا إلى ساحة التجمع خوفاً علينا من نظرات المسلّحين. بعد انتظار طويل، ألقى المسلّحون الخبز لنا على الأرض، وأطلقوا النار في الهواء لإرهابنا، ثم قتلوا عدداً من الشباب أمامنا، لم نجد جثة علي ولم ندر إن بقي على قيد الحياة أم لا".
كان علي محباً للحياة، بحسب شقيقته، اقتصر تعليمه على المرحلة الابتدائية، وانتقل لتعلم مهنة النجارة التي أتقنها، وعمل في شركة للمفروشات. لا تملك لميا الكثير من العبارات لوصف شقيقها المخطوف "فهو شخص عادي كان يجب أن يعيش حياته بصورة طبيعية، لكن الخطف حوّل كل تفاصيل حياته إلى قصص ترافقنا في رحلة الانتظار التي بلغت 38 عاماً".
رافق محمد أخواته الصغيرات في رحلاتهم إلى سورية، وإلى مختلف المناطق ضمن المجموعات الشبابية التي حاولت كسر جو الحرب من خلال النزهات المشتركة.
تذكر لميا حبَّ علي الشديد لكرة القدم، إذ لعب مع أبناء منطقة النبعة (الحي الفقير ذي الغالبية الشيعية في شرق بيروت، والقريب من مخيم تل الزعتر). "في أحد الأيام تركنا قرب المطار وذهب إلى ملعب المدينة الرياضية لمتابعة مباراة في الدوري المحلي، كانت كرة القدم شغله الشاغل".
تزوج علي قبل سنة من خطفه، وأنجب إبناً وحيداً أسماه محمد "على اسم جده وحمل كل صفات والده" تقول لميا. كبر محمد بلا أب، لكن أثاث منزل والديه رافقه خلال رحلة الانتقال من منزل لآخر، إلى أن استقر في منزل العائلة الحالي في منطقة مار الياس في بيروت.
تنظر لميا إلى إحدى الطاولات في المنزل وتذكر عرس علي الذي "استمر أربعة أيام بين سحمر وبيروت، لكن سرعان ما اضطر إلى إرسال زوجته وطفله إلى القرية بسبب اندلاع الحرب، فلم تطل فترة الفرحة بالعائلة الجديدة". تذكر "حب علي لأم كلثوم وفريد الأطرش، كنا نختلف يومياً بسبب الراديو الذي يريد كل منا أن يأخذه إلى غرفة النوم الخاصة به".
هي ذكريات بسيطة لعائلة لبنانية كوتها الحرب الأهلية وسرق مسلّحوها إبنها البكر. تعتب لميا على الحكومات المتلاحقة على خلفية "العفو عن المجرمين من كل الأحزاب، ورفض نبش المقابر الجماعية لإجراء فحصوات الحمض النووي". تطلب لميا ما يطلبه كل الأهل: الحق في معرفة مصير المخطوفين، أو على الأقل قبراً معلوماً لزيارتهم.