حين تردُ صفة المحرِّر، تتبادرُ إلى الذهن صورة قائد عسكري أو سياسي في أغلب الأحيان، بل وفي كل الأحيان، ولكن، وذكرى استشهاد الفنان ناجي العلي قبل ثلاثين عاماً تمرّ اليوم، أجد أن صفة "المحرِّر" من أكثر الصفات دقة في تحديد شخصيته وشخصية فنه.
في الثقافة العربية لا يرد مصطلحٌ مثل هذا حين يتحدثون عن فنان أو كاتب؛ هناك صفاتٌ أخرى، مثل المقاوم والمناضل.. إلخ، ولكن التحرير يظلُّ من نصيب من يحرّرون الأرض والديار من استعمار مادي ملموس. ما نعنيه حين نتحدث عن الفنان المحرِّر هو لفت الأنظار إلى فعلهِ المناوئ لاستعمار المخيلة والوعي الأخطر من استعمار الأرض.
هذا هو ما تشير إليه تجربة فنان مثل ناجي العلي في مواجهته لأساطير المستعمر الأجنبي والعدو الطبقي وإظهار تهافتهما. وما يحتاج إلى تصويب هنا بمناسبة ذكراه هو خطأ إبعاد الأنظار عن أبلغ خصائص فنّه، وكل فن، دلالة على معناه، أعني تحرير المخيلة الإنسانية من استعمار تصوّرات ومفاهيم هذين العدوين، وخاصة في هذه الأزمنة المظلمة.
بسلاح السخرية، أو المخيلة المثقفة التي تفرّد بها دون غيره، كان فن ناجي يحرّر مخيلة ووعي الجمهور العربي من سطوة وهيمنة أساطير هذين العدوين، وما زال قادراً على التحرير بفضل قدرته المدهشة على قراءة خريطة الأيام الآتية.