في السنوات الأخيرة، تحركّت النقابات والجهات المتخصّصة في الشؤون الثقافية والفنية، بهدف إيجاد صيغة قانونية تضمن للفنان المغربي حقوقه المادية والمعنوية، وقد يكون هذا الحراك سبباً ضاغطاً أدّى إلى مصادقة أعضاء "لجنة التعليم والثقافة والاتصال" في مجلس النواب المغربي مؤخراً، وبالإجماع على الصيغة المعدّلة لقانون الفنّان والمهن الفنية.
وكانت الصيغة الأولى من بطاقة الفنان، حين صدرت في العام 2006، تعطي أولويّة لحاملها في الشغل والاستفادة من التشريعات المتعلقة بالتغطية الصحية، وشملت الفاعلين في حقول الأدب والمسرح والتشكيل والموسيقى وفن التصوير والفنون السمعية والبصرية والكوريغرافيا والرقص الفني. وبعد أن تمّ توزيعها في حفل رسمي على وجوه معروفة من عالم الموسيقى والمسرح والسينما والأدب، كما لو أنها جوائز لتكريمهم، اكتشف الفنانون أن البطاقة لا تعني شيئاً، في وسط يعرف اختلالات هيكلية في الأساس، وهو ما يؤثر سلباً على التداول الثقافي والفني في المغرب.
سرعان ما تبيّن أن البطاقة غير قادرة على الوصول إلى الأهداف التي صدرت من أجلها في الأساس. لذلك طالبت العديد من الجهات بتعديل القانون المؤسّس، واستطاعت النقابة المغربية لمحترفي المسرح، إحدى النقابات الأكثر تمثيلاً للساحة الفنية في المغرب، أن تقدّم العديد من التوصيات والمذكّرات، إلى جانب الندوات والموائد المستديرة التي أوصلت إلى مقترح القانون الذي شكّل محور العديد من المشاورات مع الهيئات والنقابات المهنية لتقديم الصيغة النهائية، هذه الجهات التي ظلت اثنتي عشرة سنة غير متفاعلة وسلبيّة تجاه التغيرات التي يشهدها الوسط الثقافي والفني في المغرب، لتصل إلى صيغة المقترح الجديد، بعد أربعة أعوام من التشاور، وتقدّمه ليصادق عليه البرلمان المغربي.
يعطي مقترح القانون الجديد أهمية قصوى لبطاقة الفنان والتي أصبحت ملزمة وشرطاً لدعم أي مشروع فني من طرف الدولة، إلى جانب الدعوة، التي ظلّ الفاعلون في المجال يؤكدون عليها في كل مناسبة، إلى القطع مع "الريع" في مجالات الاشتغال السينمائي أو التلفزيوني. ورغم أن المصادقة على هذا المشروع، تأخرت في أروقة البرلمان مدة طويلة من المناقشات، فالغرض الأساسي ربط القانون بـ "الدعم العمومي" للممارسة الفنية الاحترافية في المغرب والتي ظلت تراوح مرحلة انتقالية طويلة لم تستطع معها، لا الدولة ولا الإطارات المشتغلة في المجال أن تخرج بصيغة موحّدة قادرة على تجاوز هذا الانحسار والتراجع في تداول الثقافي والفني، وأيضاً التهلهل الذي يعرفه هذا الوسط.
فإلى أي حد استطاع هذا القانون الجديد للفنان أن يستجيب لتطلعات الفنانين المغاربة؟ وهل الانتقال من صيغة القانون المؤطّر، والذي وضعته المؤسسة الرسمية المغربية سنة 2003، إلى مقترح تشريعي - سيتحوّل في المستقبل القريب إلى قانون تنظيمي للقطاع الفني في البلاد - قادر على إنهاء حالة الاختلالات التي يعرفها الوسط الثقافي والفني في المغرب؟ وكيف يمكن لهذا القانون أن يساهم في تطوير الوضعية الاجتماعية للفنان المغربي، من جهة، وتقوية مبدأ المحاكمة والمحاسبة ومحاربة الفساد، من جهة ثانية؟
الكثير من الأسئلة تناسلت بعد المصادقة على صيغة القانون الجديد، في ظلّ تسويق وترويج له بوصفه سيحل تعقيدات كثيرة، ولكن حلّ هذه التعقيدات يتطلب تدابير تحتاج إلى قرار سياسي جريء يرى في هذا المجال جانبه الاقتصادي والمؤسساتي. "العربي الجديد" أطلّت على آراء بعض المشتغلين في قطاع الفنون في المغرب ورصدت مواقفهم إن كانت مع أو ضدّ القانون.
يعتبر رئيس "النقابة المغربية لمحترفي المسرح" الفنان مسعود بوحسين أن القانون "أرضية" أولية تحتاج للمزيد من التدقيق في بعض بنودها لسد الثغرات، وهو ما سيمكّن من ضمان وضعية استقرار للفنان المغربي في مواجهته للمنتِج.
فيما قدّم الفنان المسرحي عبدالقادر البدوي رسالة احتجاج موجهة الى رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بنكيران، يندّد فيها بمسودّة مشروع القانون واعتبرها صيغة أحادية في "تقرير مصير الفنان المسرحي الاحترافي، من دون استشارة معه أو الإنصات لوجهات نظره"، واعتبر البدوي أن صيغة القانون الجديد جاءت "للالتفاف على جهود بذلها الرعيل المؤسس للمسرح الاحترافي في المغرب". بدورها، وصفت الفنانة حسناء البدوي القانون بأنه "نكسة" حقيقية، ومقترح "يطبع مع الريع الفني".
الكاتب والمخرج المسرحي الزبير بن بوشتى قال إنه لا يعرف إلا القليل عن هذا القانون، إذ قرأ مختصراً له في صفحات بعض أصدقائه على فيسبوك. غير أن صاحب "طنجيتانوس" يؤكد: "أظل متفائلاً بهذا القانون الجديد، خاصة وأنّه سيعمل على تقنين المهنة وحماية حقوق الفنانين، إذ لا شك أن هناك مكتسبات حقّقها القانون، لا سيما على مستوى قطع الطريق على لوبيات الإنتاج التلفزي المتمكنة من رقاب الفنانين والتقنيين والكتّاب والمبدعين، وغيرها من المشاكل التي تعاني منها جلّ مجالات الإبداع والمعرفة في بلادنا، أهمها عدم الاعتراف بإنتاجيتها ومساهمتها في خدمة وتنمية المجتمع".
ورغم عدم معرفته بجزئيات القانون، يعتبر بن بوشتى أن "خروجه إلى حيز الوجود مكسب مهم وخطوة أولى على طريق الألف ميل"، مضيفاً: "المهم الآن هو أن يخرج القانون وأن يساهم في ترسيم وضعية واقعية تحظى باعتراف الدولة، ثم في ما بعد إذا كانت هناك تعديلات أو تنقيحات يتم العمل عليها، فهو يظل ورشة مفتوحة. فوجود "قانون الفنان" في حد ذاته نتاج نضالية الفنانين المغاربة بكل توجهاتهم واختصاصاتهم وانتماءاتهم منذ عدة عقود".
من جهته، يرى السينوغراف والفنان طارق ربح أن من مميزات هذا القانون أنه يدقّق في تعريف الفنان ويؤطّر لمجال اشتغاله بما يحصّن المجالات الفنية من التطاول. كما أنّه يحدّد نسب حاملي البطاقة المهنية الواجب توفّرها في المشاريع الفنية التي تقدّم للمؤسسات المانحة والداعمة والقطاعات الوصية في المجال الفني. ويبين أنه قانون يحدّد من هو المؤلف، ويحصّن حقوق التأليف والملكية الفكرية، كما يحدّد صيغة اشتغال الفنان المغربي والأجنبي المقيم وغير المقيم، ويفرض على كل الممارسين ضريبة من شأنها أن تسهم في تنظيم الشقّ الاجتماعي لحياة الفاعلين في المجال الفني وعائلاتهم. ويكمل أن قانون الفنان الجديد قد تعامل مع واقع الممارسة الفنية وعمل على تحصين المكتسبات وضبط المفاهيم والتعاريف ومراعاة الخصوصية المحلية، ما يجعله قابلاً للتطبيق وملزماً للعمل.
اقرأ أيضاً: المغرب 2015: تحوّلات نيئة وسياسات مطبوخة