قبل أن يحل خراب سد النهضة

20 ابريل 2018
ستحمل 2018 توترات حادة بين مصر وأثيوبيا (الأناضول)
+ الخط -
لم تواجه الأمة المصرية أزمة خارجية تهدد وجودها مثل أزمة سد النهضة الذي يهدد أمنها المائي والقومي، وينتقص حصتها المائية، ويسد شريان الحياة فيها، ذلك أن مصر عبر التاريخ قد تعرضت للغزو والاحتلال مرات ومرات، طمعًا في خيراتها الوفيرة أو مكانتها الاستراتيجية، وفي كل مرة كانت تواجه الغزاة وتطردهم، طال الوقت أم قصر، من غير أن يتعرض وجودها للخطر.

ويسجل التاريخ أيضًا أن مصر كانت تعجز عن مواجهة الأزمات التي ألمت بها بسبب انحسار نهر النيل وانخفاض الفيضان، لما تسببه من تراجع المحاصيل، وجفاف الضرع، وفراغ المخازن من حبوب القمح، وما يستتبعه من الخراب، والمجاعات.

ودليل ذلك ما حل بشعبها إبان الشدة المستنصرية، وفيها خيم شبح الجوع وانعدام الأقوات، حتَّى بيع رغيف الخبز بخمسة عشر دينارًا، والإردب من القمح بثمانين دينارًا، وأكل الناس الكلاب والقطط والجيف والميتة، بل وأكلوا بعضُهم بعضًا، وفق ما سجله المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي في كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة".

وفي السادس من إبريل/ نيسان الجاري، ومن العاصمة السودانية الخرطوم، أعلن وزيرا خارجية مصر والسودان عن الفشل في التوصل لأي اتفاق مع إثيوبيا بشأن قواعد تعبئة وتشغيل سد النهضة، بعد اجتماع ضم وزراء الخارجية والري ومديري المخابرات في الدول الثلاث. وقال الوزير السوداني "جلسنا وناقشنا كثيرًا من القضايا، لكن في النهاية لم نستطع الوصول لتوافق".

ويرجح خبراء من مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن سنة 2018 سوف تحمل في ثناياها توترات حادة بين مصر وإثيوبيا حول المياه.

ونشر المركز تقريرًا عن سد النهضة بعنوان "نهر السخط. السد الإثيوبي قد يقلص بشدة تدفق نهر النيل، ويجعل مصر جافة وتفتقد الماء"، وجاء فيه أن "مصر لم تُظهر أي دليل على أنها تُدرك المخاطر الجمّة التي تُقبل عليها، وأنه فيما يوشك بناء سد النهضة على الانتهاء، وتبدأ إثيوبيا استعداداتها لملء خزاناته، تتجلى في الأفق بوادر اندلاع أزمة مياه في مصر" .

شهادة دولية

أطلقت منظمة الأنهار الدولية صرخة مدوية في تقرير لها بعنوان "5 خرافات تحيط بسد النهضة الإثيوبي"، نشر على موقعها الإلكتروني في 30 يناير/ كانون الثاني 2017، اتهمت فيه الحكومة الإثيوبية بتضليل شعبها والمجتمع الدولي من خلال التسويق لمشروع سد النهضة على أنه نجاح كبير، وأنه سيعود بالفائدة على كل من دولتي المصب في السودان ومصر.

وقالت المنظمة إن العملية السياسية المتعلقة بسد النهضة أصبحت أكثر تعقيدا وتنطوي على خرافات، وأن الحكومة الإثيوبية، رغم هذه الخرافات، لا تزال جادة في عزمها على استكمال بناء السد وأن معدل البناء وصل مطلع 2017 إلى 70% كاملة، رغم ادعاء الحكومة الإثيوبية على لسان وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ديبرتشن جبريمايكل، بأن أديس أبابا أتمت 56% فقط من أعمال البناء في سد النهضة في هذا التاريخ.

وفندت المنظمة الدولية مزاعم الحكومة الإثيوبية بفوائد السد على كل من دولتي المصب في السودان ومصر واعتبرتها "خرافات".

وقالت المنظمة إن التدفقات المائية سوف تنخفض في الوقت الذي تملأ فيه إثيوبيا خزانات سد النهضة، والتي من المتوقع أن تستغرق من 5 إلى 7 سنوات، ما يؤدي إلى قلاقل جيوسياسية حيث تعتمد مصر بشكل كبير على مياه النيل، وتستحوذ الاحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية على 97% من مياه النيل.


وقالت المنظمة "إن قرار إثيوبيا ببناء سد النهضة سوف يهدد الموارد المائية في مصر من خلال زيادة فجوة الغذاء والمياه، فضلا عن مخاطر الصحة العامة، وزيادة ملوحة الأراضي الزراعية بسبب انخفاض تدفقات المياه العذبة".

وأوصت المنظمة بأن تجلس إثيوبيا على طاولة المفاوضات مع جارتيها، مصر والسودان، مع وسيط أمين يضمن أن تكون تدفقات المياه من السد كبيرة بما يكفي لعدم المساس بالتدفقات إلى دولتي المصب.

سيناريوهات الخراب

تعاني مصر من عجز مائي يقدر حاليًا بـ20 مليار متر مكعب، وبحسب تصرح وزير الري الحالي، محمد عبد العاطي، أمام غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة، فإن فقدان مصر 2% من المياه، بما يعادل مليار متر مكعب، يعني فقدان 200 ألف أسرة لوظائفها، ويجعلها عرضة لأخطار التطرف. وبحسب بيانات جهاز الإحصاء، فان متوسط عدد أفراد الأسرة المصرية يتراوح بين 4 و5 أفراد، ما يعني أن فقدان 20 مليار متر مكعب من مياه النيل سوف يؤدي إلى تشريد 4 ملايين أسرة أو 16 إلى 20 مليون مصري.

وكشف علاء النهري، نائب رئيس هيئة الاستشعار من البُعد، التابعة لوزارة البحث العلمي المصرية، ونائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة، عن ترؤسه فريقا علميا لدراسة رسمية استمرت عامين بعنوان "الآثار السلبية لسد النهضة الإثيوبى على مصر".

وتوصلت إلى أن السعة التخزينية للسد بالبحيرة ستصل إلى 96 مليار متر مكعب، وليس كما أعلنت إثيوبيا لم تتعد 76 مليار متر مكعب، وقالت الدراسة "لو فقدت مصر من 4 إلى 4.5 مليارات متر مكعب، سوف يتم تبوير مليون فدان"، وعندما سُئل النهري: هل سيُلاحظ المواطن العادي آثار قلة المياه في النيل حال بناء السد الإثيوبي؟ قال: بالتأكيد سيلاحظ ذلك، و"هيبقى نهر النيل زي ملعب الكورة".

ويرى محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، أنه إذا خزنت إثيوبيا المياه في 4 سنوات، فإنها سوف تقتطع 25 مليار متر مكعب من حصة مصر السنوية، وسوف يتم تعويضها من المخزون الحي لبحيرة ناصر والبالغ 60 مليارا، وبذلك يتم تفريغها تماما بعد 3 سنوات، وتتوقف توربينات توليد الكهرباء تماما، وفي السنة الرابعة تكون حصة مصر 30 مليارا فقط، ويتم تبوير 4 ملايين فدان. هذا في حال كان الفيضان متوسطا.

وفي حال جاء الفيضان منخفضا، وأقدمت إثيوبيا على ملء خزان سد النهضة خلال 5 سنوات فقط، فيرى علاء الظواهري، عضو اللجنة الثلاثية المصرية الرسمية في مفاوضات سد النهضة، أن بحيرة ناصر سوف تفرغ من مخزونها تمامًا في أول عامين من سنوات الملء، وتقل مستويات المياه في النيل، وهو ما سيُحْدِث خللا في مآخذ محطات مياه الشرب على النيل، وستحتاج تطويرا وإمدادات هندسية، تتكلف عليها الدولة مئات المليارات من الدولارات، بحسب تصريحات صحافية له في 2 مارس/ آذار 2014.

وسينخفض منسوب المياه الجوفية في الصعيد بنحو 3 أمتار، وتزداد ملوحة الخزان الجوفي في الدلتا بسبب زحف مياه البحر، ويزيد معدل التآكل في السواحل الشمالية. كما سيؤدي إلى تفريغ المياه من السد العالي، ليصل إلى حد جفاف السد العالي تمامًا في السنة الثالثة للتخزين، وستتوقف توربينات السد العالي وخزان أسوان، وبالتالي خفض كميات الطاقة الكهربائية المنتجة، وسيؤدي إلى تدهور شديد بالمزارع السمكية بين 50% إلى 75% منها، وفق رأي علام.

وحول رأيه في المفاوضات الجارية، أكد علام، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2015، أن المفاوض المصري في ملف سد النهضة ارتكب أخطاء فنية وسياسية جسيمة وتنازلت مصر عن النص على الحصة المائية فى إعلان المبادئ الذي وقعه السيسي في مارس 2015، وتنازلت عن النص على التفاوض على سعة السد، فلم يتبق إلا الإقالة الفورية لكل من شارك في هذا التهريج ومحاكمتهم وتغيير مسار المفاوضات قبل حلول الخراب!

في سبتمبر/ أيلول 2015، رفعت مجموعة من الخبراء المصريين تطلق على نفسها اسم "مجموعة حوض النيل"، يرأسها نصر علام، وزير الري السابق، وتضم 15 أستاذًا وخبيرًا وسفيرًا بجامعة القاهرة، نصيحة إلى السيسي بضرورة الإعلان صراحة عن فشل مسار المباحثات الفنية والبدء الفوري في مسارين سياسي وقانوني، للمحافظة على حقوق مصر المائية واللجوء إلى مجلس الأمن الدولي واستصدار قرار يلزم إثيوبيا بوقف أعمال البناء في السد لحين إتمام الدراسات الفنية، حتى لا يؤدي التوتر الذي خلفته الأزمة إلى اشتعال الصراع بما يهدد السلم والأمن الإقليميين، فهل يأخذ السيسي بالنصيحة قبل حلول الخراب؟!