عندما يتعلق الأمر بقراءة الكتب فهي ذات فوائد كبيرة مهما كان شكل الكتاب، ورقي أو إلكتروني. ليس الأمر مرتبطاً بترف فكري ما أو حذلقة معرفية، بل بنشاط ذهني يؤدي إلى تغيير في الخلايا العصبية للدماغ بحسب باحثين مختصين.
عام 2016، حللت دراسة من كلية جامعة "ييل" للصحة العامة في الولايات المتحدة معلومات استطلاعات رأي أجريت على مدار 12 عاماً على عادات القراءة لدى 3600 رجل وامرأة يتجاوزون سنّ الخمسين عاماً، وتبيّن فيها، بحسب تقرير لموقع مجلة "ريدرز دايجست"، أنّ هناك نمطاً محدداً في النتائج. فقد اتضح أنّ من يقرؤون الكتب باختلاف أنواعها، خيالية أو واقعية، شعراً أو نثراً، لمدة 30 دقيقة يومياً على الأقل طوال سنوات عدة، عاشوا عامين إضافيين، كمعدل، مقارنة بأولئك الذين لم يقرؤوا أبداً. الأغرب أنّ قراء الكتب الذين يداومون على هذه العادة لأكثر من 3 ساعات أسبوعياً كانوا أقل بـ23 في المائة عرضة للموت بين عامي 2001 و2012، مقارنة بأقرانهم الذين كانوا يقرؤون الجرائد والمجلات فقط.
من المعروف أنّ قراءة الكتب في مرحلة التنشئة منذ الطفولة حتى التعليم الجامعي توسع المدارك، وتعزز الذاكرة، وتسمح للفرد بابتكار الحلول والتوصل إليها، وتسجيل نتائج مرتفعة في اختبارات الذكاء، وهو ما ينعكس على نيله وظائف أفضل من غيره ممن لا يقرؤون الكتب، خصوصاً في المجتمعات التي تعتمد شركاتها ومؤسساتها على الكفاءة وحدها للتعيين في المناصب. لكنّ دراسات أخيرة، ومن ضمنها دراسة جامعة "ييل"، تشدد على أهمية قراءة الكتب ما بعد فترة التنشئة تلك، وهو ما يروّج لاتجاه معرفي جديد يعنى بـ"التعليم مدى الحياة". فمهارات القراءة وتعلم اللغات يمكن أن تدعم الوظائف الحيوية للدماغ على أعلى مستوى.
التفسير أنّ الكتب تتطلب قراءة معمقة على عكس القراءة السطحية للجرائد والمجلات وأخبارها المتغيرة بين يوم وآخر. الكتب تحث الدماغ على التفكير النقدي، كما أنّ الانتقال بين الفصول وما فيه من عمق يربط أفكارها ومفاهيمها وتحليلاتها بالعالم الخارجي وما فيه من وقائع. هذا الربط يجعل الدماغ نفسه يختط لنفسه مسالك بين فصوصه الأربعة ونصفي الكرة المخية، ومع الوقت تسمح هذه الشبكات العصبية بتسريع عملية التفكير، ويمكن أن تزود الدماغ بحصانة أكبر تجاه الآثار السلبية للاضمحلال المعرفي المؤدي إلى الخرف. كذلك، أثبتت قراءة الكتب الخيالية في حدّ ذاتها فعاليتها الكبيرة أيضاً في تعزيز الذكاء العاطفي. مثل هذه الدراسة تشكل حجة قوية في مواجهة من يعتبرون قراءة الكتب "بلا فائدة"، فكلّ كتاب نقرأه قد يكون عاملاً حاسماً في زيادة العمر ونوعية الحياة.