قصائد جديدة لـ"رشا عمران"

04 نوفمبر 2014
+ الخط -
1-

ثمّة مرآةٌ كبيرةٌ على بابِ غرفة النوم 
كلّما وقفتُ أمامها 
رأيتُ وجه المرأة التي كانتْ تسكنُ في المنزلِ قبلي 
المرأة التي لا أعرفها 
لكنّني أكتشفُ تفاصيلَ أسرارها 
حكايةً وراءَ أخرى 
كلّما وقفتْ أمام المرآة 
المرآةُ الكبيرةُ على بابِ غرفةِ النوم 
التي وضعَتها المرأةُ الوحيدةُ التي كانت تسكنُ في المنزل قبلي

2- 

لو أنّني أنا من سكنتْ في البيتِ قبلها 
لكنتُ فعلتُ الشيء ذاته: 
أن أنزعَ العينَ الساحرة أعلى البابِ الخارجي 
وأتركَ مكانَها مفتوحًا 
كي تأتي عينٌ عاديةٌ 
وتتلصّص 
على عزلتي

-3 

وأنا أفتحُ بابَ البيت عائدةً من سهرةٍ طويلة، رأيتُها تنتظرني وراءَ الباب، وثمّة ابتسامةٌ شامتةٌ على وجهِها كما لو كانتْ تقولُ لي: كلّ ما تفعلينَه عبثٌ، خبرتُه جيدًا؛ السَهر مع الأصدقاء، كأسُ آخر الليل، غزلُ السكارى في البارِ الضيّق، رسائلُ الموبايل التي ترسلينَها كلّ ساعة. فقط هنا، حيث تسكنين، ثمّة فسحةٌ رحبةٌ كيما تتأمّلين جسدَك وتتلوّين وحيدةً كأفعى في سلةِ عازفِ نايّ بلا ملامح. قالتْ هذا ثم اختفتْ بعد أن تركتْ آثار ابتساماتِها الشامتة من أوّل البيت حتّى السرير في غرفة النوم العاتمة. كلّ ما فعلتُه أنني عبرتُ بين ابتساماتِها الشامتة، ثم نمتُ في سريري، حاضنةً مِخدتي خشيةَ أن يستفردَ بي موتُ أوّل الصباح.

-4 

في خزانةِ الحائطِ 
ثمّة دفترٌ قديم 
وجملةٌ واحدةٌ فقط مكتوبة بخطٍ قلِق: وحيدة .. كيتيمةٍ تشتهي أن يمشّطَ أحدٌ شعرَها المبلل! 
الجملةُ التي كتَبتها المرأة التي سكنتْ في المنزل قبلي وضعتْ فوقها خصلةَ شعرٍ بيضاءَ رقيقةً ورحلتْ. 
كلّ ما فعلتُه أنّني كتبتُ اسمي تحتَ الجملة وعلّقت الورقة على الحائطِ الفارغِ، 
ثمّ أخذتُ مشطًا وسرّحتُ خصلةَ الشعرِ البيضاءِ الرقيقة 
وهكذا 
كنتُ أعيدُ المشهدَ كلّ يومٍ 
كما لو كنتُ أسلّي وحدتي 
كي لا تبدأ بقضمِ 
أصابعَ قدمي


5- 

قلتُ للرجلِ الذي معي: 
نحن النساء نتوالدُ من أنفسِنا 
كأنّنا رحمٌ وحيدٌ 
وكأنّ جدتي هي ابنتي 
لنا كلّنا نفس انسيابِ أفعى الحُقول 
ولنا برودة الرخامِ تحتَ إناءٍ خارج لتوّه من الفرن 
الفارقُ فقط 
هو القدرةُ على حياكةِ أطولَ مسافةٍ من الفتقِ أسفلَ الثدي الأيسر 
لم يصدْقني 
فتحَ البابَ الخارجي ومضى 
بينما المرأةُ الوحيدة التي سكنتْ في البيت قبلي 
كانتْ ترمِقنا بإشفاقٍ وهي تتناولُ المناديلَ الورقية 
وتمسح البقعَ الحمراء على البلاطِ البارد 
البقع المتسرّبة من الجرحِ الطويل 
تحتَ ثديِها الأيسر


6- 

ليس شيئًا أننا وحيدات 
نحنُ كأعواد البامبو، نكتفي إذا أردنا، بالماءِ كي تخضرّ أطرافُنا 
وقد نمسكُ في انحيازاتِنا بالبراكين 
ونضعُ قلوبَنا أسفلَ تربتها 
قربَ نقطةِ الاحتكاك التي تولّدُ النارَ العظيمة 
وحين ينتهي كلّ شيء 
نرتفعُ كما شجراتٍ خالدةٍ وسْطَ الخراب 
شاهداتٍ على منابتِ الحزنِ والموتِ 
ليسَ شيئًا أننا وحيدات 
نحنُ قادراتٍ على اللعبِ بعجينة ما تبقّى من حياتِنا أينما كنّا .. 
كنتُ أقولُ هذا صباحًا على الهاتفِ لصديقتي وهي توضّبُ حقائبها نحو وحشةٍ مختلفةٍ 
بينما المرأة التي سكنتْ المنزل قبلي 
كانتْ تقفُ ورائي مباشرةً 
ويداها في شعري 
تسحبانِ خيوطَ الخيبةِ البيضاء التي تلتفّ حولَ رأسي 
كلّ ليلة 
حين أنامُ كامرأةٍ وحيدةٍ 
تحضنُ مخدّتها


-7 

أفكّر أحيانًا 
أن النساءَ الوحيدات يشبهْنَ الشُرفات النافِرة 
يتّسعنَ لأحواضِ الزّرع 
ولحبلِ الغسيلِ المزدوج 
ولكرسيٍ وحيدٍ يعرفُ الفرقَ بين الشمسِ وضوءِ القمر 
وللنملِ حين ينحازُ للطرفِ الحادّ من الشرفة. 
أفكّر أحيانًا 
أن النساءَ الوحيدات يُشبهنَ الشُرفات النافرة 
معلّقاتٍ في الفراغ 
عصيّاتٍ على الرياح 
غيرَ أنّ الرمالَ التي أحيانًا تُغطي كلّ شيء 
ترسمُ ملامحَ الصحراءِ على الشرفة 
حيثُ يختفي الزرع 
والكرسيُّ الوحيد 
وحبلُ الغسيلِ المزدوج 
وحدَه النملُ 
في الطرفِ الحادّ من الشرفة 
يبحثُ بين الرمل 
عمّا يقيهِ حاجةَ الأيام
المساهمون